إعراب الآية 18 من سورة الشورى - إعراب القرآن الكريم - سورة الشورى : عدد الآيات 53 - - الصفحة 485 - الجزء 25.
يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (18)
{ قَرِيبٌ * يَسْتَعْجِلُ بِهَا الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا والذين ءَامَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ } .
يجوز أن تكون جملة { يستعجل بها } إلى آخرها حالاً من { الساعة } [ الشورى : 17 ] . ويجوز أن تكون بياناً لجملة { وما يدريك لعل الساعة قريب } [ الشورى : 17 ] لما تضمنته من التنبيه والتهيئة بالنسبة إلى فريقي المؤمنين بالسّاعة ، والذين لا يؤمنون بها ، فذكر فيها حال كلا الفرِيقين تجاه ذلك التنبيه . فأما المشركون فيتلقونه بالاستهزاء والتصميم على الجحد بها ، وهو المراد بقوله : { يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها } ، والذين آمنوا بها يعملون لما به الفوز عندها ، ولذلك جيء عقبها بجملة { ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد } كما سيأتي .
والاستعجال : طلب التعجيل ، وتقدم في قوله تعالى : { استعجالهم بالخير } في سورة يونس ( 11 ) ، أي يطلب الذين لا يؤمنون بالسّاعة من النبي أن يعجّل الله بحلول السّاعة ليبين صدقه ، تهكماً واستهزاء وكناية عن اتخاذهم تأخرها دليلاً على عدم وقوعها ، وهم آيسون منها كما دلّ عليه قوله في مقابله والذين آمنوا مشفقون منها } . وقد تكرر منهم هذا المعنى بأساليب ذكرت في تضاعيف آي القرآن كقوله : { ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين } [ سبأ : 29 ] { وقالوا ربَّنا عَجِّلْ لنا قِطَّنَا قبل يوم الحساب } [ ص : 16 ] .
والإشفاق : رجاء وقوع ما يكره ، أي مشفقون من أهوالها ، وتقدم في قوله : { وهم من خشيته مشفقون } [ الأنبياء : 28 ] . وإنما جعل الإشفاق من ذات الساعة لإفادة تعظيم أهوالها حتى كأن أحوالها هي ذاتها ، على طريقة إسناد الحكم ونحوِه إلى الأعيان نحو { حُرِّمت عليكم الميتةُ } [ المائدة : 3 ] ، فهم يتوخون النجاة منها بالطاعة والتقوى ، أي فهم لا يستعجلون بها وإنما يغتنمون بقاءهم في الدّنيا للعمل الصالح والتوبة .
والمراد ب { الذين لا يؤمنون } : المشركون ، وعبر عنهم بالموصول لأن الصلة تدلّ على علة استعجالهم بها ، والمراد بالذين آمنوا : المسلمون فإن هذا لقب لهم ، ففي الكلام احتباك ، تقديره : يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها فلا يشفقون منها والذين آمنوا مشفقون منها فلا يستعجلون بها .
وعُطفت على { مشفقون منها } جملةُ { ويعلمون أنها الحق } لإفادة أن إشفاقهم منها إشفاق عن يقين وجزم لا إشفاقٌ عن تردد وخشيَةِ أن يكشف الواقع على صدق الإخبار بها وأنه احتمال مساوٍ عندهم . وتعريف { الحق } في قوله : { أنّها الحق } تعريف الجنس وهو يفيد قصر المسند على المسند إليه قصر مبالغة لكمال الجنس في المسند إليه نحو : عنترةُ الشجاع ، أي يوقنون بأنها الحق كل الحق ، وذلك لظهور دلائل وقوعها حتى كأنه لا حق غيره .
{ الحق أَلاَ إِنَّ الذين يُمَارُونَ فَى الساعة لَفِى ضلال } .
الجملة تذييل لما قبلها بصريحها وكنايتها لأن صريحها إثبات الضلال للذين يكذِّبون بالساعة وكنايتها إثباتُ الهدى للذين يؤمنون بالساعة . وهذا التذييل فذلكة للجملة التي قبلها .
وافتتاح الجملة بحرف { أَلاَ } الذي هو للتنبيه لقصد العناية بالكلام .
والمُمَاراة : مفاعلة من المِرْية بكسر الميم وهي الشك . والمماراة : المُلاحَّة لإدخال الشك على المجادل ، وقد تقدم في قوله تعالى : { فلا تمارِ فيهم } في سورة الكهف ( 22 ) .
وجُعل الضلال كالظرف لهم تشبيهاً لتلبسهم بالضلال بوقوع بالمظروف في ظرفه ، فحرف { في } للظرفية المجازية .
ووصف الضلال بالبعيد وصفٌ مجازي ، شُبه الكفر بضلال السائر في طريق وهو يكون أشد إذا كان الطريق بعيداً ، وذلك كناية عن عسر إرجاعه إلى المقصود .
والمعنى : لفي ضلال شديد ، وتقدم في قوله : { فَقَدْ ضَلَّ ضلالاً بعيداً } في سورة النساء ( 116 ) .
المصدر : إعراب : يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها