﴿ فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
فَإِنْ خِفْتُمْ لم يذكر ما يخاف منه ليشمل الخوف من كافر وظالم وسبع، وغير ذلك من أنواع المخاوف، أي: إن خفتم بصلاتكم على تلك الصفة فصلوها رِجَالًا أي: ماشين على أقدامكم، أَوْ رُكْبَانًا على الخيل والإبل وغيرها، ويلزم على ذلك أن يكونوا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، وفي هذا زيادة التأكيد على المحافظة على وقتها حيث أمر بذلك ولو مع الإخلال بكثير من الأركان والشروط، وأنه لا يجوز تأخيرها عن وقتها ولو في هذه الحالة الشديدة، فصلاتها على تلك الصورة أحسن وأفضل بل أوجب من صلاتها مطمئنا خارج الوقت فَإِذَا أَمِنْتُمْ أي: زال الخوف عنكم فَاذْكُرُوا اللَّهَ وهذا يشمل جميع أنواع الذكر ومنه الصلاة على كمالها وتمامها كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون فإنها نعمة عظيمة ومنة جسيمة، تقتضي مقابلتها بالذكر والشكر ليبقي نعمته عليكم ويزيدكم عليها.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
والفاء في قوله: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً للتفريع أى: حافظوا على الصلاة في كل وقت، وأدوها بخشوع واطمئنان، فإن كان بكم خوف من عدو في حال المقاتلة في الحرب أو من غيره لسبب من الأسباب، فصلوا راجلين أى ماشين على الأقدام، أو راكبين على ركائبكم بإيماء، سواء وليتم وجوهكم شطر القبلة أولا.و (رجالا) جمع راجل. وهو القوى على المشي برجليه. يقال: رجل الإنسان يرجل رجلا إذا لم يحد ما يركبه ومشى على قدميه، والركبان جمع راكب للجمل أو الفرس أو غيرهما.وجواب الشرط محذوف والتقدير: فإن خفتم فصلوا راجلين أو راكبين، وهذان اللفظان أى- رجالا أو ركبانا- حالان من الضمير في «فصلوا» المحذوف.والآية الكريمة تدل على شدة عناية الإسلام بشأن الصلاة، فقد أمر الله- تعالى- عباده بأن يحافظوا عليها في حالتي الأمن والخوف، والصحة والمرض، والسفر والإقامة..وقد بسط هذا المعنى الأستاذ الإمام محمد عبده فقال ما ملخصه: وقوله- تعالى-: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً هذا تأكيد للمحافظة على الصلاة، وبيان أنها لا تسقط بحال، لأن حال الخوف على النفس أو العرض أو المال هو مظنة العذر في الترك كما يكون السفر عذرا في ترك الصيام.. والسبب في عدم سقوط الصلاة عن المكلف بحال أنها عمل قلبي، وإنما فرضت تلك الأعمال الظاهرة لأنها مساعدة على العمل القلبي المقصود بالذات، وهو تذكر سلطان الله- تعالى- المستولى علينا وعلى العالم كله، ومن شأن الإنسان إذا أراد عملا قلبيا يجتمع فيه الذكر أن يستعين على ذلك ببعض ما يناسبه من قول وعمل.ولا ريب أن هذه الهيأة التي اختارها الله- تعالى- للصلاة هي أفضل معين على استحضار سلطانه فإن قولك «الله أكبر» في فاتحة الصلاة وعند الانتقال فيها من عمل إلى عمل يعطيك من الشعور بكون الله أكبر وأعظم من كل شيء ما يغمر روحك، ويستولى على إرادتك..وكذلك الشأن في سائر أعمال الصلاة.فإذا تعذر عليك الإتيان ببعض تلك الأعمال البدنية فإن ذلك لا يسقط عنك هذه العبادة القلبية التي هي روح الصلاة وغيرها، وهي الإقبال على الله- تعالى- واستحضار سلطانه، مع الإشارة إلى تلك الأعمال بقدر الإمكان الذي لا يمنع من مدافعة الخوف الطارئ من سبع مفترس، أو عدو مغتال، أو لص محتال.. فالآية تعلمنا أنه يجب أن لا يذهلنا عن الله شيء في حال من الأحوال..» .وقال الإمام ابن العربي: قوله- تعالى-: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً أمر الله- تعالى- بالمحافظة على الصلاة في كل حال من صحة ومرض، وحضر وسفر، وقدرة وعجز، وخوف وأمن، لا تسقط عن المكلف بحال، ولا يتطرق إلى فرضيتها اختلال. وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب» .والمقصود من ذلك أن تفعل الصلاة كيفما أمكن، لا تسقط بحال حتى لو لم يتفق فعلها إلا بالإشارة بالعين للزم فعلها كذلك إذا لم يقدر على حركة سائر الجوارح، وبهذا المعنى تميزت عن سائر العبادات، فإن العبادات كلها تسقط بالأعذار، ولذلك قال علماؤنا: إن تارك الصلاة يقتل، لأنها أشبهت الإيمان الذي لا يسقط بحال، ولا تجوز النيابة فيها ببدن ولا مال».ثم قال- تعالى-: فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ أى فإذا زال خوفكم وصرتم آمنين مطمئنين، «فاذكروا الله» أى فأدوا الصلاة تامة كاملة مثل ما علمكم إياها ربكم على لسان نبيكم صلّى الله عليه وسلّم وقد من الله- تعالى- عليكم بهذا التعليم الذي كنتم تجهلونه فضلا منه وكرما.وعبر- سبحانه- «بإن» المفيدة للشك في حالة الخوف، وبإذا المفيدة للتحقيق في حالة الأمن، للإشعار بأن حالة الأمن هي الحالة الكثيرة الثابتة، وأن حالة الخوف هي الحالة القليلة الطارئة، وفي ذلك فضل جزيل من الله- تعالى- على عباده يحملهم على شكره وطاعته، حيث وهبهم الأمان والاطمئنان في أغلب أوقات حياتهم.وبذلك نرى أن هاتين الآيتين الكريمتين قد أمرتا المسلّم بأن يحافظ على الصلاة محافظة تامة، إذ في هذه المحافظة سعادة للإنسان، ودافع له على أداء الحقوق لأربابها، وزاجر له عن اقتراف.ما نهى الله عنه.ثم ختمت السورة الكريمة حديثها عن أحكام الزواج وما يتعلق به من طلاق ووصية وعدة وغير ذلك من أحكام بقوله- تعالى-:
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى : ( فإن خفتم فرجالا ) ( فرجالا ) أي رجالة يقال : راجل ورجال مثل صاحب وصحاب وقائم وقيام ونائم ونيام ( أو ركبانا ) على دوابهم وهو جمع راكب معناه إن لم يمكنكم أن تصلوا قانتين موفين للصلاة حقها لخوف فصلوا مشاة على أرجلكم أو ركبانا على ظهور دوابكم وهذا في حال المقاتلة والمسايفة يصلي حيث كان وجهه راجلا أو راكبا مستقبل القبلة وغير مستقبلها ويومئ بالركوع والسجود ويجعل السجود أخفض من الركوع وكذلك إذا قصده سبع أو غشيه سيل يخاف منه على نفسه فعدا أمامه مصليا بالإيماء يجوز .والصلاة في حال الخوف على أقسام فهذه صلاة شدة الخوف وسائر الأقسام سيأتي بيانها في سورة النساء إن شاء الله تعالى ولا ينتقص عدد الركعات بالخوف عند أكثر أهل العلم وروى عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة وهو قول عطاء وطاووس والحسن ومجاهد وقتادة : أنه يصلي في حال شدة الخوف ركعة وقال سعيد بن جبير : إذا كنت في القتال وضرب الناس بعضهم بعضا فقل " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر واذكر الله فتلك صلاتك . . .( فإذا أمنتم فاذكروا الله ) أي فصلوا الصلوات الخمس تامة بحقوقها ( كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ) .