أي: هذا الذي أوجب لكم الغفلة والإعراض عن وعظ الله وتذكيره أنكم تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وتسعون فيما يحصلها، وفي لذاتها وشهواتها، وتؤثرونها على الآخرة، فتذرون العمل لها، لأن الدنيا نعيمها ولذاتها عاجلة، والإنسان مولع بحب العاجل، والآخرة متأخر ما فيها من النعيم المقيم، فلذلك غفلتم عنها وتركتموها، كأنكم لم تخلقوا لها، وكأن هذه الدار هي دار القرار، التي تبذل فيها نفائس الأعمار، ويسعى لها آناء الليل والنهار، وبهذا انقلبت عليكم الحقيقة، وحصل من الخسار ما حصل. فلو آثرتم الآخرة على الدنيا، ونظرتم للعواقب نظر البصير العاقل لأنجحتم، وربحتم ربحا لا خسار معه، وفزتم فوزا لا شقاء يصحبه.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله- سبحانه- كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ. وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ بيان لما جبل عليه كثير من الناس، من إيثارهم منافع الدنيا الزائلة، على منافع الآخرة الباقية، وزجر ونهى لهم عن سلوك هذا المسلك، الذي يدل على قصر النظر، وضعف التفكير.أى: كلا- أيها الناس- ليس الرشد في أن تتركوا العمل الصالح الذي ينفعكم يوم القيامة، وتعكفوا على زينة الحياة الدنيا العاجلة.. بل الرشد كل الرشد في عكس ذلك، وهو أن تأخذوا من دنياكم وعاجلتكم ما ينفعكم في آخرتكم، كما قال- سبحانه-: وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا.وشبيه بهاتين الآيتين قوله- تعالى- إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلًا