وأما طعامهم ف لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ وذلك أن المقصود من الطعام أحد أمرين: إما أن يسد جوع صاحبه ويزيل عنه ألمه، وإما أن يسمن بدنه من الهزال، وهذا الطعام ليس فيه شيء من هذين الأمرين، بل هو طعام في غاية المرارة والنتن والخسة نسأل الله العافية.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله: يُسْمِنُ من السّمن- بكسر السين وفتح الميم- وهو وفرة اللحم والشحم في الحيوان وغيره. يقال: فلان أسمنه الطعام، إذا عاد عليه بالسمن.وقوله يُغْنِي من الإغناء ودفع الحاجة. يقال: أغنانى هذا الشيء عن غيره، إذا كفاه واستغنى به عن سواه. أى: أن أصحاب هذه الوجوه التعيسة بجانب شرابهم من الماء البالغ النهاية في الحرارة، لهم- أيضا- طعام من أقبح الطعام وأردئه وأشنعه وأشده مرارة.. هذا الطعام لا يأتى بسمن، ولا يغنى من جوع، بل إن آكله ليزدرده رغما عنه.فأنت ترى أن الله- تعالى- قد أخبر عن أصحاب هذه الوجوه الشقية بجملة من الأخبار المحزنة المؤلمة، التي منها ما يتعلق بهيئاتهم، ومنها ما يتعلق بأحوالهم، ومنها ما يتعلق بشرابهم، ومنها ما يتعلق بطعامهم.ووصف- سبحانه- طعامهم بأنه لا يسمن ولا يغنى من جوع، لزيادة تقبيح هذا الطعام، وأنه شر محض، لا مكان لأية فائدة معه.قال صاحب الكشاف: الضريع: اليابس من نبات الشبرق، وهو جنس من الشوك، ترعاه الإبل مادام رطبا. فإذا يبس تحامته الإبل وهو سم قاتل..فإن قلت: كيف قيل: لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ وفي الحاقة وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ؟. قلت: العذاب ألوان، والمعذبون طبقات، فمنهم: أكلة الزقوم، ومنهم أكلة الغسلين، ومنهم أكلة الضريع.والضريع: منفعتا الغذاء منفيتان عنه: وهما إماطة الجوع، وإفادة القوة والسمن في البدن. أو أريد: أن لا طعام لهم أصلا، لأن الضريع ليس بطعام للبهائم، فضلا عن الإنس، لأن الطعام ما أشبع أو أسمن، وهما منه بمعزل، كما تقول: ليس لفلان ظل إلا الشمس.تريد: نفى الظل على التوكيد. .
﴿ تفسير البغوي ﴾
قال المفسرون : فلما نزلت هذه الآية قال المشركون : إن إبلنا لتسمن على الضريع ، وكذبوا في ذلك ، فإن الإبل إنما ترعاه ما دام رطبا ، وتسمى " شبرقا " فإذا يبس لا يأكله شيء . فأنزل الله : ( لا يسمن ولا يغني من جوع )