﴿ وقيل للذين اتقوا ماذا أنـزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
لما ذكر الله قيل المكذبين بما أنزل الله، ذكر ما قاله المتقون، وأنهم اعترفوا وأقروا بأن ما أنزله الله نعمة عظيمة، وخير عظيم امتن الله به على العباد، فقبلوا تلك النعمة، وتلقوها بالقبول والانقياد، وشكروا الله عليها، فعلموها وعملوا لها لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا ْ في عبادة الله تعالى، وأحسنوا إلى عباد الله فلهم فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً ْ رزق واسع، وعيشه هنية، وطمأنينة قلب، وأمن وسرور. وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ْ من هذه الدار وما فيها من أنواع اللذات والمشتهيات، فإن هذه نعيمها قليل محشو بالآفات منقطع، بخلاف نعيم الآخرة ولهذا قال: وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ ْ
﴿ تفسير الوسيط ﴾
فقوله- سبحانه-: وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً.. بيان لما رد به المؤمنون الصادقون، على من سألهم عما أنزله الله- تعالى- على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وهو معطوف على ما قبله، للمقابلة بين ما قاله المتقون، وما قاله المستكبرون.ووصفهم بالتقوى، للاشعار بأن صيانتهم لأنفسهم عن ارتكاب ما نهى الله- تعالى- عنه، وخوفهم منه- سبحانه- ومراقبتهم له، كل ذلك حملهم على أن يقولوا هذا القول السديد. وكلمة «خيرا» مفعول لفعل محذوف أى: أنزل خيرا. أى: رحمة وبركة ونورا وهداية، إذ لفظ «خيرا» من الألفاظ الجامعة لكل فضيلة.قال صاحب الكشاف: فان قلت لم نصب هذا ورفع الأول؟.قلت: فصلا بين جواب المقر وجواب الجاحد، يعنى أن هؤلاء لما سئلوا لم يتلعثموا وأطبقوا الجواب على السؤال بينا مكشوفا مفعولا للإنزال، فقالوا خيرا. أى أنزل خيرا. وأولئك عدلوا بالجواب عن السؤال فقالوا: هو أساطير الأولين وليس من الإنزال في شيء.وقوله- سبحانه-: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ جملة مستأنفة لبيان ما وعدهم به- تعالى- على أعمالهم الصالحة من أجر وثواب.أى: هذه سنتنا في خلقنا أننا نجازي الذين يعملون الصالحات بالجزاء الحسن الكريم، دون أن نضيع من أعمالهم شيئا.وقوله «حسنة» صفة لموصوف محذوف أى: مجازاة حسنة بسبب أعمالهم الصالحة.كما قال- تعالى- في آية اخرى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً، وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.ثم بين- سبحانه- جزاءهم في الآخرة فقال: وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ، وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ. والمراد بدار الآخرة: الجنة ونعيمها.و «خير» صيغة تفضيل، حذفت همزتها لكثرة الاستعمال على سبيل التخفيف، كما قال ابن مالك:وغالبا أغناهم خير وشر ... عن قولهم أخير منه وأشر ونعم: فعل ماض لإنشاء المدح، وهو ضد بئس.والمعنى: ولدار الآخرة وما فيها من عطاء غير مقطوع، خير لهؤلاء المتقين مما أعطيناهم في الدنيا، ولنعم دارهم هذه الدار. قال- تعالى-: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا. وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى.ووصفها- سبحانه- بالآخرة، لأنها آخر المنازل، فلا انتقال عنها إلى دار أخرى، كما قال- تعالى-: خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا.والمخصوص بالمدح محذوف لتقدم ما يدل عليه، والتقدير: ولنعم دار المتقين، دار الآخرة.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وقيل للذين اتقوا ) وذلك أن أحياء العرب كانوا يبعثون أيام الموسم من يأتيهم بخبر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا جاء سأل الذين قعدوا على الطرق عنه ، فيقولون : ساحر ، كاهن ، شاعر ، كذاب ، مجنون ، ولو لم تلقه خير لك ، فيقول السائل : أنا شر وافد إن رجعت إلى قومي دون أن أدخل مكة فألقاه ، فيدخل مكة فيرى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيخبرونه بصدقه وأنه نبي مبعوث . فذلك قوله : ( وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا ) يعني : أنزل خيرا .ثم ابتدأ فقال : ( للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ) كرامة من الله .قال ابن عباس : هي تضعيف الأجر إلى العشر .وقال الضحاك : هي النصر والفتح .وقال مجاهد : هي الرزق الحسن .( ولدار الآخرة ) أي ولدار الحال الآخرة ، ( خير ولنعم دار المتقين ) قال الحسن : هي الدنيا; لأن أهل التقوى يتزودون فيها للآخرة . وقال أكثر المفسرين : هي الجنة