﴿ الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
هذه الآية الكريمة أعظم آيات القرآن وأفضلها وأجلها، وذلك لما اشتملت عليه من الأمور العظيمة والصفات الكريمة، فلهذا كثرت الأحاديث في الترغيب في قراءتها وجعلها وردا للإنسان في أوقاته صباحا ومساء وعند نومه وأدبار الصلوات المكتوبات، فأخبر تعالى عن نفسه الكريمة بأن لا إله إلا هو أي: لا معبود بحق سواه، فهو الإله الحق الذي تتعين أن تكون جميع أنواع العبادة والطاعة والتأله له تعالى، لكماله وكمال صفاته وعظيم نعمه، ولكون العبد مستحقا أن يكون عبدا لربه، ممتثلا أوامره مجتنبا نواهيه، وكل ما سوى الله تعالى باطل، فعبادة ما سواه باطلة، لكون ما سوى الله مخلوقا ناقصا مدبرا فقيرا من جميع الوجوه، فلم يستحق شيئا من أنواع العبادة، وقوله: الحي القيوم هذان الاسمان الكريمان يدلان على سائر الأسماء الحسنى دلالة مطابقة وتضمنا ولزوما، فالحي من له الحياة الكاملة المستلزمة لجميع صفات الذات، كالسمع والبصر والعلم والقدرة، ونحو ذلك، والقيوم: هو الذي قام بنفسه وقام بغيره، وذلك مستلزم لجميع الأفعال التي اتصف بها رب العالمين من فعله ما يشاء من الاستواء والنزول والكلام والقول والخلق والرزق والإماتة والإحياء، وسائر أنواع التدبير، كل ذلك داخل في قيومية الباري، ولهذا قال بعض المحققين: إنهما الاسم الأعظم الذي إذا دعي الله به أجاب، وإذا سئل به أعطى، ومن تمام حياته وقيوميته أن لا تأخذه سنة ولا نوم والسنة النعاس له ما في السماوات وما في الأرض أي: هو المالك وما سواه مملوك وهو الخالق الرازق المدبر وغيره مخلوق مرزوق مدبر لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض فلهذا قال: من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه أي: لا أحد يشفع عنده بدون إذنه، فالشفاعة كلها لله تعالى، ولكنه تعالى إذا أراد أن يرحم من يشاء من عباده أذن لمن أراد أن يكرمه من عباده أن يشفع فيه، لا يبتدئ الشافع قبل الإذن، ثم قال يعلم ما بين أيديهم أي: ما مضى من جميع الأمور وما خلفهم أي: ما يستقبل منها، فعلمه تعالى محيط بتفاصيل الأمور، متقدمها ومتأخرها، بالظواهر والبواطن، بالغيب والشهادة، والعباد ليس لهم من الأمر شيء ولا من العلم مثقال ذرة إلا ما علمهم تعالى، ولهذا قال: ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض وهذا يدل على كمال عظمته وسعة سلطانه، إذا كان هذه حالة الكرسي أنه يسع السماوات والأرض على عظمتهما وعظمة من فيهما، والكرسي ليس أكبر مخلوقات الله تعالى، بل هنا ما هو أعظم منه وهو العرش، وما لا يعلمه إلا هو، وفي عظمة هذه المخلوقات تحير الأفكار وتكل الأبصار، وتقلقل الجبال وتكع عنها فحول الرجال، فكيف بعظمة خالقها ومبدعها، والذي أودع فيها من الحكم والأسرار ما أودع، والذي قد أمسك السماوات والأرض أن تزولا من غير تعب ولا نصب، فلهذا قال: ولا يؤوده أي: يثقله حفظهما وهو العلي بذاته فوق عرشه، العلي بقهره لجميع المخلوقات، العلي بقدره لكمال صفاته العظيم الذي تتضائل عند عظمته جبروت الجبابرة، وتصغر في جانب جلاله أنوف الملوك القاهرة، فسبحان من له العظمة العظيمة والكبرياء الجسيمة والقهر والغلبة لكل شيء، فقد اشتملت هذه الآية على توحيد الإلهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وعلى إحاطة ملكه وإحاطة علمه وسعة سلطانه وجلاله ومجده، وعظمته وكبريائه وعلوه على جميع مخلوقاته، فهذه الآية بمفردها عقيدة في أسماء الله وصفاته، متضمنة لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلا، ثم قال تعالى:
﴿ تفسير الوسيط ﴾
قال بعضهم: هذه آية الكرسي أفضل آية في القرآن. ومعنى الفضل أن الثواب على قراءتها أكثر منه على غيرها من الآيات. هذا هو التحقيق في تفضيل بعض آيات القرآن على بعض.وإنما كانت أفضل لأنها جمعت من أحكام الألوهية وصفات الإله الثبوتية والسلبية ما لم تجمعه آية أخرى. جاء في الحديث الشريف عن أبى هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: لكل شيء سنام وإن سنام القرآن البقرة، وفيها آية هي سيدة القرآن- أى أفضله- وهي آية الكرسي» .وقد اشتملت هذه الآية الكريمة على عشر جمل فيها ما فيها من صفات الله الجليلة- ونعوته السامية. أما الجملة الأولى والثانية فتتمثل في قوله- تعالى-: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ.ولفظ الجلالة اللَّهُ يقول العلماء: إن أصله إله دخلت عليه أداة التعريف «أل» وحذفت الهمزة فصارت الكلمة الله.قال القرطبي: قوله: اللَّهُ هذا الاسم أكبر أسمائه- تعالى- وأجمعها، حتى قال بعضهم إنه اسم الله الأعظم ولم يتسم به غيره، ولذلك لم يثن ولم يجمع، فالله اسم الموجود الحق الجامع لصفات الألوهية، المنعوت بنعوت الربوبية المنفرد بالوجود الحقيقي، لا إله إلا هو- سبحانه-».ولفظ إِلهَ قالوا إنه من أله فلان يأله أى عبد. فالإله على هذا المعنى هو المعبود، وقيل هو من أله أى تحير.. وذلك أن العبد إذا تفكر في صفاته- سبحانه- تحير فيها ولذا قيل:«تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله» .والْحَيُّ أى الباقي الذي له الحياة الدائمة التي لا فناء لها. لم تحدث له الحياة بعد موت، ولا يعتريه الموت بعد الحياة، وسائر الأحياء سواه يعتريهم الموت والفناء.والْقَيُّومُ أى: الدائم القيام بتدبير أمر الخلق وحفظهم، والمعطى لهم ما به قوامهم. وهو مبالغة في القيام. وأصله قيووم- بوزن فيعول- من قام بالأمر إذا حفظه ودبره.والمعنى: الله- عز وجل- هو الإله الحق المتفرد بالألوهية التي لا يشاركه فيها سواه، وهو المعبود بحق وكل معبود سواه فهو باطل، وهو ذو الحياة الكاملة، وهو الدائم القيام بتدبير شئون الخلق وحياتهم ورعايتهم وإحيائهم وإماتتهم.والجملة الثالثة قوله- تعالى-: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ وهي جملة سلبية مؤكدة للوصف الإيجابى السابق، فإن قيامه على كل نفس بما كسبت، وعلى تدبير شئون خلقه يقتضى ألا تعرض له غفلة، ولأن السنة والنوم من صفات الحوادث وهو- سبحانه- مخالف لها.والسنة: الفتور الذي يكون في أول النوم مع بقاء الشعور والإدراك. ويقال له غفوة.يقال: وسن الرجل يوسن وسنا وسنة فهو وسن ووسنان إذا نعس والمراد أنه- سبحانه- لا يغفل عن تدبير أمر خلقه أبدا، ولا يحجب علمه شيء حجبا قصيرا أو طويلا، ولا يدركه ما يدرك الأجسام من الفتور أو النعاس، أو النوم.وتقديم السنة على النوم يفيد المبالغة من حيث إن نفى السنة يدل على نفى النوم بالأولى، فنفيه ثانيا صريحا يفيد المبالغة لأن عطف الخاص على العام يفيد المبالغة ولأن عطف الخاص على العام يفيد التوكيد أى لا تأخذه سنة فضلا عن أن يأخذه نوم.وفي قوله: لا تَأْخُذُهُ دلالة على أن للنوم قوة قاهرة تأخذ الحيوان أخذا وتقهر الكثير من أجناس المخلوقات قهرا، ولكنه- سبحانه- وهو القاهر فوق عباده- منزه عن ذلك، ومبرأ من أن يعتريه ما يعترى الحوادث.وقوله- سبحانه- في الجملة الرابعة: لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ تقرير لانفراده بالألوهية إذ جميع الموجودات مخلوقاته، وتعليل لا تصافه بالقيومية، لأن من كانت جميع الموجودات ملكا له فهو حقيق بأن يكون قائما بتدبير أمرها.والمراد بما فيهما ما هو أعم من أجزائهما الداخلة فيهما ومن الأمور الخارجة عنهما المتمكنة فيهما من العقلاء وغيرهم. فالجملة الكريمة تفيد الملكية المطلقة لرب العالمين لكل ما في هذا الوجود من شمس وقمر وحيوان ونبات وجماد وغير ذلك من المخلوقات. وصدرت الجملة بالجار والمجرور «له» لإفادة القصر أى ملك السموات والأرض له وحده ليس لأحد سواه شيء معه.والاستفهام في قوله في الجملة الخامسة مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ للنفي والإنكار أى: لا أحد يستطيع أن يشفع عنده- سبحانه- إلا بإذنه ورضاه قال- تعالى- وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى.والمقصود من هذه الجملة- كما يقول الآلوسى- بيان كبرياء شأنه- تعالى- وأنه لا أحد يساويه أو يدانيه بحيث يستقل أن يدفع ما يريده دفعا على وجه الشفاعة والاستكانة والخضوع فضلا عن أن يستقل بدفعه عنادا أو مناصبة وعداوة. وفي ذلك تيئيس للكفار حيث زعموا أن آلهتهم شفعاء لهم عند الله».وقوله- سبحانه- في الجملة السادسة: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ تأكيد لكمال سلطانه في هذا الوجود، وبيان لشمول علمه على كل شيء.والضمير في (يديهم) و (خلفهم) يعود إلى (ما) في قوله قبل ذلك لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وعبر بضمير الذكور العقلاء، تغليبا لجانبهم على جانب غير العقلاء.والعلم بما بين أيديهم وما خلفهم كناية عن إحاطة علمه- سبحانه- بماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، وما يعرفونه من شئونهم الدنيوية وما لا يعرفونه.وقوله- تعالى- في الجملة السابغة: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ معطوف على قوله يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ لأنه مكمل لمعناه. والمراد بالعلم المعلوم.والإحاطة بالشيء معناها العلم الكامل به.أى: لا يعلمون شيئا من معلوماته- سبحانه- إلا بالقدر الذي أراد أن يعلمهم إياه على ألسنة رسله. فهو كقوله- تعالى-: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً، إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ.فالجملة الكريمة بيان لكمال علم الله- تعالى-، ولنقصان علم سواه، إذ أن البشر لم يعطوا من العلم إلا القليل، وهذا القليل ناقص لأنه ليس على إحاطة واستغراق لكل ما تشتمل عليه جزئيات الشيء ووجوده وجنسه وكيفيته وغرضه المقصود به وبإيجاده، إذ العلم الكامل بالشيء لا يكون إلا لله رب العالمين.ثم قال- تعالى- في الجملة الثامنة: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ.قال الراغب: الكرسي في تعارف العامة: اسم للشيء الذي يقعد عليه، وهو في الأصل منسوب إلى الكرس أى الشيء المجتمع، ومنه الكراسة لأنها تجمع العلم.. وكل مجتمع من الشيء كرس» .وللعلماء اتجاهان مشهوران في تفسير معنى الكرسي في الجملة الكريمة. فالسلف يقولون: إن لله- تعالى- كرسيا علينا أن نؤمن بوجوده وإن كنا لا نعرف حقيقته، لأن ذلك ليس في مقدور البشر.والخلف يقولون: الكرسي في الآية كناية عن عظم السلطان، ونفوذ القدرة، وسعة العلم، وكمال الإحاطة.ولصاحب الكشاف تلخيص حسن لأقوال العلماء في ذلك، فقد قال- رحمه الله- وفي قوله: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ أربعة أوجه:أحدها: أن كرسيه لم يضق عن السماوات والأرض لبسطته وسعته وما هو إلا تصوير لعظمته ولا كرسي ثمة ولا قعود ولا قاعد.والثاني: وسع علمه، وسمى العلم كرسيا تسمية بمكانه الذي هو كرسي العالم.والثالث: وسع ملكه تسمية بمكانه الذي هو كرسي الملك.والرابع: ما روى أنه خلق كرسيا هو بين يدي العرش دونه السماوات والأرض وهو إلى العرش كأصغر شيء. وعن الحسن الكرسي هو العرش «2» .هذا وقد روى المفسرون عن ابن عباس أنه قال «كرسيه علمه» ولعل تفسير الكرسي بالعلم كما قال حبر الأمة هو أقرب الأقوال إلى الصواب، لأنه هو المناسب لسياق الآية الكريمة.ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بالصفتين التاسعة والعاشرة فقال- تعالى-: وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.يَؤُدُهُ معناه يثقله ويشق عليه. يقال آدني الأمر بمعنى أثقلنى وتحملت منه المشقة.والْعَلِيُّ هو المتعالي عن الأشياء، والأنداد، والأمثال، والأضداد وعن أمارات النقص ودلالات الحدوث. وقيل هو من العلو الذي هو بمعنى القدرة وعلو الشأن.والمعنى: ولا يثقله ولا يتعبه حفظ السموات والأرض ورعايتهما، وهو المتعالي عن الأشباه والنظائر، والمسيطر على خلقه، العظيم في ذاته وصفاته، ففي هاتين الجملتين بيان لعظيم قدرته، وعظيم رعايته لخلقه، وتنزيهه- سبحانه- عن مشابهة الحوادث.وبعد، فهذه آية الكرسي التي اشتملت على عشر جمل، كل جملة منها تشتمل على وصف أو أكثر من صفات الله الجليلة، ونعوته المجيدة، وألوهيته الحقه، وقدرته النافذة، وعلمه المحيط بكل شيء، قد أقامت الأدلة الساطعة على وحدانية الله- تعالى- ووجوب إفراده بالعبادة.وقد تكلم العلماء طويلا عن تناسق جملها، وبلاغة تراكيبها ووجوه فضلها ومن ذلك قول صاحب الكشاف: «فإن قلت: لم فضلت هذه الآية على غيرها حتى ورد في فضلها ما ورد؟قلت: لما فضلت له سورة الإخلاص من اشتمالها على توحيد الله وتعظيمه وتمجيده وصفاته العظمى ولا مذكور أعظم من رب العزة. فما كان ذكرا له كان أفضل من سائر الأذكار» .ومن الأحاديث التي ساقها الإمام ابن كثير في فضلها ما جاء عن أبى بن كعب أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سأله: «أى آية في كتاب الله أعظم؟ قال الله ورسوله أعلم. فرددها مرارا ثم قال: آية الكرسي. فقال له الرسول صلّى الله عليه وسلّم «ليهنك العلم أبا المنذر» .وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: إن أعظم آية في القرآن هي آية الكرسي» .وروى أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- خرج ذات يوم على الناس فقال: أيكم يخبرني بأعظم آية؟ فقال ابن مسعود على الخبير سقطت سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: أعظم آية في القرآن اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ.. الآية .وبعد أن ساق- سبحانه- في آية الكرسي الأدلة الواضحة على وحدانيته وعظمته وتنزيهه عن صفات الحوادث، عقب ذلك ببيان أن الدين الحق قد ظهر وتجلى لكل ذي عقل سليم، وأنه لا يقسر أحد على الدخول فيه فقال- تعالى-:
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله عز وجل : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أبو منصور محمد بن سمعان أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني أنا حميد بن زنجويه أنا ابن أبي شيبة أنا عبد الأعلى عن الجريري عن أبي السليل عن عبد الله بن رباح الأنصاري عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أبا المنذر أي آية من كتاب الله أعظم؟ " قلت ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) قال فضرب في صدري ثم قال : " ليهنك العلم " ثم قال : " والذي نفس محمد بيده إن لهذه الآية لسانا وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش " .أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف عن محمد بن إسماعيل قال عثمان بن الهيثم أبو عمرو : أخبرنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته وقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة قال : فخليت سبيله فأصبحت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ " قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله قال : " أما إنه قد كذبك وسيعود " فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه سيعود فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : دعني فإني محتاج وعلي عيال ولا أعود ، فرحمته فخليت سبيله فأصبحت فقال : لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا هريرة ما فعل أسيرك " قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته وخليت سبيله قال : " أما إنه قد كذبك وسيعود " فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام ، فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا آخر ثلاث مرات إنك تزعم لا تعود ثم تعود قال : دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها قلت : ما هي؟ قال : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) حتى تختم الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله قال ما هي؟ قلت : قال لي : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) وقال : لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح وكانوا أحرص الناس على الخير فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أما إنه قد صدقك وهو كذوب تعلم من تخاطب من ثلاث ليال يا أبا هريرة " قلت : لا قال " ذاك شيطان " .أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أبو منصور السمعاني أخبرنا أبو جعفر الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه أخبرنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو معاوية ، عن عبد الرحمن بن أبي بكر هو المليكي عن زرارة بن مصعب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ حين يصبح آية الكرسي وآيتين من أول " حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم " ( 2 - غافر ) حفظ في يومه ذلك حتى يمسي ومن قرأهما حين يمسي حفظ في ليلته تلك حتى يصبح " .قوله تعالى : ( الله ) رفع بالابتداء وخبره في ( لا إله إلا هو الحي ) الباقي الدائم على الأبد وهو من له الحياة والحياة صفة الله تعالى ( القيوم ) قرأ عمر وابن مسعود " القيام " وقرأ علقمة " القيم " وكلها لغات بمعنى واحد قال مجاهد ( القيوم ) القائم على كل ( شيء ) وقال الكلبي : القائم على كل نفس بما كسبت وقيل هو القائم بالأمور . وقال أبو عبيدة : الذي لا يزول ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) السنة : النعاس وهو النوم الخفيف والوسنان بين النائم واليقظان يقال منه وسن يسن وسنا وسنة والنوم هو الثقيل المزيل للقوة والعقل قال المفضل الضبي : السنة في الرأس والنوم في القلب فالسنة أول النوم وهو النعاس وقيل : السنة في الرأس والنعاس في العين والنوم في القلب فهو غشية ثقيلة تقع على القلب تمنع المعرفة بالأشياء نفى الله تعالى عن نفسه النوم لأنه آفة وهو منزه عن الآفات ولأنه تغير ولا يجوز عليه التغير .أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أخبرنا عبد الله بن حامد أخبرنا محمد بن جعفر أخبرنا علي بن حرب أخبرنا أبو معاوية أخبرنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال : " إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ولكنه يخفض القسط ويرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " . ورواه المسعودي عن عمرو بن مرة وقال : حجابه النار .( له ما في السماوات وما في الأرض ) ملكا وخلقا ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) بأمره ( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ) قال مجاهد وعطاء والسدي : ( ما بين أيديهم ) أمر الدنيا ( وما خلفهم ) أمر الآخرة وقال الكلبي : ( ما بين أيديهم ) يعني الآخرة لأنهم يقدمون عليها ( وما خلفهم ) الدنيا لأنهم يخلفونها وراء ظهورهم وقال ابن جريج : ما بين أيديهم ما مضى أمامهم وما خلفهم ما يكون بعدهم وقال مقاتل : ما بين أيديهم ، ما كان قبل خلق الملائكة وما خلفهم أي ما كان بعد خلقهم وقيل : ما بين أيديهم أي ما قدموه من خير أو شر وما خلفهم ما هم فاعلوه ( ولا يحيطون بشيء من علمه ) أي من علم الله ( إلا بما شاء ) أن يطلعهم عليه يعني لا يحيطون بشيء من علم الغيب إلا بما شاء مما أخبر به الرسل كما قال الله تعالى : ( فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ) ( 36 - الجن ) قوله تعالى : ( وسع كرسيه السماوات والأرض ) أي ملأ وأحاط به واختلفوا في الكرسي فقال الحسن : هو العرش نفسه وقال أبو هريرة رضي الله عنه : الكرسي موضوع أمام العرش ومعنى قوله : " وسع كرسيه السماوات والأرض " أي سعته مثل سعة السماوات والأرض وفي الأخبار أن السماوات والأرض في جنب الكرسي كحلقة في فلاة والكرسي في جنب العرش كحلقة في فلاة . ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن السماوات السبع والأرضين السبع في الكرسي كدراهم سبعة ألقيت في ترس .وقال علي ومقاتل : كل قائمة من الكرسي طولها مثل السماوات السبع والأرضين السبع وهو بين يدي العرش ويحمل الكرسي أربعة أملاك لكل ملك أربعة وجوه وأقدامهم في الصخرة التي تحت الأرض السابعة السفلى مسيرة خمسمائة عام ملك على صورة سيد البشر آدم عليه السلام وهو يسأل للآدميين الرزق والمطر من السنة إلى السنة وملك على صورة سيد الأنعام وهو الثور وهو يسأل للأنعام الرزق من السنة إلى السنة وعلى وجهه غضاضة منذ عبد العجل وملك على صورة سيد السباع وهو الأسد يسأل للسباع الرزق من السنة إلى السنة [ وملك على صورة سيد الطير وهو النسر يسأل الرزق للطير من السنة إلى السنة ] وفي بعض الأخبار أن ما بين حملة العرش وحملة الكرسي سبعين حجابا من ظلمة وسبعين حجابا من نور غلظ كل حجاب مسيرة خمسمائة عام لولا ذلك لاحترق حملة الكرسي من نور حملة العرش .وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أراد بالكرسي علمه وهو قول مجاهد ومنه قيل لصحيفة العلم كراسة وقيل : كرسيه ملكه وسلطانه والعرب تسمي الملك القديم كرسيا ، ( ولا يئوده ) أي لا يثقله ولا يشق عليه يقال : آدني الشيء أي أثقلني ( حفظهما ) أي حفظ السماوات والأرض ( وهو العلي ) الرفيع فوق خلقه والمتعالي عن الأشياء والأنداد وقيل : العلي بالملك والسلطنة ( العظيم ) الكبير الذي لا شيء أعظم منه .