﴿ وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
يقول تعالى: وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ كالصحة بعد المرض، والغنى بعد الفقر، والأمن بعد الخوف، نسوا ما أصابهم من الضراء، ولم يشكروا الله على الرخاء والرحمة، بل استمروا في طغيانهم ومكرهم.ولهذا قال: إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا أي يسعون بالباطل، ليبطلوا به الحق.قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا فإن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، فمقصودهم منعكس عليهم، ولم يسلموا من التبعة، بل تكتب الملائكة عليهم ما يعملون، ويحصيه الله عليهم، ثم يجازيهم [الله] عليه أوفر الجزاء.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله أَذَقْنَا من الذوق وحقيقته إدراك الطعام ونحوه بالذوق باللسان واستعمل هنا على سبيل المجاز في إدراك ما يسر وما يؤلم من المعنويات كالرحمة والضراء.قال الآلوسى «والمراد بالناس كفار مكة على ما قيل، لما روى من أن الله- تعالى- سلط عليهم القحط سبع سنين، حتى كادوا يهلكون فطلبوا منه أن يدعو لهم بالخصب، ووعدوه بالإيمان، فلما دعا لهم ورحمهم الله- تعالى- بالمطر، طفقوا يطعنون في آياته- تعالى- ويعاندون نبيه صلى الله عليه وسلم.وقيل: إن الناس عام لجميع الكفار» .والضراء من الضر، وهو ما يصيب الإنسان في نفسه من أمراض وأسقام.والمكر: هو التدبير الخفى الذي يفضى بالممكور به إلى ما لا يتوقعه من مضرة وكيد.والمعنى: وإذا أذقنا الناس منا رحمة كأن منحناهم الصحة والسعادة والغنى من بعد ضراء أصابتهم في أنفسهم أو فيمن يحبون، ما كان منهم إلا المبادرة إلى الطعن في آياتنا الدالة على قدرتنا، والاستهزاء بها والتهوين من شأنها.وأسند إذاقته الرحمة إلى ضمير الجلالة، وأسند المساس إلى الضراء، رعاية للأدب مع الله- تعالى-، لأنه وإن كان كل شيء من عنده، إلا أن الأدب معه- سبحانه- يقتضى إسناد الخير إليه والشر إلى غيره كما في قوله- تعالى-: وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وفي الحديث: «اللهم إن الخير بيديك والشر ليس إليك» .وإذا الأولى شرطية، والثانية فجائية والجملة بعدها جواب الشرط.وجاء التعبير بإذا الفجائية في الجواب، للإشارة إلى توغلهم في الجحود والكنود فهم بمجرد أن حلت النعمة بهم محل النقمة، عادوا إلى عنادهم وجهلهم، ونسبوا كل خير إلى غيره- تعالى-.قال الرازي: «واعلم أنه- تعالى- ذكر هذا المعنى بعينه فيما تقدم من هذه السورة في قوله- تعالى- وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً، فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ.. إلا أنه- تعالى- زاد في هذه الآية التي نحن بصدد تفسيرها دقيقة أخرى ما ذكرها في تلك الآية، وتلك الدقيقة هي أنهم يمكرون عند وجدان الرحمة.وفي الآية المتقدمة ما كانت هذه الدقيقة مذكورة فثبت بما ذكرنا أن عادة هؤلاء الأقوام اللجاج والعناد والمكر .وقوله: قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ أمر من الله- تعالى- لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن يرد عليهم بما يبطل مكرهم.أى: قل يا محمد لهؤلاء الجاحدين الذين يسرعون بالمكر في مقام الشكر، إن الله- تعالى- أسرع مكرا منكم لأنه لا يخفى عليه شيء من مكركم، ولأن الحفظة من الملائكة يسجلون عليكم أقوالكم وأفعالكم، التي تحاسبون عليها في يوم القيامة حسابا عسيرا، وسترون أن مكركم السيئ لا يحيق إلا بكم.وقوله: أَسْرَعُ أفعل تفضيل من الفعل الثلاثي سرع- كضخم وحسن-، أو من الفعل الرباعي «أسرع» عند من يرى ذلك.والجملة الكريمة تحقيق للانتقام منهم. وتنبيه على أن مكرهم الخفى غير خاف على الحفظة من الملائكة فضلا عن الخالق- عز وجل- الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.وسمى- سبحانه- إنكارهم لآياته واستهزاءهم بها مكرا، لأنهم كانوا كثيرا ما يتجمعون سرا، ليتشاوروا في المؤامرات التي يعرقلون بها سير الدعوة الإسلامية، وفي الشبهات التي يوجهونها إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله عز وجل : ( وإذا أذقنا الناس ) يعني : الكفار ، ( رحمة من بعد ضراء ) أي : راحة ورخاء من بعد شدة وبلاء . وقيل : القطر بعد القحط ، ( مستهم ) أي : أصابتهم ، ( إذا لهم مكر في آياتنا ) قال مجاهد : تكذيب واستهزاء . وقال مقاتل بن حيان : لا يقولون : هذا من رزق الله ، إنما يقولون : سقينا بنوء كذا ، وهو قوله : " وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون " ( الواقعة - 82 ) .( قل الله أسرع مكرا ) أعجل عقوبة وأشد أخذا وأقدر على الجزاء ، يريد : عذابه في إهلاككم أسرع إليكم مما يأتي منكم في دفع الحق ، ( إن رسلنا ) حفظتنا ، ( يكتبون ما تمكرون ) وقرأ يعقوب : " يمكرون " بالياء .