﴿ ويقولون لولا أنـزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
وَيَقُولُونَ أي: المكذبون المتعنتون، لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ يعنون: آيات الاقتراح التي يعينونها كقولهم: لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا الآيات.وكقولهم: وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا الآيات.فَقُلْ لهم إذا طلبوا منك آية إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ أي: هو المحيط علما بأحوال العباد، فيدبرهم بما يقتضيه علمه فيهم وحكمته البديعة، وليس لأحد تدبير في حكم ولا دليل، ولا غاية ولا تعليل.فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ أي: كل ينتظر بصاحبه ما هو أهل له، فانظروا لمن تكون العاقبة.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ومرادهم بالآية التي طلبوها: آية كونية سوى القرآن الكريم، بأن تكون معه صلى الله عليه وسلم ناقة كناقة صالح- عليه السلام- أو تكون معه عصا كعصا موسى- عليه السلام- وكأنهم لا يعتبرون القرآن آية كبرى، ومعجزة عظمى على صدقه صلى الله عليه وسلم.ومرادهم بإنزالها عليه: ظهورها على يديه صلى الله عليه وسلم حتى يروا ذلك بأعينهم.أى: ويقول هؤلاء المشركون لنبيهم صلى الله عليه وسلم هلا أنزل الله عليك آية أخرى سوى القرآن الكريم تكون شاهدة لك بالنبوة، كأن تعيد إلى الحياة آباءنا، وكأن تحول جبال مكة إلى بساتين» .ومطالبهم هذه إنما طلبوها على سبيل العناد والتعنت لا على سبيل الاسترشاد والثبت، قال- تعالى-: وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ.. .وقوله: فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ أمر من الله- تعالى- لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن يرد عليهم بما يفحمهم.أى: قل لهم في الجواب على هذه المطالب المتعنتة: إن هذه المطالب التي طلبتموها هي من علم الغيب الذي استأثر الله به، فقد يجيبكم إليها- سبحانه- وقد لا يجيبكم، فانتظروا فيما يقضيه الله في أمر تعنتكم في مطالبكم، إنى معكم من المنتظرين لقضائه وقدره، ولما يفعله بي وبكم.فالجملة الكريمة تهديد لهم على تعنتهم وجهلهم، وتهوينهم من شأن القرآن الكريم، مع أنه أصدق معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم وأعظمها.ولقد حكى القرآن- في آيات أخرى كثيرة- المطالب المتعنتة التي طلبها المشركون من النبي صلى الله عليه وسلم والتي تدل على عنادهم وجحودهم، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً. أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً. أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا، أَوْيَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ. قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا .كما حكى أيضا- سبحانه- أنه لو أجابهم إلى مطالبهم لما آمنوا، لأنهم معاندون جاحدون فقال- تعالى- إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ. وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ.وقال- سبحانه-: وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ .وبعد أن ساقت السورة الكريمة جانبا من أقوال الذين لا يرجون لقاء الله ومن مقترحاتهم الباطلة ومن معتقداتهم الفاسدة، أتبعت ذلك بتصوير بعض الطبائع البشرية تصويرا صادقا يكشف عن أحوال النفوس في حالتي السراء والضراء فقال- تعالى-:
﴿ تفسير البغوي ﴾
( ويقولون ) يعني : أهل مكة ، ( لولا أنزل عليه ) أي : على محمد صلى الله عليه وسلم ( آية من ربه ) على ما نقترحه ، ( فقل إنما الغيب لله ) يعني : قل إنما سألتموني الغيب وإنما الغيب لله ، لا يعلم أحد لم لم يفعل ذلك ولا يعلمه إلا هو . وقيل : الغيب نزول الآية لا يعلم متى ينزل أحد غيره ، ( فانتظروا ) نزولها ( إني معكم من المنتظرين ) وقيل : فانتظروا قضاء الله بيننا بالحق بإظهار المحق على المبطل .