﴿ وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
أي: قال الكفار بالحق معاندين له ورادين لدعوته: لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ أي: ما سبقنا إليه المؤمنون أي: لكنا أول مبادر به وسابق إليه وهذا من البهرجة في مكان، فأي دليل يدل على أن علامة الحق سبق المكذبين به للمؤمنين؟ هل هم أزكى نفوسا؟ أم أكمل عقولا؟ أم الهدى بأيديهم؟ ولكن هذا الكلام الذي صدر منهم يعزون به أنفسهم بمنزلة من لم يقدر على الشيء ثم طفق يذمه ولهذا قال: وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ أي: هذا السبب الذي دعاهم إليه أنهم لما لم يهتدوا بهذا القرآن وفاتهم أعظم المواهب وأجل الرغائب قدحوا فيه بأنه كذب وهو الحق الذي لا شك فيه ولا امتراء يعتريه.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقد ذكر المفسرون في سبب نزول قوله- تعالى-: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا.. روايات منها: أن مشركي مكة حين رأوا أن أكثر المؤمنين من الفقراء، كعمار، وبلال، وعبد الله بن مسعود.. قالوا ذلك.وسبب قولهم هذا، اعتقادهم الباطل، أنهم هم الذين لهم عند الله العظمة والجاه والسبق إلى كل مكرمة، لأنهم هم أصحاب المال والسلطان، أما أولئك الفقراء فلا خير فيهم، ولا سبق لهم إلى خير..أى: وقال الذين كفروا للذين آمنوا- على سبيل السخرية والاستخفاف بهم-، لو كان هذا الذي أنتم عليه من الإيمان بما جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم حقا وخيرا، لما سبقتمونا إليه، ولما سبقنا إليه غيركم من المؤمنين لأننا نحن العظماء الأغنياء.. وأنتم الضعفاء الفقراء..فهم- لانطماس بصائرهم وغرورهم- توهموا أنهم لغناهم وجاههم هم المستحقون للسبق إلى كل خير، وأن غيرهم من الفقراء لا يعقل ما يعقلونه، ولا يفهم ما يفهمونه.ومن الآيات الكريمة التي تشبه هذه الآية قوله- تعالى-: وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا: أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا.. .وقوله- سبحانه-: وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ تعجيب من غرورهم وعنادهم، ورميهم الحق بما هو برىء منه.و «إذ» ظرف لكلام محذوف دل عليه الكلام، أى: وإذ لم يهتدوا بما جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلّم من عند ربه، ظهر عنادهم واستكبارهم وقالوا هذا القرآن كذب قديم من أخبار السابقين، نسبه محمد صلّى الله عليه وسلّم إلى ربه.وشبيه بهذا الآية. قوله- تعالى-: وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.. .
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وقال الذين كفروا ) من اليهود ( للذين آمنوا لو كان ) [ دين محمد - صلى الله عليه وسلم - ] ( خيرا ما سبقونا إليه ) يعني عبد الله بن سلام وأصحابه .وقال قتادة : نزلت في مشركي مكة ، قالوا : لو كان ما يدعونا إليه محمد خيرا ما سبقنا إليه فلان وفلان .وقال الكلبي : الذين كفروا : أسد وغطفان ، قالوا للذين آمنوا يعني : جهينة ومزينة : لو كان ما جاء به محمد خيرا ما سبقنا إليه رعاء البهم .قال الله تعالى : ( وإذ لم يهتدوا به ) يعني بالقرآن كما اهتدى به أهل الإيمان ( فسيقولون هذا إفك قديم ) كما قالوا أساطير الأولين .