﴿ فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
فَإِنْ أَعْرَضُوا عما جئتهم به بعد البيان التام فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا تحفظ أعمالهم وتسأل عنها، إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ فإذا أديت ما عليك، فقد وجب أجرك على اللّه، سواء استجابوا أم أعرضوا، وحسابهم على اللّه الذي يحفظ عليهم صغير أعمالهم وكبيرها، وظاهرها وباطنها.ثم ذكر تعالى حالة الإنسان، وأنه إذا أذاقه الله رحمة، من صحة بدن، ورزق رغد، وجاه ونحوه فَرِحَ بِهَا أي: فرح فرحا مقصورا عليها، لا يتعداها، ويلزم من ذلك طمأنينته بها، وإعراضه عن المنعم. وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ أي: مرض أو فقر، أو نحوهما بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ أي: طبيعته كفران النعمة السابقة، والتسخط لما أصابه من السيئة.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم بين- سبحانه- وظيفة رسوله صلّى الله عليه وسلّم فقال: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً، إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ ...أى: فإن أعرض هؤلاء الظالمون عن دعوتك- أيها الرسول الكريم-، فلا تحزن لذلك، فإننا ما أرسلناك لتكون رقيبا على أعمالهم، ومكرها لهم على الإيمان، وإنما أرسلناك لتبلغ دعوة ربك إليهم، ومن شاء بعد ذلك فليؤمن ومن شاء فليكفر.والمراد بالإنسان في قوله- سبحانه-: وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها جنسه الشامل للجميع والمراد بالرحمة: ما يشمل الغنى والصحة وغيرهما من النعم.أى: وإنا إذا أعطينا ومنحنا الإنسان بفضلنا وكرمنا نعمة كالمال والولد والجاه. فرح بها وانشرح لها.وَإِنْ تُصِبْهُمْ أى: الناس سَيِّئَةٌ من بلاء أو مرض أو خوف أو فقر بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ أى: بسبب ما اكتسبته أيديهم من المعاصي والسيئات حزنوا وامتعضوا.وقوله: فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ تعليل لجواب الشرط المحذوف، أى: وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم نسوا نعمنا وقنطوا، فإن الإنسان الكافر كثير الكفر والجحود لنعم خالقه- عز وجل- أما من آمن وعمل صالحا فإنه يشكر ربه عند النعم، ويصبر عند البلاء والنقم.ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بالحديث عن مظاهر قدرته التي لا يعجزها شيء، وعن نفاذ مشيئته وحكمته، وعن فضله على نبيه صلّى الله عليه وسلّم حيث أوحى إليه بما أوحى، من هدايات للناس. فقال- تعالى-:
﴿ تفسير البغوي ﴾
( فإن أعرضوا ) عن الإجابة ، ( فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك ) ما عليك ، ( إلا البلاغ وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة ) قال ابن عباس : يعني الغنى والصحة . ( فرح بها وإن تصبهم سيئة ) قحط ، ( بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور ) أي : لما تقدم من نعمة الله عليه ، ينسى ويجحد بأول شدة جميع ما سلف من النعم .