ما المسيح ابن مريم عليه السلام إلا رسولٌ كمن تقدمه من الرسل، وأُمُّه قد صَدَّقت تصديقًا جازمًا علمًا وعملا وهما كغيرهما من البشر يحتاجان إلى الطعام، ولا يكون إلهًا مَن يحتاج الى الطعام ليعيش. فتأمَّل -أيها الرسول- حال هؤلاء الكفار. لقد وضحنا العلاماتِ الدالةَ على وحدانيتنا، وبُطلان ما يَدَّعونه في أنبياء الله. ثم هم مع ذلك يَضِلُّون عن الحق الذي نَهديهم إليه، ثم انظر كيف يُصرفون عن الحق بعد هذا البيان؟
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت» مضت «من قبله الرسل» فهو يَمضي مثلهم وليس بإله كما زعموا وإلا لما مضى «وأُمُّه صدَيقة» مبالغة في الصدق «كانا يأكلان الطعام» كغيرهما من الناس ومن كان كذلك لا يكون إلها لتركيبه وضعفه وما ينشأ منه من البول والغائط «أنظر» متعجبا «كيف نبين لهم الآيات» على وحدانيتنا «ثم أنظر أنَّى» كيف «يُؤفكون» يصرفون عن الحق مع قيام البرهان.
﴿ تفسير السعدي ﴾
ثم ذكر حقيقة المسيح وأُمِّه، الذي هو الحق، فقال: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ْ أي: هذا غايته ومنتهى أمره، أنه من عباد الله المرسلين، الذين ليس لهم من الأمر ولا من التشريع، إلا ما أرسلهم به الله، وهو من جنس الرسل قبله، لا مزية له عليهم تخرجه عن البشرية إلى مرتبة الربوبية. وَأُمَّهُ ْ مريم صِدِّيقَةٌ ْ أي: هذا أيضا غايتها، أن كانت من الصديقين الذين هم أعلى الخلق رتبة بعد الأنبياء. والصديقية، هي العلم النافع المثمر لليقين، والعمل الصالح. وهذا دليل على أن مريم لم تكن نبية، بل أعلى أحوالها الصديقية، وكفى بذلك فضلا وشرفا. وكذلك سائر النساء لم يكن منهن نبية، لأن الله تعالى جعل النبوة في أكمل الصنفين، في الرجال كما قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ْ فإذا كان عيسى عليه السلام من جنس الأنبياء والرسل من قبله، وأمه صديقة، فلأي شيء اتخذهما النصارى إلهين مع الله؟ وقوله: كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ْ دليل ظاهر على أنهما عبدان فقيران، محتاجان كما يحتاج بنو آدم إلى الطعام والشراب، فلو كانا إلهين لاستغنيا عن الطعام والشراب، ولم يحتاجا إلى شيء، فإن الإله هو الغني الحميد. ولما بين تعالى البرهان قال: انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ْ الموضحة للحق، الكاشفة لليقين، ومع هذا لا تفيد فيهم شيئا، بل لا يزالون على إفكهم وكذبهم وافترائهم، وذلك ظلم وعناد منهم.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى : ( ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت ) [ مضت ] ( من قبله الرسل ) أي : ليس هو بإله بل هو كالرسل الذين مضوا لم يكونوا آلهة ) ( وأمه صديقة ) أي : كثيرة الصدق .وقيل : سميت صديقة لأنها صدقت بآيات الله ، كما قال عز وجل في وصفها : " وصدقت بكلمات ربها " ( التحريم ، 12 ) ، ( كانا يأكلان الطعام ) أي : كانا يعيشان بالطعام والغذاء كسائر الآدميين ، فكيف يكون إلها من لا يقيمه إلا أكل الطعام؟وقيل : هذا كناية عن الحدث ، وذلك أن من أكل وشرب لا بد له من البول والغائط ، ومن هذه صفته كيف يكون إلها؟ثم قال : ( انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون ) أي يصرفون عن الحق .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم بين- سبحانه- حقيقة عيسى عليه السلام- وحقيقة أمه مريم حتى يزيل عن ساحتهما ما افتراه عليهما المفترون فقال- تعالى: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ.وقوله صِدِّيقَةٌ صيغة مبالغة في التمسك بفضيلة الصدق مثل شريب ومسيك مبالغة في الشرب والمسك.قال الراغب: والصديق من كثر منه الصدق، وقيل: بل يقال لمن لم يكذب قط: وقيل:بل لمن لا يأتى منه الكذب لتعوده الصدق. وقيل، لمن صدق بقوله واعتقاده وحقق صدقه بفعله.. قال تعالى- فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ فالصديقون هم قوم دون الأنبياء في الفضيلة .والمعنى: إن الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة. قد قالوا منكرا وزورا، إذ ليس الألوهية إلا لله وحده وليس المسيح عيسى ابن مريم سوى بشر من البشر ورسول مثل الرسل الذين سبقوه كنوح وإبراهيم وموسى وغيرهم من الرسل الذين مضوا دون أن يدعى واحد منهم الألوهية.وأما أم عيسى مريم فما هي إلا أمة من إماء الله كسائر النساء ديدنها الصدق مع خالقها- عز وجل- أو التصديق له في سائر أمورها. وهما- أى عيسى وأمه مريم- عبدان من عباد الله كانا يأكلان الطعام، ويشربان الشراب ويتصرفان كما يتصرف سائر البشر فكيف ساغ لكم- يا معشر النصارى- أن تصفوهما بأنهما إلهين مع أن طبيعتهما الظاهرة أمامكم تتنافى تنافيا تاما مع صفات الألوهية: إن وصفكم لهما بالألوهية لدليل واضح على فساد عقولكم وضلال تفكيركم، وعظيم جهلكم.وقوله مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ جملة مشتملة على قصر موصوف على صفة، وهو قصر إضافى، أى أن المسيح مقصور على صفة الرسالة لا يتجاوزها إلى غيرها وهي الألوهية فالقصر قصر قلب لرد اعتقاد النصارى في عيسى أنه الله، أو أنه جزء من الله أو أنه أحد آلهة ثلاثة.وقوله: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ صفة للرسول وهو عيسى أريد بها بيان أنه مساو للرسل الكرام الذين سبقوه في تبليغ رسالة الله إلى الناس وأنه ليس بدعا في هذا الوصف وإذا فلا شبهة للذين زعموا انه إله لأنه لم يجيء بشيء زائد على ما جاء به الرسل.وقوله. وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ معطوف على قوله: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ والقصد من وصف مريم بذلك مدحها والثناء عليها، ونفى أن يكون لها وصف أعلى من ذلك، فهي ليست إلها. كما أنها ليست رسولا.ولذا قال ابن كثير: دلت الآية على أن مريم ليست بنبية- كما زعمه ابن حزم وغيره ممن ذهب إلى نبوة سارة أم إسحاق ونبوة أم عيسى ونبوة أم موسى- استدلالا منهم بخطاب الملائكة لسارة ومريم وبقوله: وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ والذي عليه الجمهور أن الله لم يبعث نبيا إلا من الرجال- قال تعالى- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرىوقوله: كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ جملة مستأنفة لبيان خواصهما الآدمية بعد بيان منزلتهما السامية عند الله- تعالى- وقد اختيرت هذه الصفة لهما من بين صفات كثيرة كالمشرب والملبس. لأنها صفة واضحةظاهرة للناس، ودالة على احتياجهما لغيرهما في مطلب حياتهما، ومن يحتاج إلى غيره لا يكون إلها.وقال صاحب الكشاف: لأن من احتاج إلى الاغتذاء بالطعام وما يتبعه من الهضم والنفض، لم يكن إلا جسما مركبا من عظم ولحم وعروق وأعصاب وأخلاط وأمزجة مع شهوة.. وغير ذلك مما يدل على أنه مصنوع مؤلف كغيره من الأجسام وحاشا للإله أن يكون كذلك .ففي هذه الجمل الكريمة رد على ما زعمه النصارى في شأن عيسى وأمه بأبلغ وجه وأحكمه، ولذا عجب الله- تعالى- رسوله وكل من يصلح للخطاب من جهلهم وبعدهم عن الحق مع وضوحه وظهوره فقال: انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ أى: يصرفون يقال أفكه يأفكه إذا صرفه عن الشيء.أى: انظر- يا محمد- كيف تبين لهم الأدلة المنوعة على حقيقة عيسى وأمه بيانا واضحا ظاهرا. ثم انظر بعد ذلك كيف ينصرفون عن الإصاخة إليها والتأمل فيها لسوء تفكيرهم، واستيلاء الجهل والوهم والعناد على عقولهم.فالجملتان الكريمتان تعجيب لكل عاقل من أحوال النصارى الذين زعموا أن الله هو المسيح ابن مريم، أو أن الله ثالث ثلاثة. مع أنه- سبحانه- أقام لهم الأدلة المتعددة على بطلان ذلك.وكرر الله- سبحانه- الأمر بالنظر للمبالغة في التعجيب من أحوالهم الغريبة وجيء بثم المفيدة للتراخي في قوله ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ لإظهار ما بين وضوح الآيات وانصرافهم عنها من تفاوت شديد أى: أن بياننا للآيات أمر بديع في بابه بحيث يجعل كل عاقل يستجيب لها، ويخضع لما تدعو إليه من هدايات وخيرات. وانصراف هؤلاء الضالين عنها- مع وضوحها وتعاضد ما يوجب قبولها- أمر يدعو إلى العجب الشديد من جهلهم وضلالهم وسوء تفكيرهم.ثم تابع- سبحانه- حديثه عن ضلال أهل الكتاب وجهالتهم فأمر رسوله- صلى الله عليه وسلم أن يوبخهم على عنادهم وغفلتهم وأن يواصل دعوتهم إلى الدين الحق فقال- تعالى:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
ثم قال : ( ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ) أي : له سوية أمثاله من سائر المرسلين المتقدمين عليه ، وأنه عبد من عباد الله ورسول من رسله الكرام ، كما قال : ( إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ) [ الزخرف : 59 ] .وقوله : ( وأمه صديقة ) أي : مؤمنة به مصدقة له . وهذا أعلى مقاماتها فدل على أنها ليست بنبية ، كما زعمه ابن حزم وغيره ممن ذهب إلى نبوة سارة أم إسحاق ونبوة أم موسى ونبوة أم عيسى استدلالا منهم بخطاب الملائكة لسارة ومريم وبقوله : ( وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه ) [ القصص : 7 ] [ قالوا ] وهذا معنى النبوة ، والذي عليه الجمهور أن الله لم يبعث نبيا إلا من الرجال ، قال الله تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى ) [ يوسف : 109 ] ، وقد حكى الشيخ أبو الحسن الأشعري رحمه الله الإجماع على ذلك .وقوله : ( كانا يأكلان الطعام ) أي : يحتاجان إلى التغذية به ، وإلى خروجه منهما ، فهما عبدان كسائر الناس وليسا بإلهين كما زعمت فرق النصارى الجهلة ، عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة .ثم قال تعالى : ( انظر كيف نبين لهم الآيات ) أي : نوضحها ونظهرها ( ثم انظر أنى يؤفكون ) أي : ثم انظر بعد هذا البيان والوضوح والجلاء أين يذهبون؟ وبأي قول يتمسكون؟ وإلى أي مذهب من الضلال يذهبون؟ ؟
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكونقوله تعالى : ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ابتداء وخبر ; أي : ما المسيح وإن ظهرت الآيات على يديه فإنما جاء بها كما جاءت بها الرسل ; فإن كان إلها فليكن كل رسول إلها ; فهذا رد لقولهم واحتجاج عليهم ، ثم بالغ في الحجة فقال : وأمه صديقة ابتداء وخبر كانا يأكلان الطعام أي : أنه مولود مربوب ، ومن ولدته النساء وكان يأكل الطعام مخلوق محدث كسائر المخلوقين ; ولم يدفع هذا أحد منهم ، فمتى يصلح المربوب لأن يكون ربا ؟ ! وقولهم : كان يأكل بناسوته لا بلاهوته فهذا منهم مصير إلى الاختلاط ، ولا يتصور اختلاط إله بغير إله ، ولو جاز اختلاط القديم بالمحدث لجاز أن يصير القديم محدثا ، ولو صح هذا في حق عيسى لصح في حق غيره حتى يقال : اللاهوت مخالط لكل محدث ، وقال بعض المفسرين في قوله : كانا يأكلان الطعام إنه كناية عن الغائط والبول ، وفي هذا دلالة على أنهما بشران ، وقد استدل من قال : إن مريم عليها السلام لم تكن نبية بقوله تعالى : وأمه صديقة .قلت : وفيه نظر ، فإنه يجوز أن تكون صديقة مع كونها نبية كإدريس عليه السلام ; وقد مضى في " آل عمران " ما يدل على هذا . والله أعلم . وإنما قيل لها صديقة لكثرة تصديقها بآيات ربها وتصديقها ولدها فيما أخبرها به . عن الحسن وغيره . والله أعلم .قوله تعالى : انظر كيف نبين لهم الآيات أي الدلالات . ثم انظر أنى يؤفكون أي : كيف يصرفون عن الحق بعد هذا البيان ; يقال : أفكه يأفكه إذا صرفه ، وفي هذا رد على القدرية والمعتزلة .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَقال أبو جعفر: وهذا [خَبَرٌ] من الله تعالى ذكره، (19) احتجاجًا لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم على فِرَق النصارى في قولهم في المسيح.يقول= مكذِّبًا لليعقوبية في قِيلهم: " هو الله " والآخرين في قيلهم: " هو ابن الله " =: ليس القول كما قال هؤلاء الكفرة في المسيح، ولكنه ابن مريم ولدته ولادةَ الأمهات أبناءَهن، وذلك من صفة البشر لا من صفة خالق البشر، وإنما هو لله رسولٌ كسائر رسله الذين كانوا قبلَه فمضوا وخَلَوْا، أجرى على يده ما شاء أن يجريه عليها من الآيات والعِبر، حجةً له على صدقه، وعلى أنه لله رسول إلى من أرسله إليه من خلقه، كما أجرى على أيدي من قبله من الرسل من الآيات والعِبر، حجةً لهم على حقيقةِ صدقهم في أنهم لله رسلٌ (20) =" وأمه صِدّيقة "، يقول تعالى ذكره وأمّ المسيح صِدِّيقةٌ.* * *و " الصِدِّيقة "" الفِعِّيلة "، من " الصدق "، وكذلك قولهم: " فلان صِدِّيق "،" فِعِّيل " من " الصدق "، ومنه قوله تعالى ذكره: وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ . [سورة النساء: 69]. (21)وقد قيل إن " أبا بكر الصدّيق " رضي الله عنه إنما قيل له: " الصّدّيق " لصدقه.وقد قيل: إنما سمي" صديقًا "، لتصديقه النبي صلى الله عليه وسلم في مسيره في ليلة واحدةٍ إلى بيت المقدس من مكة، وعودِه إليها.* * *وقوله: " كانا يأكلان الطعام "، خبٌر من الله تعالى ذكره عن المسيح وأمّه: أنهما كانا أهل حاجةٍ إلى ما يَغْذُوهما وتقوم به أبدانهما من المطاعم والمشارب كسائر البشر من بني آدم، فإنّ من كان كذلك، فغيرُ كائنٍ إلهًا، لأن المحتاج إلى الغذاء قِوَامه بغيره. وفي قوامه بغيره وحاجته إلى ما يقيمه، دليلٌ واضحٌ على عجزه. والعاجز لا يكون إلا مربوبًا لا ربًّا.* * *القول في تأويل قوله : انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: انظر يا محمد، كيف نبين لهؤلاء الكفرة من اليهود والنصارى=" الآيات "، وهي الأدلَّةُ، والأعلام والحُجج على بُطُول ما يقولون في أنبياء الله، (22) وفي فريتهم على الله، وادِّعائهم له ولدًا، وشهادتهم لبعض خلقه بأنه لهم ربٌّ وإله، ثم لا يرتدعون عن كذبهم وباطل قِيلهم، ولا ينزجرون عن فريتهم على ربِّهم وعظيم جهلهم، مع ورود الحجج القاطعة عذرَهم عليهم. يقول تعالى ذكره لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم: " ثم انظر "، يا محمد=" أنَّى يؤفكون "، يقول: ثم انظر، مع تبييننا لهم آياتنا على بُطول قولهم، أيَّ وجه يُصرَفون عن بياننا الذي نبيِّنه لهم؟ (23) وكيف عن الهدى الذي نهديهم إليه من الحق يضلُّون؟* * *والعرب تقول لكل مصروف عن شيء: " هو مأفوك عنه ". يقال: " قد أفَكت فلانًا عن كذا "، أي: صرفته عنه،" فأنا آفِكه أفْكًا، وهو مأفوك ". و " قد أُفِكت الأرض "، إذا صرف عنها المطر. (24)-------------الهوامش :(19) الزيادة بين القوسين لا بد منها حتى يستقيم الكلام.(20) انظر تفسير"المسيح" فيما سلف ص: 480 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.(21) انظر تفسير"الصديق" فيما سلف 8: 530- 532.(22) انظر تفسير"الآيات" فيما سلف (أيي).(23) المطبوعة: "بينته لهم" ، والصواب من المخطوطة ، وهي غير منقوطة.(24) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 174 ، 175.
﴿ ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون ﴾