﴿ رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
ثم ذكر من جلاله وكماله ما يقتضي إخلاص العبادة له فقال: رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ أي: العلي الأعلى، الذي استوى على العرش واختص به، وارتفعت درجاته ارتفاعًا باين به مخلوقاته، وارتفع به قدره، وجلت أوصافه، وتعالت ذاته، أن يتقرب إليه إلا بالعمل الزكي الطاهر المطهر، وهو الإخلاص، الذي يرفع درجات أصحابه ويقربهم إليه ويجعلهم فوق خلقه، ثم ذكر نعمته على عباده بالرسالة والوحي، فقال: يُلْقِي الرُّوحَ أي: الوحي الذي للأرواح والقلوب بمنزلة الأرواح للأجساد، فكما أن الجسد بدون الروح لا يحيا ولا يعيش، فالروح والقلب بدون روح الوحي لا يصلح ولا يفلح، فهو تعالى يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ الذي فيه نفع العباد ومصلحتهم. عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وهم الرسل الذين فضلهم الله واختصهم الله لوحيه ودعوة عباده.والفائدة في إرسال الرسل، هو تحصيل سعادة العباد في دينهم ودنياهم وآخرتهم، وإزالة الشقاوة عنهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم، ولهذا قال: لِيُنْذِرَ من ألقى الله إليه الوحي يَوْمَ التَّلَاقِ أي: يخوف العباد بذلك، ويحثهم على الاستعداد له بالأسباب المنجية مما يكون فيه.وسماه يوم التلاق لأنه يلتقي فيه الخالق والمخلوق والمخلوقون بعضهم مع بعض، والعاملون وأعمالهم وجزاؤهم.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم يذكر- سبحانه- بعد ذلك من صفاته العظمى، ما يزيد المؤمنين في إخلاص العبادة له، فيقول: رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ.. أى: هو- تعالى- وحده صاحب الرفعة والمقام العالي، وهو وحده صاحب العرش العظيم، الذي لا يعلم مقدار عظمته إلا هو..قال الآلوسى قوله: رَفِيعُ الدَّرَجاتِ رفيع صفة مشبهة أضيفت الى فاعلها من رفع الشيء إذا علا.. والدرجات: مصاعد الملائكة إلى أن يبلغوا العرش، أى: رفيع درجات ملائكته ومعارجهم إلى عرشه.. ويجوز أن يكون كناية عن رفعة شأنه وسلطانه- عز شأنه- كما أن قوله- تعالى-: ذُو الْعَرْشِ كناية عن ملكه- جل جلاله-.. .والمراد بالروح في قوله- تعالى-: يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ:الوحى الذي يوحى به على أنبيائه، وأمين هذا الوحى جبريل- عليه السلام-.أى: هو وحده- سبحانه- الذي يلقى الوحى. حالة كون هذا الوحى ناشئا من أمره وقضائه على من يختاره لهذا الإلقاء من عباده الصالحين. فقوله مِنْ أَمْرِهِ متعلق بمحذوف حال من الروح.وسمى الوحى روحا، لأن الأرواح تحيا به، كما أن الأجساد تحيا بالغذاء.وقوله- تعالى-: لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ بيان للوظيفة الخاصة بمن يختاره- سبحانه- من عباده لإلقاء الوحى عليه.والإنذار: الإعلام المقترن بالتخويف والتحذير، فكل إنذار إعلام، وليس كل إعلام إنذارا.والمراد بيوم التلاق: يوم القيامة، وسمى بيوم التلاق لأنه يتلاقى فيه الأولون والآخرون والمؤمنون والكافرون، والظالمون والمظلومون.. الكل يتلاقى في ساحة المحشر ليقضى الله - تعالى- فيهم بقضائه العادل.أى: يلقى- سبحانه- بوحيه على أنبيائه، لينذروا الناس ويحذروهم من سوء العذاب يوم القيامة، إذا ما استمروا في كفرهم وعصيانهم لخالقهم.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( رفيع الدرجات ) رافع درجات الأنبياء والأولياء في الجنة ، ( ذو العرش ) خالقه ومالكه ، ( يلقي الروح ) ينزل الوحي ، سماه روحا ؛ لأنه تحيا به القلوب كما تحيا الأبدان بالأرواح ، ( من أمره ) قال ابن عباس : من قضائه . وقيل : من قوله . وقال مقاتل : بأمره . ( على من يشاء من عباده لينذر ) أي : لينذر النبي بالوحي ، ( يوم التلاق ) وقرأ يعقوب بالتاء أي : لتنذر أنت يا محمد يوم التلاق ، يوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض . قال قتادة ومقاتل : يلتقي فيه الخلق والخالق . قال ابن زيد : يتلاقى العباد . وقال ميمون بن مهران : يلتقي الظالم والمظلوم والخصوم . وقيل : يلتقي العابدون والمعبودون . وقيل : يلتقي فيه المرء مع عمله .