﴿ وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
يقول تعالى بعدما ذكر أن المعاهدين من المشركين إن استقاموا على عهدهم فاستقيموا لهم على الوفاء: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ أي: نقضوها وحلوها، فقاتلوكم أو أعانوا على قتالكم، أو نقصوكم، وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ أي: عابوه، وسخروا منه. ويدخل في هذا جميع أنواع الطعن الموجهة إلى الدين، أو إلى القرآن، فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ أي: القادة فيه، الرؤساء الطاعنين في دين الرحمن، الناصرين لدين الشيطان، وخصهم بالذكر لعظم جنايتهم، ولأن غيرهم تبع لهم، وليدل على أن من طعن في الدين وتصدى للرد عليه، فإنه من أئمة الكفر. إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ أي: لا عهود ولا مواثيق يلازمون على الوفاء بها، بل لا يزالون خائنين، ناكثين للعهد، لا يوثق منهم. لَعَلَّهُمْ في قتالكم إياهم يَنْتَهُونَ عن الطعن في دينكم، وربما دخلوا فيه
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ.أى: وإن نقضوا عهودهم من بعد أن تعاقدوا معكم على الوفاء بها.وقوله: نَكَثُوا من النكث بمعنى النقض والحل. يقال نكث فلان الحبل إذا نقض فتله وحل خيوطه ومنه قوله- تعالى-: وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً .وقوله: وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ معطوف على ما قبله. أى: وعابوه وانتقصوه.وقوله: فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ أى: فقاتلوهم فهم أئمة الكفر، وحملة لوائه. فوضع- سبحانه- الاسم الظاهر المبين لشر صفاتهم موضع الضمير على سبيل الذم لهم.وقيل: المراد بأئمة الكفر رؤساؤهم وصناديدهم الذين كانوا يحرضونهم على عداوة المؤمنين، ويقودونهم لقتال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.وعطف. سبحانه- قوله وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ على ما قبله مع أن نقض العهد كاف في إباحة قتالهم، لزيادة تحريض المؤمنين على مجاهدتهم والاغلاظ عليهم.وقوله: إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ تعليل للأمر بقتالهم أى قاتلوا هؤلاء المشركين بعزيمة صادقة، وقلوب ثابتة. لأنهم قوم لا أيمان ولا عهود لهم على الحقيقة، لأنهم لما لم يفوا بها صارت أيمانهم كأنها ليست بأيمان.وقرأ ابن عامر إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ- بكسر الهمزة. على أنها مصدر آمنه إيمانا بمعنى إعطاء الأمان. أى إنهم لا أمان لهم فاحذروا الاغترار بهم. أو المراد الإيمان الشرعي. أى إنهم لا تصديق ولا دين لهم، ومن كان كذلك فلا وفاء له.وقوله: لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ متعلق بقوله فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ.أى: ليكن مقصدكم من مقاتلتهم- بعد أن وجد منهم ما وجد من إيذائكم الرجاء في هدايتهم، والانتهاء عن كفرهم وخيانتهم.. واحذروا أن يكون مقصدكم من ذلك العدوان واتباع الهوى.هذا، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هذه الآيات سوى ما سبق- ما يأتى:1- أن ما ذكرته الآيات من كون المشركين، لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، يقرر حقيقة واقعة، ومن الأدلة على ذلك ما فعله التتار بالمسلمين- وخاصة مسلمي بغداد. سنة 656. وما فعله الوثنيون الهنود مع مسلمي باكستان، وما فعله الشيوعيون. في روسيا والصين وغيرها- مع المسلمين الذين كانوا يعيشون معهم .2- أن هؤلاء المشركين متى تابوا عن كفرهم، وأقلعوا عن شركهم، واندمجوا في جماعة المؤمنين.. صاروا إخوة لنا في الدين.وهذه الأخوة الدينية- كما يقول صاحب المنار- مما يحسدنا جميع أهل الملل عليها فهي لا تزال أقوى فينا منها فيهم برا وتعاونا. وعاصمة لنا من فوضى الشيوعية، وأثرة المادية وغيرها، على ما منيت به شعوبنا من الضعف واختلال النظام، واختلاف الجنسيات والأحكام. .3- قال القرطبي: استدل بعض العلماء بهذه الآية وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ- على وجوب قتل كل من طعن في الدين، إذ هو كافر. والطعن أن ينسب إليه ما لا يليق به، أو يعترض بالاستخفاف على ما هو من الدين لما ثبت من الدليل القطعي على صحة أصوله واستقامة فروعه.وقال ابن المنذر: أجمع عامة أهل العلم على أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم عليه القتل. وممن قال بذلك مالك والليث وأحمد وإسحاق والشافعى .4- أخذ بعضهم من قوله- تعالى- إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ أن الكافر لا يمين له على الحقيقة.قال الفخر الرازي: وبه تمسك أبو حنيفة. رحمه الله. في أن يمين الكافر لا يكون يمينا.وعند الشافعى. رحمه الله- يمينهم يمين. ومعنى الآية عنده: أنهم لما لم يفوا بها صارت أيمانهم كأنها ليست بأيمان. والدليل على أن أيمانهم أيمان أنه- سبحانه- وصفها بالنكث في قوله وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ.. ولو لم يكن منعقدا لما صح وصفها بالنكث .5- دل قوله تعالى لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ على أن قتال المؤمنين للمشركين لا يراد به سلب أموالهم ولا هتك أعراضهم.. وإنما المراد به الرجاء في هدايتهم، والأمل في انتهائهم عن الكفر وسوء الأخلاق.قال صاحب الكشاف: قوله لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ متعلق بقوله فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ.أى: ليكن غرضكم في مقاتلتهم- بعد ما وجد منهم ما وجد من العظائم- أن تكون المقاتلة سببا في انتهائهم عما هم عليه. وهذا من غاية كرمه وفضله وعوده على المسيء بالرحمة كلما عاد .وبعد أن بينت السورة الكريمة الأسباب الموجبة لقتال المشركين: شرعت في تحريض المؤمنين على مهاجمتهم ومقاتلتهم بأسلوب يثير الحمية في النفوس، ويحمل على الإقدام وعدم المبالاة بهم.. فقال تعالى:
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى : ( وإن نكثوا أيمانهم ) نقضوا عهودهم ، ( من بعد عهدهم ) عقدهم ، يعني : مشركي قريش ، ( وطعنوا ) قدحوا ( في دينكم ) عابوه . فهذا دليل على أن الذمي إذا طعن في دين الإسلام ظاهرا لا يبقى له عهد ، ( فقاتلوا أئمة الكفر ) قرأ أهل الكوفة والشام : " أئمة " بهمزتين حيث كان ، وقرأ الباقون بتليين الهمزة الثانية . وأئمة الكفر : رؤوس المشركين وقادتهم من أهل مكة .قال ابن عباس : نزلت في أبي سفيان بن حرب ، وأبي جهل بن هشام ، وسهيل بن عمرو ، وعكرمة بن أبي جهل ، وسائر رؤساء قريش يومئذ الذين نقضوا العهد ، وهم الذين هموا بإخراج الرسول وقال مجاهد : هم أهل فارس والروم .وقال حذيفة بن اليمان : ما قوتل أهل هذه الآية ولم يأت أهلها بعد ( إنهم لا أيمان لهم ) أي : لا عهود لهم ، جمع يمين . قال قطرب : لا وفاء لهم بالعهد . وقرأ ابن عامر : " لا إيمان لهم " بكسر الألف ، أي : لا تصديق لهم ولا دين لهم . وقيل : هو من الأمان ، أي لا تؤمنوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ، ( لعلهم ينتهون ) أي : لكي ينتهوا عن الطعن في دينكم والمظاهرة عليكم . وقيل : عن الكفر .