﴿ وياقوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أي: على دعوتي إياكم مَا لَا فستستثقلون المغرم. إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وكأنهم طلبوا منه طرد المؤمنين الضعفاء، فقال لهم: وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا أي: ما ينبغي لي، ولا يليق بي ذلك، بل أتلقاهم بالرحب والإكرام، والإعزاز والإعظام إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ فمثيبهم على إيمانهم وتقواهم بجنات النعيم. وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ حيث تأمرونني، بطرد أولياء الله, وإبعادهم عني. وحيث رددتم الحق، لأنهم أتباعه، وحيث استدللتم على بطلان الحق بقولكم إني بشر مثلكم وإنه ليس لنا عليكم من فضل.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم وجه نوح- عليه السلام- نداء ثانيا إلى قومه زيادة في التلطف معهم، وطمعا في إثارة وجدانهم نحو الحق فقال: وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالًا.أى: لا أطلب منكم شيئا من المال في مقابل تبليغ ما أمرنى ربي بتبليغه إليكم: لأن طلبى هذا قد يجعلكم تتوهمون أنى محب للمال..إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ- تعالى وحده، فهو الذي يثيبني على دعوتي إلى عبادتكم له، وفي هذه الجملة إشارة إلى أنه لا يسأل الله- تعالى- مالا، وإنما يسأله ثوابا، إذ ثواب الله يسمى أجرا، لأنه جزاء على العمل الصالح.وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى- في سورة الشعراء: وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ وجملة وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا معطوفة على جملة لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالًا لأن مضمونها كالنتيجة لمضمون المعطوف عليها، إذ أن زهده في مالهم يقتضى تمسكه بأتباعه المؤمنين.الطرد: الأمر بالبعد عن مكان الحضور تحقيرا أو زجرا.أى: وما أنا بطارد الذين آمنوا بدعوتي، سواء أكانوا من الفقراء أم من الأغنياء، لأن من استغنى عن مال الناس وعطائهم لا يقيسهم بمقياس الغنى والجاه والقوة ... وإنما يقيسهم بمقياس الإيمان والتقوى.قال الآلوسى: والمروي عن ابن جريح أنهم قالوا له: يا نوح إن أحببت أن نتبعك فاطرد هؤلاء الأراذل- وإلا فلن نرضى أن نكون نحن وهم في الأمر سواء.وذلك كما قال زعماء قريش للنبي صلى الله عليه وسلم في شأن فقراء الصحابة: اطرد هؤلاء عن مجلسك ونحن نتبعك فإنا نستحي أن نجلس معهم في مجلسك ... » .وجملة إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ تعليل لنفى طردهم.أى: لن أطردهم عن مجلسي أبدا، لأنهم قد آمنوا بي، ولأن مصيرهم إلى الله- تعالى-، فيحاسبهم على سرهم وعلنهم، أما أنا فأكتفى منهم بظواهرهم التي تدل على صدق إيمانهم، وشدة إخلاصهم.وجاءت هذه الجملة بصيغة التأكيد، لأن الملأ الذين كفروا من قومه كانوا ينكرون البعث والحساب.وقوله: وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ استدراك مؤكد لمضمون ما قبله.أى: لن اطردهم، لأن ذلك ليس من حقي بعد أن آمنوا، وبعد أن تكفل الله بمحاسبتهم، ولكني مع هذا البيان المنطقي الواضح، أراكم قوما تجهلون القيم الحقيقية التي يقدر بها الناس عند الله، وتجهلون أن مرد الناس جميعا إليه وحده- سبحانه- ليحاسبهم على أعمالهم، وتتطاولون على المؤمنين تطاولا يدل على طغيانكم وسفاهتكم.وحذف مفعول تَجْهَلُونَ للعلم به، وللإشارة الى شدة جهلهم.أى: تجهلون كل ما ينبغي ألا يجهله عاقل.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله : ( ويا قوم لا أسألكم عليه مالا ) أي : على الوحي وتبليغ الرسالة ، كناية عن غير مذكور ، ( إن أجري ) ما ثوابي ، ( إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا ) هذا دليل على أنهم طلبوا منه طرد المؤمنين ، ( إنهم ملاقو ربهم ) أي : صائرون إلى ربهم في المعاد فيجزي من طردهم ، ( ولكني أراكم قوما تجهلون )