﴿ يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
يعني: اذكروا يوم الجمع الذي يجمع الله به الأولين والآخرين، ويقفهم موقفًا هائلاً عظيمًا، وينبئهم بما عملوا، فحينئذ يظهر الفرق والتفاوت بين الخلائق، ويرفع أقوام إلى أعلى عليين، في الغرف العاليات، والمنازل المرتفعات، المشتملة على جميع اللذات والشهوات، ويخفض أقوام إلى أسفل سافلين، محل الهم والغم، والحزن، والعذاب الشديد، وذلك نتيجة ما قدموه لأنفسهم، وأسلفوه أيام حياتهم، ولهذا قال: ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ .أي: يظهر فيه التغابن والتفاوت بين الخلائق، ويغبن المؤمنون الفاسقين، ويعرف المجرمون أنهم على غير شيء، وأنهم هم الخاسرون، فكأنه قيل: بأي شيء يحصل الفلاح والشقاء والنعيم والعذاب؟فذكر تعالى أسباب ذلك بقوله: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ [أي:] إيمانًا تامًا، شاملاً لجميع ما أمر الله بالإيمان به، وَيَعْمَلْ صَالِحًا من الفرائض والنوافل، من أداء حقوق الله وحقوق عباده. يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، وتختاره الأرواح، وتحن إليه القلوب، ويكون نهاية كل مرغوب، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم حذرهم- سبحانه- من أهوال يوم القيامة فقال- تعالى-: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ.والظرف يَوْمَ متعلق بقوله- تعالى- قبل ذلك: ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ.والمراد بيوم الجمع: يوم القيامة. سمى بذلك لأنه اليوم الذي يجتمع فيه الأولون والآخرون في مكان واحد للحساب والجزاء.وسمى- أيضا بيوم التغابن، لأنه اليوم الذي يغبن فيه أهل الحق أهل الباطل.والتغابن تفاعل من الغبن بمعنى الخسران والنقص، يقال غبن فلان فلانا إذا بخسه حقه، بأن أخذ منه سلعة بثمن أقل من ثمنها المعتاد، وأكثر ما يستعمل الغبن في البيع والشراء، وفعله من باب ضرب، ويطلق الغبن على مطلق الخسران أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الجاحدين للبعث: لتبعثن يوم القيامة ثم لتنبؤن بما عملتم يوم القيامة يوم يجتمع الخلائق للحساب فيغبن فيه أهل الحق أهل الباطل، ويغبن فيه المؤمنون الكافرين، لأن أهل الإيمان ظفروا بالجنة، وبالمقاعد التي كان سيظفر بها الكافرون لو أنهم آمنوا، ولكن الكافرين استمروا على كفرهم فخسروا مقاعدهم في الجنة، ففاز بها المؤمنون.قال القرطبي: يَوْمُ التَّغابُنِ أى: يوم القيامة ... وسمى يوم القيامة بيوم التغابن، لأنه غبن أهل الجنة أهل النار.أى: أن أهل الجنة أخذوا الجنة، وأهل النار أخذوا النار على طريق المبادلة فوقع الغبن على الكافرين لأجل مبادلتهم الخير بالشر، والنعيم بالعذاب.يقال: غبنت فلانا، إذا بايعته أو شاريته، فكان النقص عليه، والغلبة لك.فإن قيل: فأى معاملة وقعت بينهما حتى يقع الغبن فيها؟ قيل له: هو تمثيل الغبن في الشراء والبيع .وقال الآلوسى ما ملخصه: ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ أى يوم غبن فيه أهل الجنة أهل النار، فالتفاعل ليس على ظاهره، كما في التواضع والتحامل لوقوعه من جانب واحد، واختير للمبالغة.وقد ورد هذا التفسير عن ابن عباس ومجاهد وقتادة. واختاره الواحدي.وقال غير واحد: ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ أى: اليوم الذي غبن فيه بعض الناس بعضا، بنزول السعداء منازل الأشقياء لو كانوا سعداء، وبالعكس ففي الحديث الصحيح: «ما من عبد يدخل الجنة إلا أرى مقعده من النار- لو أساء- ليزداد شكرا، وما من عبد يدخل النار إلا أرى مقعده من الجنة- لو أحسن ليزداد حسرة- وهو مستعار من تغابن القوم في التجارة، وفيه تهكم بالأشقياء لأنهم لا يغبنون حقيقة السعداء، بنزولهم في منازلهم من النار .ثم فصل- سبحانه- أحوال الناس في هذا اليوم الهائل الشديد فقال وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً، يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ، وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ.أى: ومن يؤمن بالله- تعالى- إيمانا حقا، ويعمل عملا صالحا، يكفر الله- تعالى- عنه سيئاته التي عملها في الدنيا بأن يزيلها من صحيفة عمله- فضلا منه- تعالى- وكرما- وفوق ذلك يدخله بفضله وإحسانه جنات تجرى من تحت ثمارها الأنهار خالِدِينَ فِيها أَبَداً أى: خلودا أبديا.ذلِكَ الذي ذكرناه لكم من تكفير السيئات، ومن دخول الجنات.. هو الْفَوْزُ الْعَظِيمُ الذي لا فوز يقاربه أو يدانيه.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( يوم يجمعكم ليوم الجمع ) يعني يوم القيامة يجمع فيه أهل السماوات والأرض ( ذلك يوم التغابن ) وهو تفاعل من الغبن وهو فوت الحظ ، والمراد بالمغبون من غبن عن أهله ومنازله في الجنة ، فيظهر يومئذ غبن كل كافر بتركه الإيمان ، وغبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان ( ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ) قرأ أهل المدينة والشام : " نكفر " " وندخله " وفي سورة الطلاق " ندخله " بالنون فيهن ، وقرأ الآخرون بالياء ( خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ) .