ولما بين البراهين الدالة على صحة الحق, وبطلان الباطل, أخبر تعالى أن هذه سنته وعادته أن يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ لأنه بين من الحق في هذا الموضع, ورد به أقوال المكذبين, ما كان عبرة للمعتبرين, وآية للمتأملين.فإنك كما ترى, كيف اضمحلت أقوال المكذبين, وتبين كذبهم وعنادهم, وظهر الحق وسطع, وبطل الباطل وانقمع، وذلك بسبب بيان عَلَّامُ الْغُيُوبِ الذي يعلم ما تنطوي عليه القلوب, من الوساوس والشبه, ويعلم ما يقابل ذلك, ويدفعه من الحجج.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم أمره- سبحانه- للمرة الثالثة، أن يبين لهم أنهم لا قدرة لهم على مجادلته أو محاربته، لأن الله- تعالى- قد سلحه بما ينصره عليهم فقال: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ وأصل القذف: الرمي بقوة وشدة والمراد به هنا: ما يوحيه الله- تعالى- على نبيه صلى الله عليه وسلّم من قرآن وتوجيهات وإلهامات، والباء في قوله بِالْحَقِّ للسببية.أى: قل لهم- أيها الرسول الكريم- إن ربي يلقى الوحى إلى وإلى أنبيائه، بسبب الحق الذي كلفهم بتبليغه إلى الناس، وهو- سبحانه- وحده علام الغيوب.قال الجمل: ما ملخصه قوله: يَقْذِفُ بِالْحَقِّ يجوز أن يكون مفعوله محذوفا، لأن القذف في الأصل الرمي، وعبر به هنا عن الإلقاء. أى: يلقى الوحى إلى أنبيائه بالحق، أى: بسبب الحق، أو متلبسا الحق.ويجوز أن يكون التقدير: يقذف الباطل بالحق، كما قال- تعالى- بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ.ويجوز أن يكون المعنى: قل إن ربي يقضى ويحكم بالحق، بتضمين «يقذف» معنى يقضى ويحكم .
﴿ تفسير البغوي ﴾
(قل إن ربي يقذف بالحق ) والقذف الرمي بالسهم والحصى ، والكلام ، ومعناه : يأتي بالحق وبالوحي ينزله من السماء فيقذفه إلى الأنبياء ( علام الغيوب ) رفع بخبر إن ، أي : وهو علام الغيوب .