﴿ فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ فلا جَلَدَ عليها، ولا صبر، وكل حالة قُدِّر إمكان الصبر عليها، فالنار لا يمكن الصبر عليها، وكيف الصبر على نار، قد اشتد حرها، وزادت على نار الدنيا، بسبعين ضعفًا، وعظم غليان حميمها، وزاد نتن صديدها، وتضاعف برد زمهريرها وعظمت سلاسلها وأغلالها، وكبرت مقامعها، وغلظ خُزَّانها، وزال ما في قلوبهم من رحمتهم، وختام ذلك سخط الجبار، وقوله لهم حين يدعونه ويستغيثون: اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا أي: يطلبوا أن يزال عنهم العتب، ويرجعوا إلى الدنيا، ليستأنفوا العمل. فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ لأنه ذهب وقته، وعمروا، ما يعمر فيه من تذكر وجاءهم النذير وانقطعت حجتهم، مع أن استعتابهم، كذب منهم وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
﴿ تفسير الوسيط ﴾
فَإِنْ يَصْبِرُوا عن العذاب فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ أى: فالنار هي المكان المعد لثوائهم فيه، ولبقائهم به بقاء أبديا. يقال: ثوى فلان بالمكان إذا أقام به إقامة دائمة. وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ أى: وإن يطلبوا الرضا عنهم، فما هم من المرضى عنهم، وإنما هم من المغضوب عليهم، أو وإن يطلبوا منا الرجوع إلى ما يرضينا بأن نعيدهم إلى الدنيا، فما هم من المجابين إلى ذلك.قال القرطبي: وأصل الكلمة من العتب- بفتح العين وسكون التاء- وهي الموجدة، يقال: عتب عليه يعتب- كضرب يضرب- إذا وجد عليه. فإذا فاوضه فيما عتب عليه فيه، قيل: عاتبه، فإذا رجع إلى مسرتك فقد أعتب. والاسم العتبى، وهو رجوع المعتوب عليه إلى ما يرى العاتب قال الشاعر:فإن أك مظلوما فعبدا ظلمته ... وإن تك ذا عتبى فمثلك يعتبوبذلك نرى هذه الآيات الكريمة، قد بينت الأحوال السيئة التي يكون عليها الكافرون يوم القيامة، والمجادلات التي تدور بينهم وبين جوارحهم في هذا اليوم العسير عليهم.ثم بين- سبحانه- جانبا من الأسباب التي أوقعتهم في هذا المصير الأليم، ومن الأقوال السيئة التي كانوا يتواصون بها فيما بينهم، وعن عاقبة هذا التواصي الأثيم فقال- تعالى-:
﴿ تفسير البغوي ﴾
( فإن يصبروا فالنار مثوى لهم ) مسكن لهم ، ( وإن يستعتبوا ) يسترضوا ويطلبوا العتبى ، ( فما هم من المعتبين ) المرضين ، والمعتب الذي قبل عتابه وأجيب إلى ما سأل . يقال : أعتبني فلان ، أي : أرضاني بعد إسخاطه إياي ، واستعتبته : طلبت منه أن يعتب أي : يرضى .