﴿ وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
يخبر تعالى عن افتراء الكفار ودعوتهم للمؤمنين إلى دينهم، وفي ضمن ذلك، تحذير المؤمنين من الاغترار بهم والوقوع في مكرهم، فقال: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا فاتركوا دينكم أو بعضه واتبعونا في ديننا، فإننا نضمن لكم الأمر وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وهذا الأمر ليس بأيديهم، فلهذا قال: وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ لا قليل ولا كثير. فهذا التحمل، ولو رضي به صاحبه، فإنه لا يفيد شيئا، فإن الحق للّه، واللّه تعالى لم يمكن العبد من التصرف في حقه إلا بأمره وحكمه، وحكمه أن لَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ولما كان قوله: وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ قد يتوهم منه أيضا، أن الكفار الداعين إلى كفرهم -ونحوهم ممن دعا إلى باطله- ليس عليهم إلا ذنبهم الذي ارتكبوه، دون الذنب الذي فعله غيرهم، ولو كانوا متسببين فيه، قال: [مخبرا عن هذا الوهم]
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك ما زعمه أئمة الكفر من دعاوى باطلة، ورد عليها فقال:وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ.أى: وقال الذين كفروا للذين آمنوا على سبيل التضليل والإغراء: اتبعوا سبيلنا أى طريقنا الذي وجدنا عليه آباءنا، وهو عبادة الأصنام، ولنحمل عنكم خطاياكم يوم القيامة، إن كان هناك بعث وحساب.واللام في قوله: وَلْنَحْمِلْ لام الأمر، كأنهم آمرين أنفسهم بذلك، ليغروا المؤمنين باتباعهم.أى: اطمئنوا إلى أننا لن نتخلى عنكم، ولن ننقض عهودنا معكم في حمل خطاياكم لو اتبعتمونا، أو هو أمر في تأويل الشرط والجزاء. أى: إن تتبعوا سبيلنا نحمل خطاياكم.وقد رد الله- تعالى- زعمهم هذا بقوله: وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ أى: وما هؤلاء الكافرون بحاملين لشيء من خطايا غيرهم التي زعموا حملها يوم القيامة، وإنهم لكاذبون في كل أقوالهم.ومِنْ الأولى بيانية، والثانية لنفى حمل أى خطايا مهما صغرت. وقد جاء التكذيب لهم بهذا الأسلوب المؤكد، حتى يخرس ألسنتهم، ويمحو كل أثر من أقوالهم من الأذهان.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ) قال مجاهد : هذا من قول كفار مكة لمن آمن منهم . وقال الكلبي ومقاتل : قاله أبو سفيان لمن آمن من قريش ، " اتبعوا سبيلنا " : ديننا وملة آبائنا ، ونحن الكفلاء بكل تبعة من الله تصيبكم ، فذلك قوله : ( ولنحمل خطاياكم ) أوزاركم . قال الفراء : لفظه أمر ، ومعناه جزاء مجازه : إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم ، كقوله : " فليلقه اليم بالساحل " ( طه - 39 ) . وقيل : هو جزم على الأمر ، كأنهم أمروا أنفسهم بذلك ، فأكذبهم الله - عز وجل - فقال : ( وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون ) فيما قالوا من حمل خطاياهم .