﴿ أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
قال الله في لومهم على الإعراض عن الحكم الشرعي: أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي: علة، أخرجت القلب عن صحته وأزالت حاسته، فصار بمنزلة المريض، الذي يعرض عما ينفعه، ويقبل على ما يضره، أَمِ ارْتَابُوا أي: شكوا، وقلقت قلوبهم من حكم الله ورسوله، واتهموه أنه لا يحكم بالحق، أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ أي: يحكم عليهم حكما ظالما جائرا، وإنما هذا وصفهم بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وأما حكم الله ورسوله، ففي غاية العدالة والقسط، وموافقة الحكمة. وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ وفي هذه الآيات، دليل على أن الإيمان، ليس هو مجرد القول حتى يقترن به العمل، ولهذا نفى الإيمان عمن تولى عن الطاعة، ووجوب الانقياد لحكم الله ورسوله في كل حال، وأن من ينقد له دل على مرض في قلبه، وريب في إيمانه، وأنه يحرم إساءة الظن بأحكام الشريعة، وأن يظن بها خلاف العدل والحكمة.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم يعقب القرآن الكريم على تصرفاتهم القبيحة بإثبات نفاقهم، وبالتعجيب من ترددهم وريبهم، وباستنكار ما هم عليه من خلق ذميم فيقول: أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، أَمِ ارْتابُوا، أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ..؟!وقوله: يَحِيفَ من الحيف، وهو الميل إلى أحد الجانبين، يقال: حاف فلان في قضائه، إذا جار وظلم.أى: ما بال هؤلاء المنافقين يعرضون عن أحكام الإسلام ولا يقبلون على حكم الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلا إذا كانت لهم حقوق عند غيرهم أسبب ذلك أنهم مرضى القلوب بالنفاق وضعف الإيمان؟ أم سبب ذلك أنهم يشكون في صدق نبوته صلّى الله عليه وسلّم؟ أم سببه أنهم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله؟لا شك أن هذه الأسباب كلها قد امتلأت بها قلوبهم الفاسدة، وفضلا عن ذلك فهناك سبب أشد وأعظم، وهو حرصهم على الظلم ووضع الأمور في غير مواضعها، ولذا ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.أى: بل أولئك المنافقون هم الظالمون لأنفسهم ولغيرهم، حيث وضعوا الأمور في غير موضعها، وآثروا الغي على الرشد، والكفر على الإيمان.قال الجمل: وقوله: أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ.. إلخ استنكار واستقباح لإعراضهم المذكور، وبيان لمنشئه بعد استقصاء عدة من القبائح المحققة فيهم، والاستفهام للإنكار لكن النفي المستفاد به لا يتسلط على هذه الأمور الثلاثة، لأنها واقعة لهم، وقائمة بهم، والواقع لا ينفى، وإنما هو متسلط على منشئتها وسببيتها لإعراضهم.. .
﴿ تفسير البغوي ﴾
( أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا ) أي : شكوا ، هذا استفهام ذم وتوبيخ ، أي : هم كذلك ، ( أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله ) أي : بظلم ، ( بل أولئك هم الظالمون ) لأنفسهم بإعراضهم عن الحق .