ولما سألهم عن أبيه أخبروه بذهاب بصره من البكاء عليه، فقال لهم: عودوا إلى أبيكم ومعكم قميصي هذا فاطرحوه على وجه أبي يَعُدْ إليه بصره، ثم أحضروا إليَّ جميع أهلكم.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«اذهبوا بقميصي هذا» وهو قميص إبراهيم الذي لبسه حين ألقي في النار كان في عنقه في الجب وهو من الجنة أمره جبريل بإرساله وقال إن فيه ريحها ولا يُلقى على مبتلًى إلا عوفي «فألقوه على وجه أبي يأت» يصر «بصيرا وائتوني بأهلكم أجمعين».
﴿ تفسير السعدي ﴾
أي: قال يوسف عليه السلام لإخوته: اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا لأن كل داء يداوى بضده، فهذا القميص - لما كان فيه أثر ريح يوسف، الذي أودع قلب أبيه من الحزن والشوق ما الله به عليم - أراد أن يشمه، فترجع إليه روحه، وتتراجع إليه نفسه، ويرجع إليه بصره، ولله في ذلك حكم وأسرار، لا يطلع عليها العباد، وقد اطلع يوسف من ذلك على هذا الأمر. وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ أي: أولادكم وعشيرتكم وتوابعكم كلهم، ليحصل تمام اللقاء، ويزول عنكم نكد المعيشة، وضنك الرزق.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا ) أي : يعد مبصرا . وقيل : يأتيني بصيرا لأنه كان قد دعاه .قال الحسن : لم يعلم أنه يعود بصيرا إلا بعد أن أعلمه الله عز وجل .وقال الضحاك : كان ذلك القميص من نسج الجنة .وعن مجاهد قال : أمره جبريل أن يرسل إليه قميصه ، وكان ذلك القميص قميص إبراهيم عليه السلام ، وذلك أنه جرد من ثيابه وألقي في النار عريانا ، فأتاه جبريل بقميص من حرير الجنة ، فألبسه إياه فكان ذلك القميص عند إبراهيم عليه السلام ، فلما مات ورثه إسحاق ، فلما مات ورثه يعقوب ، فلما شب يوسف جعل يعقوب ذلك القميص في قصبة ، وسد رأسها ، وعلقها في عنقه ، لما كان يخاف عليه من العين ، فكان لا يفارقه . فلما ألقي في البئر عريانا جاءه جبريل عليه السلام وعلى يوسف ذلك التعويذ ، فأخرج القميص منه وألبسه إياه ، ففي هذا الوقت جاء جبريل عليه السلام إلى يوسف عليه السلام وقال : أرسل ذلك القميص ، فإن فيه ريح الجنة لا يقع على سقيم ولا مبتلى إلا عوفي ، فدفع يوسف ذلك القميص إلى إخوته وقال : ألقوه على وجه أبي يأت بصيرا ( وأتوني بأهلكم أجمعين ) .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم انتقل يوسف- عليه السلام- من الحديث عن الصفح عنهم إلى الحديث عن أبيه الذي ابيضت عيناه عليه من الحزن فقال:اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ.أى. اذهبوا يا إخوتى بقميصي هذا «فألقوه على وجه أبى» الذي طال حزنه بسبب فراقي له «يأت بصيرا» أى يرتد إليه كامل بصره، بعد أن ضعف من شدة الحزن.«وأتونى» معه إلى هنا ومعكم أهلكم جميعا من رجال ونساء وأطفال.وقول يوسف هذا إنما هو بوحي من الله- تعالى- فهو- سبحانه- الذي ألهمه أن إلقاء قميصه على وجه أبيه يؤدى إلى ارتداد بصره إليه كاملا، وهذا من باب خرق العادة بالنسبة لهذين النبيين الكريمين.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
يقول : اذهبوا بهذا القميص ، ( فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا ) وكان قد عمي من كثرة البكاء ، ( وأتوني بأهلكم أجمعين ) أي : بجميع بني يعقوب .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : اذهبوا بقميصي هذا نعت للقميص ، والقميص مذكر ، فأما قول الشاعر :تدعو هوازن والقميص مفاضة فوق النطاق تشد بالأزرارفتقديره : والقميص درع مفاضة . قاله النحاس . وقال ابن السدي عن أبيه عن مجاهد : قال لهم يوسف : اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا قال : كان يوسف أعلم بالله من أن يعلم أن قميصه يرد على يعقوب بصره ، ولكن ذلك قميص إبراهيم الذي ألبسه الله في النار من حرير الجنة ، وكان كساه إسحاق ، وكان إسحاق كساه يعقوب ، وكان يعقوب أدرج ذلك القميص في قصبة من فضة وعلقه في عنق يوسف ، لما كان يخاف عليه من العين ، وأخبره جبريل بأن أرسل قميصك فإن فيه ريح الجنة ، وإن ريح الجنة لا يقع على سقيم ولا مبتلى إلا عوفي . وقال الحسن : لولا أن الله تعالى أعلم يوسف بذلك لم يعلم أنه يرجع إليه بصره ، وكان الذي حمل قميصه يهوذا ، قال ليوسف : أنا الذي حملت إليه قميصك بدم كذب فأحزنته ، وأنا الذي أحمله الآن لأسره ، وليعود إليه بصره ، فحمله ; حكاه السدي . وأتوني بأهلكم أجمعين لتتخذوا مصر دارا . قال مسروق : فكانوا ثلاثة وتسعين ، ما بين رجل وامرأة . وقد قيل : إن القميص الذي بعثه هو القميص الذي قد من دبره ، ليعلم يعقوب أنه عصم من الزنا ; والقول الأول أصح ، وقد روي مرفوعا من حديث أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكره القشيري والله أعلم .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93)قال أبو جعفر:ذكر أن يوسف صلى الله عليه وسلم لما عرّف نفسه إخوته ، سألهم عن أبيهم ، فقالوا: ذهب بصره من الحزن! فعند ذلك أعطاهم قميصَه وقال لهم: ( اذهبوا بقميصي هذا ) .* * **ذكر من قال ذلك:19800- حدثنا ابن وكيع ، قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال: قال لهم يوسف:ما فعل أبي بعدي؟ قالوا:لما فاته بنيامين عمي من الحزن. قال: ( اذهبوا بقميصي هذا فألقوا على وجه أبي يأت بصيرًا وأتوني بأهلكم أجمعين ).* * *وقوله: ( يأت بصيرًا ) يقول:يَعُدْ بصيرًا (27) ، ( وأتوني بأهلكم أجمعين ) ، يقول: وجيئوني بجميع أهلكم .* * *----------------------الهوامش:(27) هذا معنى يقيد في معاجم اللغة ، في باب" أتى" ، بمعنى : عاد ، وهو معنى عزيز لم يشر إليه أحد من أصحاب المعاجم التي بين أيدينا .
﴿ اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين ﴾