﴿ قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
يقول تعالى مُعجِّزًا لآلهة المشركين، ومبينا نقصها، وبطلان شركهم من جميع الوجوه. قُلْ يا أيها الرسول لهم: أَرَأَيْتُمْ أي: أخبروني عن شركائكم الذين تدعون من دون الله هل هم مستحقون للدعاء والعبادة، ف أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا [مِنَ الْأَرْضِ هل خلقوا بحرا أم خلقوا جبالا أو خلقوا] حيوانا، أو خلقوا جمادا؟ سيقرون أن الخالق لجميع الأشياء، هو اللّه تعالى، أَمْ لشركائكم شِرْكٌة فِي السَّمَاوَاتِ في خلقها وتدبيرها؟ سيقولون: ليس لهم شركة.فإذا لم يخلقوا شيئا، ولم يشاركوا الخالق في خلقه، فلم عبدتموهم ودعوتموهم مع إقراركم بعجزهم؟ فانتفى الدليل العقلي على صحة عبادتهم، ودل على بطلانها.ثم ذكر الدليل السمعي، وأنه أيضا منتف، فلهذا قال: أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا يتكلم بما كانوا به يشركون، يأمرهم بالشرك وعبادة الأوثان. فَهُمْ في شركهم عَلَى بَيِّنَةٍ من ذلك الكتاب الذي نزل عليهم في صحة الشرك؟ليس الأمر كذلك؟ فإنهم ما نزل عليهم كتاب قبل القرآن، ولا جاءهم نذير قبل رسول اللّه محمد صلى اللّه عليه وسلم، ولو قدر نزول كتاب إليهم، وإرسال رسول إليهم، وزعموا أنه أمرهم بشركهم، فإنا نجزم بكذبهم، لأن اللّه قال: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ فالرسل والكتب، كلها متفقة على الأمر بإخلاص الدين للّه تعالى، وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ فإن قيل: إذا كان الدليل العقلي، والنقلي قد دلا على بطلان الشرك، فما الذي حمل المشركين على الشرك، وفيهم ذوو العقول والذكاء والفطنة؟أجاب تعالى بقوله: بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا أي: ذلك الذي مشوا عليه، ليس لهم فيه حجة، فإنما ذلك توصية بعضهم لبعض به، وتزيين بعضهم لبعض، واقتداء المتأخر بالمتقدم الضال، وأمانيّ مَنَّاها الشيطان، وزين لهم [سوء] أعمالهم، فنشأت في قلوبهم، وصارت صفة من صفاتها، فعسر زوالها، وتعسر انفصالها، فحصل ما حصل من الإقامة على الكفر والشرك الباطل المضمحل.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلم أن يتحدى هؤلاء المشركين، وأن يوبخهم على عنادهم وجحودهم فقال: قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ....أى: قل- أيها الرسول الكريم- على سبيل التبكيت والتأنيب لهؤلاء المشركين.أخبرونى وأنبئونى عن حال شركائكم الذين عبدتموهم من دون الله، ماذا فعلوا لكم من خير أو شر، وأرونى أى جزء خلقوه من الأرض حتى استحقوا منكم الألوهية والشركة مع الله- تعالى- في العبادة؟إنهم لم يفعلوا- ولن يفعلوا- شيئا من ذلك، فكيف أبحتم لأنفسكم عبادتهم؟وقوله أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ تبكيت آخر لهم. أى: وقل لهم: إذا كانوا لم يخلقوا شيئا من الأرض، فهل لهم معنا شركة في خلق السموات أو في التصرف فيها، حتى يستحقوا لذلك مشاركتنا في العبادة والطاعة.وقوله: أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ تبكيت ثالث لهم. أى: وقل لهم إذا كانوا لم يخلقوا شيئا من الأرض، ولم يشاركونا في خلق السموات، فهل نحن أنزلنا عليهم كتابا أقررنا لهم فيه بمشاركتنا، فتكون لهم الحجة الظاهرة البينة على صدق ما يدعون؟والاستفهام في جميع أجزاء الآية الكريمة للإنكار والتوبيخ.والمقصود بها قطع كل حجة يتذرعون بها في شركهم، وإزهاق باطلهم بألوان من الأدلة الواضحة التي تثبت جهالاتهم، حيث أشركوا مع الله- تعالى- ما لا يضر ولا ينفع، وما لا يوجد دليل أو ما يشبه الدليل على صحة ما ذهبوا إليه من كفر وشرك.ولذا ختمت الآية الكريمة بالإضراب عن أوهامهم وبيان الأسباب التي حملتهم على الشرك، فقال- تعالى-: بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً.أى: أن هؤلاء الشركاء لم يخلقوا شيئا لا من الأرض ولا من السماء، ولم نؤتهم كتابا بأنهم شركاء لنا في شيء، بل الحق أن الظالمين يخدع بعضهم بعضا، ويعد بعضهم بعضا بالوعود الباطلة، بأن يقول الزعماء لأتباعهم: إن هؤلاء الآلهة هم شفعاؤنا عند الله، وأننا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فيترتب على قولهم هذا، أن ينساق الأتباع وراءهم كما تنساق الأنعام وراء راعيها.
﴿ تفسير البغوي ﴾
(قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله ) أي : جعلتموهم شركائي بزعمكم يعني : الأصنام ( أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا ) قال مقاتل : هل أعطينا كفار مكة كتابا ( فهم على بينة منه ) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، وحفص : " بينة " على التوحيد ، وقرأ الآخرون : " بينات " على الجمع ، يعني دلائل واضحة منه مما في ذلك الكتاب من ضروب البيان .( بل إن يعد ) أي : ما يعد ( الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا ) والغرور ما يغر الإنسان مما لا أصل له ، قال مقاتل : يعني ما يعد الشيطان كفار بني آدم من شفاعة الآلهة لهم في الآخرة غرور وباطل .