﴿ قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
قول معروف أي: تعرفه القلوب ولا تنكره، ويدخل في ذلك كل قول كريم فيه إدخال السرور على قلب المسلم، ويدخل فيه رد السائل بالقول الجميل والدعاء له ومغفرة لمن أساء إليك بترك مؤاخذته والعفو عنه، ويدخل فيه العفو عما يصدر من السائل مما لا ينبغي، فالقول المعروف والمغفرة خير من الصدقة التي يتبعها أذى، لأن القول المعروف إحسان قولي، والمغفرة إحسان أيضا بترك المؤاخذة، وكلاهما إحسان ما فيه مفسد، فهما أفضل من الإحسان بالصدقة التي يتبعها أذى بمنّ أو غيره، ومفهوم الآية أن الصدقة التي لا يتبعها أذى أفضل من القول المعروف والمغفرة، وإنما كان المنّ بالصدقة مفسدا لها محرما، لأن المنّة لله تعالى وحده، والإحسان كله لله، فالعبد لا يمنّ بنعمة الله وإحسانه وفضله وهو ليس منه، وأيضا فإن المانّ مستعبِدٌ لمن يمنّ عليه، والذل والاستعباد لا ينبغي إلا لله، والله غني بذاته عن جميع مخلوقاته، وكلها مفتقرة إليه بالذات في جميع الحالات والأوقات، فصدقتكم وإنفاقكم وطاعاتكم يعود مصلحتها إليكم ونفعها إليكم، والله غني عنها، ومع هذا فهو حليم على من عصاه لا يعاجله بعقوبة مع قدرته عليه، ولكن رحمته وإحسانه وحلمه يمنعه من معاجلته للعاصين، بل يمهلهم ويصرّف لهم الآيات لعلهم يرجعون إليه وينيبون إليه، فإذا علم تعالى أنه لا خير فيهم ولا تغني عنهم الآيات ولا تفيد بهم المثلات أنزل بهم عقابه وحرمهم جزيل ثوابه.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
والمعنى: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ بأن تقول للسائل كلاما جميلا طيبا تجبر به خاطره، ويحفظ له كرامته «ومغفرة» لما وقع منه من إلحاف في السؤال، وستر لحاله وصفح عنه، خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً أى خير من صدقة يتبعها المتصدق أذى للمتصدق عليه.لأن الكلمة الطيبة للسائل، والستر عليه، والعفو عنه فيما صدر منه، كل ذلك يؤدى إلى رفع الدرجات عند الله، وإلى تهذيب النفوس، وتأليف القلوب وحفظ كرامة أولئك الذين مدوا أيديهم بالسؤال. أما الصدقة التي يتبعها الأذى فإن إيتاءها بتلك الطريقة يؤدى إلى ذهاب ثوابها، وإلى زيادة الآلام عند السائلين ولا سيما الذين يحرصون على حفظ كرامتهم، وعلى صيانة ماء وجوههم، فإن ألم الحرمان عند بعض الناس أقل أثرا في نفوسهم من آلام الصدقة المصحوبة بالأذى، لأن ألم الحرمان يخففه الصبر الذي وراءه الفرج، أما آلام الصدقة المصحوبة بالأذى لهم فإنها تصيب النفوس الكريمة بالجراح التي من العسير التئامها وشفاؤها.قال القرطبي: روى مسلّم في صحيحه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الكلمة الطيبة صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق» . فعلى المسئول أن يتلقى السائل بالبشر والترحيب، ويقابله بالطلاقة والتقريب ليكون مشكورا إن أعطى ومعذورا إن منع. وقد قال بعض الحكماء: الق صاحب الحاجة بالبشر فإن عدمت شكره لم تعدم عذره».وقوله: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ مبتدأ وساغ الابتداء بالنكرة لوصفها وللعطف عليها. وقوله:وَمَغْفِرَةٌ عطف عليه وسوغ الابتداء بها العطف أو الصفة المقدرة إذ التقدير ومغفرة للسائل أو من الله وقوله: خَيْرٌ خبر عنهما وقوله يَتْبَعُها أَذىً في محل جر صفة لصدقة.ثم ختم الله- تعالى- الآية بقوله: وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ أى والله- تعالى- غنى عن إنفاق المنفقين وصدقات المتصدقين. وإنما أمرهم بهما لمصلحة تعود عليهم. أو غنى عن الصدقة المصحوبة بالأذى فلا يقبلها. حَلِيمٌ فلا يعجل بالعقوبة على مستحقها، فهو- سبحانه- يمهل ولا يهمل.والجملة الكريمة تذييل لما قبله مشتملة على الوعد والوعيد، والترغيب والترهيب.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قول معروف ) أي كلام حسن ورد على السائل جميل وقيل : عدة حسنة . وقال الكلبي : دعاء صالح يدعو لأخيه بظهر الغيب وقال الضحاك : نزلت في إصلاح ذات البين ( ومغفرة ) أي تستر عليه خلته ولا تهتك عليه ستره وقال الكلبي والضحاك : بتجاوز عن ظالمه ، وقيل يتجاوز عن الفقير إذا استطال عليه عند رده ( خير من صدقة ) يدفعها إليه ( يتبعها أذى ) أي من وتعيير للسائل أو قول يؤذيه ( والله غني ) أي مستغن عن صدقة العباد ( حليم ) لا يعجل بالعقوبة على من يمن ويؤذي بالصدقة .