﴿ ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
تفسير الآيات من 65الى 68 : لما ادعى اليهود أن إبراهيم كان يهوديا، والنصارى أنه نصراني، وجادلوا على ذلك، رد تعالى محاجتهم ومجادلتهم من ثلاثة أوجه، أحدها: أن جدالهم في إبراهيم جدال في أمر ليس لهم به علم، فلا يمكن لهم ولا يسمح لهم أن يحتجوا ويجادلوا في أمر هم أجانب عنه وهم جادلوا في أحكام التوراة والإنجيل سواء أخطأوا أم أصابوا فليس معهم المحاجة في شأن إبراهيم، الوجه الثاني: أن اليهود ينتسبون إلى أحكام التوراة، والنصارى ينتسبون إلى أحكام الإنجيل، والتوراة والإنجيل ما أنزلا إلا من بعد إبراهيم، فكيف ينسبون إبراهيم إليهم وهو قبلهم متقدم عليهم، فهل هذا يعقل؟! فلهذا قال أفلا تعقلون أي: فلو عقلتم ما تقولون لم تقولوا ذلك، الوجه الثالث: أن الله تعالى برأ خليله من اليهود والنصارى والمشركين، وجعله حنيفا مسلما، وجعل أولى الناس به من آمن به من أمته، وهذا النبي وهو محمد صلى الله على وسلم ومن آمن معه، فهم الذين اتبعوه وهم أولى به من غيرهم، والله تعالى وليهم وناصرهم ومؤيدهم، وأما من نبذ ملته وراء ظهره كاليهود والنصارى والمشركين، فليسوا من إبراهيم وليس منهم، ولا ينفعهم مجرد الانتساب الخالي من الصواب. وقد اشتملت هذه الآيات على النهي عن المحاجة والمجادلة بغير علم، وأن من تكلم بذلك فهو متكلم في أمر لا يمكن منه ولا يسمح له فيه، وفيها أيضا حث على علم التاريخ، وأنه طريق لرد كثير من الأقوال الباطلة والدعاوى التي تخالف ما علم من التاريخ
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم بين- سبحانه- مظهرا آخر من مظاهر مخالفة أهل الكتاب لمقتضيات العقول السليمة وهو أنهم يجادلون في أمر ليس عندهم أسباب العلم به فقال- تعالى- ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ.والمعنى: أنتم يا معشر أهل الكتاب جادلتم وبادلتم الحجة- سواء أكانت صحيحة أم فاسدة في أمر لكم به علم في الجملة، كجدالكم فيما وجدتموه في كتبكم من أمر موسى وعيسى- عليهما السلام- أو كجدالكم فيما جاء في التوراة والإنجيل من أحكام، ولكن كيف أبحتم لأنفسكم أن تجادلوا في أمر ليس لكم به علم أصلا، وهو جدالكم في دين إبراهيم وشريعته؟لأنه من البديهي أن إبراهيم ما كان يهوديا ولا نصرانيا إذ وجوده سابق على وجودهما بأزمان طويلة.وإذن فجدالكم في شأن إبراهيم هو لون من ألوان جهلكم ومخالفتكم لكل ما تقتضيه العقول السليمة، والنفوس المستقيمة.وقوله- تعالى- ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ ها حرف تنبيه، وأنتم مبتدأ، وهؤلاء منادى بحرف نداء محذوف حاجَجْتُمْ خبر المبتدأ أنتم. والتقدير: أنتم يا هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم.ويرى صاحب الكشاف أن قوله أَنْتُمْ مبتدأ وهؤُلاءِ خبره. وحاجَجْتُمْ جملة مستأنفة مبينة للجملة الأولى. والمعنى: أنتم هؤلاء الأشخاص الحمقى وبيان حماقتكم وقلة عقولكم أنكم جادلتم «فيما لكم به علم» مما نطق به التوراة والإنجيل. فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ولا ذكر له. في كتابيكم من دين إبراهيم.. ومعنى الاستفهام التعجب من حماقتهم» .وتكرير هاء التنبيه في قوله ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ يشعر بغرابة ما هم عليه من جهل، ومجافاته لكل منطق سليم.قال الرازي: وقوله ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ يحتمل أنه لم يصفهم بالعلم حقيقة وإنما أراد أنكم تستجيزون محاجته فيما تدعون علمه، فكيف تحاجونه فيما لا علم لكم به البتة» .وقوله- تعالى- وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ تذييل قصد به تأكيد علم الله الشامل، ونفى العلم عن أهل الكتاب في شأن إبراهيم.أى والله- تعالى- يعلم حال إبراهيم ودينه، ويعلم كل شيء في هذا الوجود، وأنتم لا تعلمون ذلك
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى : ( ها أنتم ) بتليين الهمزة حيث كان مدني ، وأبو عمرو والباقون بالهمز ، واختلفوا في أصله فقال بعضهم : أصله : أأنتم وها تنبيه وقال الأخفش : أصله أأنتم فقلبت الهمزة الأولى هاء كقولهم هرقت الماء وأرقت ( هؤلاء ) أصله أولاء دخلت عليه هاء التنبيه وهي في موضع النداء ، يعني يا هؤلاء أنتم ( حاججتم ) جادلتم ( فيما لكم به علم ) يعني في أمر موسى وعيسى وادعيتم أنكم على دينهما وقد أنزلت التوراة والإنجيل عليكم ( فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم ) وليس في كتابكم أنه كان يهوديا أو نصرانيا ، وقيل حاججتم فيما لكم به علم يعني في أمر محمد صلى الله عليه وسلم لأنهم وجدوا نعته في كتابهم ، فجادلوا فيه بالباطل ، فلم تحاجون في إبراهيم وليس في كتابكم ، ولا علم لكم به؟ ( والله يعلم وأنتم لا تعلمون )