﴿ وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ أي: من الرزق الذي منَّ به اللّه عليكم، ولو شاء لسلبكم إياه، قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا معارضين للحق، محتجين بالمشيئة: أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ أيها المؤمنون إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ حيث تأمروننا بذلك.وهذا مما يدل على جهلهم العظيم، أو تجاهلهم الوخيم، فإن المشيئة، ليست حجة لعاص أبدا، فإنه وإن كان ما شاء اللّه كان، وما لم يشأ لم يكن، فإنه تعالى مكَّن العباد، وأعطاهم من القوة ما يقدرون على فعل الأمر واجتناب النهي، فإذا تركوا ما أمروا به، كان ذلك اختيارا منهم، لا جبرا لهم ولا قهرا.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم حكى- سبحانه- موقفا آخر، من مواقفهم القبيحة ممن نصحهم وأرشدهم إلى الصواب، فقال- تعالى-: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ، قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ....وقد ذكروا في سبب نزول هذه الآية روايات منها: أن أبا بكر الصديق- رضى الله عنه- كان يطعم مساكين المسلمين، فلقيه أبو جهل فقال له: يا أبا بكر: أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء؟.قال نعم. قال: فما باله لم يطعمهم؟ قال أبو بكر: ابتلى- سبحانه- قوما بالفقر، وقوما بالغنى، وأمر الفقراء بالصبر، وأمر الأغنياء بالإعطاء.فقال أبو جهل: والله يا أبا بكر: إن أنت إلا في ضلال، أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء وهو لا يطعمهم، ثم تطعمهم أنت.. فنزلت هذه الآية.وقيل: كان العاصي بن وائل السهمي، إذا سأله المسكين قال له: اذهب إلى ربك فهو أولى منى بك. ثم يقول: قد منعه الله فأطعمه أنا.. .والمعنى. وإذا قال قائل من المؤمنين لهؤلاء الكافرين: أنفقوا على المحتاجين شيئا من الخير الكثير الذي رزقكم الله- تعالى- إياه.قال الكافرون- على سبيل الاستهزاء والسخرية- للمؤمنين: هؤلاء الفقراء الذين طلبتم منا أن ننفق عليهم، لو شاء الله لأطعمهم ولأغناهم كما أغنانا.إِنْ أَنْتُمْ أيها المؤمنون إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ في أمركم لنا بالإنفاق عليهم أو على غيرهم.قال الشوكانى ما ملخصه: وقوله: أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ حكاية لتهكم الكافرين، وقد كانوا سمعوا المؤمنين يقولون: إن الرزاق هو الله، وإنه يغنى من يشاء، ويفقر من يشاء، فكأنهم حاولوا بهذا القول الإلزام للمؤمنين، وقالوا: نحن نوافق مشيئة الله فلا نطعم من لم يطعمه الله. وهذا غلط منهم ومكابرة ومجادلة بالباطل، فإن الله- سبحانه- أغنى بعض خلقه وأفقر بعضا، وأمر الغنى أن يطعم الفقير، وابتلاه به فيما فرض له من ماله من الصدقة، وقولهم: مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ هو وإن كان كلاما صحيحا في نفسه، ولكنهم لما قصدوا به الإنكار لقدرة الله، وإنكار جواز الأمر بالإنفاق مع قدرة الله، كان احتجاجهم من هذه الحيثية باطلا.وقوله: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ من تتمة كلام الكفار. وقيل: هو رد من الله عليهم.. .
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله ) أعطاكم الله ( قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم ) أنرزق ( من لو يشاء الله أطعمه ) وذلك أن المؤمنين قالوا لكفار مكة : أنفقوا على المساكين مما زعمتم من أموالكم أنه لله ، وهو ما جعلوا لله من حروثهم وأنعامهم ، قالوا : أنطعم : أنرزق من لو يشاء الله رزقه ، ثم لم يرزقه مع قدرته عليه ، فنحن نوافق مشيئة الله فلا نطعم من لم يطعمه الله ، وهذا مما يتمسك به البخلاء ، يقولون : لا نعطي من حرمه الله . وهذا الذي يزعمون باطل ; لأن الله أغنى بعض الخلق وأفقر بعضهم ابتلاء ، فمنع الدنيا من الفقير لا بخلا ، وأمر الغني بالإنفاق لا حاجة إلى ماله ، ولكن ليبلو الغني بالفقير فيما فرض له في مال الغني ، ولا اعتراض لأحد على مشيئة الله وحكمه في خلقه ( إن أنتم إلا في ضلال مبين ) يقول الكفار للمؤمنين : ما أنتم إلا في خطأ بين في اتباعكم محمدا - صلى الله عليه وسلم - وترك ما نحن عليه .