ومما يجب عليهم أن يقوموا به ويعلنوه ويدعوا إليه ويصدعوا به، ولهذا قال: أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ أي: أفبهذا الكتاب العظيم والذكر الحكيم أنتم تدهنون أي: تختفون وتدلسون خوفا من الخلق وعارهم وألسنتهم؟ هذا لا ينبغي ولا يليق، إنما يليق أن يداهن بالحديث الذي لا يثق صاحبه منه.وأما القرآن الكريم، فهو الحق الذي لا يغالب به مغالب إلا غلب، ولا يصول به صائل إلا كان العالي على غيره، وهو الذي لا يداهن به ولا يختفى، بل يصدع به ويعلن.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم تتحدث السورة فى أواخرها . بأسلوب مؤثر ، عن لحظات الموت . وعن اللحظات التى يفارق الإنسان فيها هذه الحياة ، وأحباؤه من حوله لا يملكون له نفعا . . . وعن بيان الحالة التى يكون عليها هذا المفارق لهم ، فتقول : ( أفبهذا الحديث . . . ) .الاستفهام فى قوله - تعالى - : ( أفبهذا الحديث أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ ) للإنكار والتوبيخ . وهو داخل على مقدر .والمراد بالحديث : القرآن الكريم ، وما تضمنه من هدايات وإرشادات وتشريعات . .وقوله : ( مُّدْهِنُونَ ) من الإدهان وأصله جعل الجلد ونحوه مدهونا بشىء من الدهن ليلين ، ثم صار حقيقة عرفية فى الملاينة والمسايرة والمداراة ومنه قوله - تعالى - : ( وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ) والمراد به هنا : تظاهر المشركين بمهادنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبما جاء به من قرآن كريم ، وإبداؤهم من اللين خلاف ما يبطنون من المكر والبغضاء .ويصح أن يكون الإدهان هنا : بمعنى التكذيب والنفاق ، إذ أن هذه المعانى - أيضا - تتولد عن المداهنة والمسايرة .أى : أتعرضون - أيها المشركون - عن الحق الذى جاءكم به رسولنا - صلى الله عليه وسلم - فتظهرون أمامه بمظهر المداهن والمهادن ، الذى يلين أمام خصمه ، ولا يقابله بالشدة والحزم : مع أنه فى الوقت نفسه يضمر له أشد أنواع السوء والكراهية؟إذا كان هذا شأنكم ، فاعلموا أن تصرفكم هذا لا يخفى علينا؟!وقوله - سبحانه - وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون معطوف على ما قبله من باب عطف الجملة على الجملة . والكلام على حذف مضاف .والمعنى : أتعرضون عن هذا القرآن على سبل المداهنة والملاينة ، وتجعلون شكر نعمة رزقنا لكم به . وبالمطر الذى لا حياة لكم بدونه ، أنكم تكذبون بكونهما من عند الله - تعالى فتقولون فى شأن القرآن ، أساطير الأولين ، وتقولون إذا ما أنزلنا المطر عليكم : مطرنا بسبب نوء كذا . أى : بسبب سقوط النجم فى جهة المغرب من الفجر .
﴿ تفسير البغوي ﴾
( أفبهذا الحديث ) يعني القرآن ( أنتم ) يا أهل مكة ( مدهنون ) قال ابن عباس : مكذبون . وقال مقاتل بن حيان : كافرون ، نظيره : " ودوا لو تدهن فيدهنون " ( القلم - 9 ) والمدهن والمداهن : الكذاب والمنافق وهو من الإدهان وهو الجري في الباطن على خلاف الظاهر هذا أصله ، ثم قيل للمكذب : مدهن وإن صرح بالتكذيب والكفر .