إعراب الآية 61 من سورة آل عمران - إعراب القرآن الكريم - سورة آل عمران : عدد الآيات 200 - - الصفحة 57 - الجزء 3.
تفريع على قوله : { الحق من ربك فلا تكن من الممترين } لما فيه من إيماء إلى أنّ وفد نجران ممترون في هذا الذي بَيّن الله لهم في هذه الآيات : أي فإن استمرّوا على محاجتهم إياك مكابرةً في هذا الحق أو في شأن عيسى فادعهم إلى المباهلة والملاعنة . ذلك أنّ تصْميمَهم على معتقدهم بعد هذا البيان مكابرة محْضة بعد ما جاءك من العلم وبينتَ لهم ، فلم يبق أوضحُ مما حاجَجْتهم به فعلمت أنهم إنما يحاجونك عن مكابرة ، وقلة يقين ، فادعهم إلى المباهلة بالملاعنة الموصوفة هنا .
و { تعالوا } اسم فعل لطلب القدوم ، وهو في الأصل أمر من تعالى يتعالى إذا قَصد العلوّ ، فكأنّهم أرادوا به في الأصل أمراً بالصعود إلى مكان عاللٍ تشريفاً للمدعُو ، ثم شاع حتى صار لمطلق الأمر بالقدوم أو الحضور ، وأجريت عليه أحوال اسم الفعل فهو مبني على فتح آخره وأما قول أبي فراس الحمداني
: ... أيَا جَارَتَا مَا أنْصَفَ الدهرُ بيننا
تَعَالِي أقَاسِمْككِ الهُمُومَ تَعَالِي ... فقد لحَّنوه فيه .
ومعنى { تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم } ائتوا وادعوا أبناءكم ونحن ندعو أبناءنا إلى آخره ، والمقصود هو قوله : { ثم نبتهل } إلى آخره .
و ( ثم ) هنا للتراخي الرتبي .
والابتهال مشتق من البَهْل وهو الدعاء باللعن ويطلق على الاجتهاد في الدعاء مطلقاً لأنّ الداعي باللعن يجتهد في دعائه والمراد في الآية المعنى الأول .
ومعنى { فنجعل لعنت الله } فنَدْعُ بإيقاع اللعنة على الكاذبين . وهذا الدعاء إلى المباهلة إلجاءٌ لهم إلى أن يعترفوا بالحق أو يَكفُوا . روى المفسرون وأهل السيرة أنّ وفد نجران لما دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملاعنة قال لهم العاقب : نلاعنه فوالله لئن كان نبيئاً فلاعننا لا نفلح أبداً ولا عقبنا من بعدنا فلم يجيبوا إلى المباهلة وعدلوا إلى المصالحة كما سيأتي .
وهذه المباهلة لعلّها من طرق التناصف عند النصارى فدعاهم إليها النبي صلى الله عليه وسلم لإقامة الحجة عليهم .
وإنما جمع في الملاعنة الأبناء والنساء : لأنه لمّا ظهرت مكابرتهم في الحق وحبّ الدنيا ، عُلم أنّ من هذه صفته يكون أهله ونساؤه أحبّ إليه من الحق كما قال شعيب «أرَهْطِيَ أعَزُّ علَيكم من الله» وأنه يخشى سوء العيش ، وفقدان الأهل ، ولا يخشى عذاب الآخرة .
والظاهر أنّ المراد بضمير المتكلم المشارَك أنه عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين ، والذين يحضرهم لذلك وأبناء أهل الوفد ونساؤهم اللاّئي كُنَّ معهم .
والنساء : الأزواج لا محالة ، وهو إطلاق معروف عند العرب إذا أضيف لفظ النساء إلى واحد أو جماعة دون ما إذا وَرَد غير مضاف ، قال تعالى : { يا نساء النبسي لستُنّ كأحدٍ من النساء } [ الأحزاب : 32 ] وقال : { ونساء المؤمنين } وقال النابغة
: ... حِذارَا على أنْ لاَ تُنَالَ مَقَادَتِي
ولاَ نِسْوَتِي حَتى يَمُتْن حَرائرا ... والأنفس أنفس المتكلمين وأنفس المخاطبين أي وإيانا وإياكم ، وأما الأبناء فيحتمل أنّ المراد شبانهم ، ويحتمل أنه يشمل الصبيان ، والمقصود أن تعود عليهم آثار الملاعنة .
والابتهال افتعال من البهل ، وهو اللعن ، يقال : بهله الله بمعنى لعنه واللعنة بَهلة وبُهلة بالضم والفتح ثم استعمل الابتهال مجازاً مشهوراً في مطلق الدعاء قال الأعشى :
لا تقعدنَّ وقد أكَّلّتَها حطباً ... تعوذ من شرّها يوماً وتبتهل
وهو المراد هنا بدليل أنّه فرّع عليه قوله : { فنجعل لعنت الله على الكاذبين } .
وهذه دعوة إنصاف لا يدعو لها إلاّ واثق بأنه على الحق . وهذه المباهلة لم تقع لأنّ نصارى نجران لم يستجيبوا إليها . وقد روى أبو نعيم في الدلائل أنّ النبي هيأ علياً وفاطمةً وحَسَناً وحُسَيناً ليصحبهم معه للمباهلة . ولم يذكروا فيه إحضار نسائه ولا إحضار بعض المسلمين .
المصدر : إعراب : فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع