﴿ هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
هُوَ الْأَوَّلُ الذي ليس قبله شيء، وَالْآخِرُ الذي ليس بعده شيء وَالظَّاهِرُ الذي ليس فوقه شيء، وَالْبَاطِنُ الذي ليس دونه شيء. وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ قد أحاط علمه بالظواهر والبواطن، والسرائر والخفايا، والأمور المتقدمة والمتأخرة.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم ذكر- سبحانه- صفات أخرى من صفاته الجليلة فقال: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ، وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.أى: هو- سبحانه- الأول والسابق على جميع الموجودات، إذ هو موجدها ومحدثها ابتداء. فهو موجود قبل كل شيء وجودا لا حد ولا وقت لبدايته.وَالْآخِرُ أى: الباقي بعد هلاك وفناء جميع الموجودات، كما قال- تعالى-:كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ.وآثر لفظ الْآخِرُ على لفظ الباقي ليتم الطباق بين الوصفين المتقابلين ...وهو الظَّاهِرُ أى: الظاهر وجوده عن طريق مخلوقاته التي أوجدها بقدرته إذ من المعروف عند كل عاقل أن كل مخلوق لا بد له من خالق، وكل موجود لا بد له من موجد.فلفظ الظَّاهِرُ مشتق من الظهور الذي هو ضد الخفاء، والمراد به هنا ظهور الأدلة العقلية والنقلية على وجوده ووحدانيته وقدرته وعلمه.ويجوز أن يكون مشتقا من الظهور، بمعنى الغلبة والعلو على الغير، كما في قوله- تعالى-: إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ ...وعليه يكون المعنى: وهو الغالب العالي على كل شيء.وهو الْباطِنُ من البطون بمعنى الخفاء والاستتار، أى: وهو- سبحانه- المحتجب يكنه ذاته عن أن تدركه الأبصار، أو أن تحيط بحقيقة ذاته العقول، كما قال- تعالى-لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ، وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ، وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ .ويصح أن يكون الْباطِنُ بمعنى العالم بما بطن وخفى من الأمور يقال: فلان أبطن بهذا الأمر من غيره، أى: أعلم بهذا الشيء من غيره.ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ أى: وهو- سبحانه- عليم بكل ما في هذا الكون، لا تخفى عليه خافية من شئونه، كما قال- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ .قال ابن كثير: وهذه الآية هي المشار إليها في حديث عرباض بن معاوية أنها أفضل من ألف آية.وقد اختلفت عبارات المفسرين في هذه الآية على نحو بضعة عشر قولا وقال البخاري:قال يحيى: الظاهر على كل شيء علما والباطن على كل شيء علما.وروى الإمام مسلم- في صحيحه-، والإمام أحمد- في مسنده- عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو عند النوم فيقول: «اللهم رب السموات ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، فالق الحب والنوى، لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء. اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر..» .
﴿ تفسير البغوي ﴾
( هو الأول والآخر والظاهر والباطن ) يعني هو " الأول " قبل كل شيء بلا ابتداء ، كان هو ولم يكن شيء موجودا و " الآخر " بعد فناء كل شيء ، بلا انتهاء تفنى الأشياء ويبقى هو ، و " الظاهر " الغالب العالي على كل شيء و " الباطن " العالم بكل شيء ، هذا معنى قول ابن عباس .وقال يمان : " هو الأول " القديم و " الآخر " الرحيم و " الظاهر " الحليم و " الباطن " العليم .وقال السدي : هو الأول ببره إذ عرفك توحيده ، والآخر بجوده إذ عرفك التوبة على ما جنيت ، والظاهر بتوفيقه إذ وفقك للسجود له والباطن بستره إذ عصيته فستر عليك .وقال الجنيد : هو الأول بشرح القلوب ، والآخر بغفران الذنوب ، والظاهر بكشف الكروب ، والباطن بعلم الغيوب . وسأل عمر - رضي الله تعالى عنه - كعبا عن هذه الآية فقال : معناها : إن علمه بالأول كعلمه بالآخر ، وعلمه بالظاهر كعلمه بالباطن .( وهو بكل شيء عليم ) أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغفار بن محمد ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثني زهير بن حرب ، حدثنا جرير عن سهيل قال : كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام أن يضطجع على شقه الأيمن ثم يقول : " اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء ، فالق الحب والنوى ، منزل التوراة والإنجيل والقرآن ، أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته ، أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عني الدين واغنني من الفقر " . وكان يروى ذلك عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .