﴿ ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
فأدب العبد، عنوان عقله، وأن الله مريد به الخير، ولهذا قال: وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي: غفور لما صدر عن عباده من الذنوب، والإخلال بالآداب، رحيم بهم، حيث لم يعاجلهم بذنوبهم بالعقوبات والمثلات.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم أرشدهم- سبحانه- إلى السلوك الأفضل فقال- تعالى-: وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ.أى: ولو أن هؤلاء الذين ينادونك- أيها الرسول الكريم- من وراء الحجرات، صبروا عليك حتى تخرج إليهم ولم يتعجلوا بندائك بتلك الصورة الخالية من الأدب، لكان صبرهم خبرا لهم وَاللَّهُ- تعالى- غَفُورٌ رَحِيمٌ أى: واسع المغفرة والرحمة.قال صاحب الكشاف: يحكى عن أبى عبيد- العالم الزاهد الثقة- أنه قال: ما دققت باب عالم قط، حتى يخرج في وقت خروجه.وقوله: أَنَّهُمْ صَبَرُوا في موضع رفع على الفاعلية، لأن المعنى: ولو ثبت صبرهم.فإن قلت: هل من فرق بين قوله حَتَّى تَخْرُجَ وإلى أن تخرج؟قلت: إن «حتى» مختصة بالغاية المضروبة. تقول: أكلت السمكة حتى رأسها، ولو قلت: حتى نصفها، أو صدرها، لم يجز، و «إلى» عامة في كل غاية، فقد أفادت «حتى» بوضعها: أن خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليهم غاية قد ضربت لصبرهم، فما كان لهم أن يقطعوا أمرا دون الانتهاء إليه.فإن قلت: فأى فائدة في قوله إِلَيْهِمْ؟ قلت: فيه أنه لو خرج ولم يكن خروجه إليهم ولأجلهم، للزمهم أن يصبروا إلى أن يعلموا أن خروجه إليهم .هذا والمتدبر في هذه الآيات الكريمة، يراها قد رسمت للمؤمنين أسمى ألوان الأدب في مخاطبتهم لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وفي إلزامهم بألا يقولوا قولا أو يفعلوا فعلا، يتعلق بشأن من شئون دينهم إلا بعد معرفتهم بأن هذا القول أو الفعل يستند إلى حكم شرعي، شرعه الله- تعالى- ورسوله صلّى الله عليه وسلّم.كما أنه يراها قد مدحت الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وذمت الذين لا يلتزمون هذا الأدب عند مخاطبته أو ندائه.ثم وجهت السورة نداء ثالثا إلى المؤمنين أمرتهم فيه بالتثبت من صحة الأخبار التي تصل إليهم، وأرشدتهم إلى مظاهر فضل الله- تعالى- عليهم لكي يواظبوا على شكره، فقال- تعالى-:
﴿ تفسير البغوي ﴾
( ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم ) قال مقاتل : لكان خيرا لهم لأنك كنت تعتقهم جميعا وتطلقهم بلا فداء ( والله غفور رحيم ) .وقال قتادة : نزلت في ناس من أعراب بني تميم جاءوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فنادوا على الباب .ويروى ذلك عن جابر قال : جاءت بنو تميم فنادوا على الباب : اخرج إلينا يا محمد ، فإن مدحنا زين ، وذمنا شين ، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول : إنما ذلكم الله الذي مدحه زين وذمه شين ، فقالوا : نحن ناس من بني تميم جئنا بشعرائنا وخطبائنا لنشاعرك ونفاخرك ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما بالشعر بعثت ولا بالفخار أمرت ، ولكن هاتوا " ، فقام شاب منهم فذكر فضله وفضل قومه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لثابت بن قيس بن شماس ، وكان خطيب النبي - صلى الله عليه وسلم - : " قم فأجبه " ، فأجابه ، وقام شاعرهم فذكر أبياتا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لحسان بن ثابت : " أجبه " فأجابه . فقام الأقرع بن حابس ، فقال : إن محمدا لمؤتى له والله ما أدري هذا الأمر ، تكلم خطيبنا فكان خطيبهم أحسن قولا ، وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أشعر وأحسن قولا ، ثم دنا من النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما يضرك ما كان قبل هذا " ثم أعطاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكساهم ، وقد كان تخلف في ركابهم عمرو بن الأهتم لحداثة سنه ، فأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل ما أعطاهم ، وأزرى به بعضهم وارتفعت الأصوات وكثر اللغط عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فنزل فيهم : " يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم " الآيات الأربع إلى قوله : " غفور رحيم " .وقال زيد بن أرقم : جاء ناس من العرب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى هذا الرجل فإن يكن نبيا فنحن أسعد الناس به ، وإن يكن ملكا نعش في جنابه ، فجاءوا فجعلوا ينادونه ، يا محمد يا محمد ، فأنزل الله : " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم .