﴿ ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
يقول تعالى لرسوله -مثبتا له ومسليا- وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فلست أول رسول كذب وأوذي فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا برسلهم أي: أمهلتهم مدة حتى ظنوا أنهم غير معذبين. ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ بأنواع العذاب فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ كان عقابا شديدا وعذابا أليما، فلا يغتر هؤلاء الذين كذبوك واستهزؤوا بك بإمهالنا، فلهم أسوة فيمن قبلهم من الأمم، فليحذروا أن يفعل بهم كما فعل بأولئك.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله- سبحانه-: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ ... تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من حزن بسبب تعنت المشركين معه. ومطالبتهم له بالمطالب السخيفة التي لا صلة لها بدعوته، كطلبهم منه تسيير الجبال وتقطيع الأرض، وتكليم الموتى.والاستهزاء: المبالغة في السخرية والتهكم من المستهزأ به. والإملاء: الإمهال والترك لمدة من الزمان.والتنكير في قوله بِرُسُلٍ للتكثير، فقد استهزأ قوم نوح به، وكانوا كلما مروا عليه وهو يصنع السفينة سخروا منه.واستهزأ قوم شعيب به وقالوا له: فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ .واستهزأ قوم هود به وقالوا له: إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ..... واستهزأ فرعون بموسى فقال: أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ .والمعنى: ولقد استهزأ الطغاة والجاحدون برسل كثيرين من قبلك- أيها الرسول الكريم- فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا أى: فأمهلتهم وتركتهم مدة من الزمان في أمن ودعة.ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ أخذ عزيز مقتدر فَكَيْفَ كانَ عِقابِ فانظر كيف كان عقابي إياهم، لقد كان عقابا رادعا دمرهم تدميرا.فالاستفهام للتعجيب مما حل بهم، والتهويل من شدته وفظاعته وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى- وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ .قال ابن كثير: وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وإن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ، إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ .
﴿ تفسير البغوي ﴾
( ولقد استهزئ برسل من قبلك ) كما استهزءوا بك ( فأمليت للذين كفروا ) أمهلتهم ، وأطلت لهم المدة ، ومنه " الملوان " ، وهما : الليل والنهار ( ثم أخذتهم ) عاقبتهم في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالنار ( فكيف كان عقاب ) أي : عقابي لهم .