قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين موبخًا لهم ومتعجبًا من فعلهم: أإنكم لتكفرون بالله الذي خلق الأرض في يومين اثنين، وتجعلون له نظراء وشركاء تعبدونهم معه؟ ذلك الخالق هو رب العالمين كلهم.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«قل أئنكم» بتحقيق الهمزة الثانية وتسهيلها وإدخال ألف بينها بوجهيها وبين الأولى «لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين» الأحد والاثنين «وتجعلون له أنداداً» شركاء «ذلك رب» أي مالك «العالمين» جمع عالم، وهو ما سوى الله وجمع لاختلاف أنواعه بالياء والنون، تغليباً للعقلاء.
﴿ تفسير السعدي ﴾
ينكر تعالى ويعجِّب، من كفر الكافرين به، الذين جعلوا معه أندادا يشركونهم معه، ويبذلون لهم ما يشاؤون من عباداتهم، ويسوونهم بالرب العظيم، الملك الكريم، الذي خلق الأرض الكثيفة العظيمة، في يومين.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله عز وجل : ( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ) : يوم الأحد والاثنين ، ( وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين ) .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم أمر الله - تعالى - صلى الله عليه وسلم - أن يوبخ هؤلاء المشركين على إصرارهم على كفرهم ، مع أن مظاهر قدرة الله - تعالى - الماثلة أمام أعينهم تدعوهم إلى الإِيمان ، فقال - تعالى - :( قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ . . . ) .قال الإِمام الرازى ما ملخصه : اعلم أنه - تعالى - لما أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس : ( قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحى إِلَيَّ . . . ) أردفه بما يدل على أنه لا يجوز إثبات الشركة بينه - تعالى - وبين هذه الأصنام فى الإِلهية والمعبودية ، وذلك بأن بين كمال قدرته وحكمته فى خلق السموت والأرض فى مدة قليلة . . والاستفهام فى قوله ( أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ . . . ) بمعنى الإِنكار ، وهو لإِنكار شيئين : الكفر بالله . . وجعل الأنداد له .والمعنى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المشركين على سبيل الإِنكار لأفعالهم : أئنكم لتكفرون بالله - تعالى - الذى خلق الأرض فى يومين .قال الآلوسى : وإن واللام فى قوله ( أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ ) لتأكيد الإِنكار . . وعلق - سبحانه - كفرهم بالاسم الموصول لتفخيم شأنه - تعالى - واستعظام كفرهم به .واليوم فى المشهور عبارة عن زمان كون الشمس فوق الأفق ، وأريد منه ها هنا الوقت مطلقا ، لأنه لا يتصور ذلك قبل خلق السماء والكواكب والأرض نفسها ، ثم إن ذلك الوقت يحتمل أن يكون بمقدار اليوم المعروف ، ويحتمل أن يكون أقل منه أو أكثر ، والأقل أنسب بالمقام .قال سعيد بن جبير - رضى الله عنه - إن الله - تعالى - قادر على أن يخلق هذا الكون كله فى لحظة ، ولكنه خلق السموات والأرض فى ستة أيام ، ليعلم خلقه التثبت والتأنى فى الأمور .وقوله : ( وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ) معطوف على قوله ( تكفرون ) وداخل معه فى حكم الإِنكار .والأنداد : جمع ند وهو مثل الشئ يضاده وينافره ويتباعد عنه . وأصله من ند البعير إذا نفر وذهب على وجهه شاردا .أى : وتجعلون له امثالا ونظراء تعبدونها من دونه ، وتسمونها - زورا وكذبا - آلهة ، وجمع - سبحانه - الأنداد باعتبار واقعهم ، لأنهم كانوا يعبدون آلهة شتى ، فمنهم من عبد الأصنام ، ومنهم من عبد الملائكة ، ومنهم من عبد الكواكب .واسم الإِشارة فى قوله ( ذَلِكَ رَبُّ العالمين ) يعود إلى الموصول باعتبار اتصافه بما فى حيز الصلة .أى : ذلك الموصوف بتلك القدرة الباهرة ، رب العالمين جميعا ، وخالق جميع المخلوقات ، والمتولى لتربيتها دون سواه .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
هذا إنكار من الله على المشركين الذين عبدوا معه غيره ، وهو الخالق لكل شيء ، القاهر لكل شيء ، المقدر لكل شيء ، فقال : ( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ) أي : نظراء وأمثالا تعبدونها معه ( ذلك رب العالمين ) أي : الخالق للأشياء هو رب العالمين كلهم .وهذا المكان فيه تفصيل لقوله تعالى : ( خلق السموات والأرض في ستة أيام ) [ الأعراف : 54 ] ، ففصل هاهنا ما يختص بالأرض مما اختص بالسماء ، فذكر أنه خلق الأرض أولا ؛ لأنها كالأساس ، والأصل أن يبدأ بالأساس ، ثم بعده بالسقف ، كما قال : ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات ) الآية [ البقرة : 29 ] ، .فأما قوله : ( أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم ) [ النازعات : 27 - 33 ] ففي هذه الآية أن دحي الأرض كان بعد خلق السماء ، فالدحي هو مفسر بقوله : ( أخرج منها ماءها ومرعاها ) ، وكان هذا بعد خلق السماء ، فأما خلق الأرض فقبل خلق السماء بالنص ، وبهذا أجاب ابن عباس فيما ذكره البخاري عند تفسير هذه الآية من صحيحه ، فإنه قال :وقال المنهال ، عن سعيد بن جبير قال : قال رجل لابن عباس : إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي قال : ( فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) [ المؤمنون : 101 ] ، ( وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) [ الصافات : 27 ] ، ( ولا يكتمون الله حديثا ) [ النساء : 42 ] ، ( والله ربنا ما كنا مشركين ) [ الأنعام : 23 ] ، فقد كتموا في هذه الآية ؟ وقال : ( أم السماء بناها ) إلى قوله : ( دحاها ) [ النازعات : 27 - 30 ] ، فذكر خلق السماء قبل [ خلق ] الأرض ثم قال : ( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ) إلى قوله : ( طائعين ) فذكر في هذه خلق الأرض قبل خلق السماء ؟ وقال : ( وكان الله غفورا رحيما ) [ النساء : 96 ] ، ( عزيزا حكيما ) [ النساء : 56 ] ، ( سميعا بصيرا ) [ النساء : 58 ] ، فكأنه كان ثم مضى .قال - يعني ابن عباس - : ( فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) في النفخة الأولى ، ثم ينفخ في الصور ، ( فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ) [ الزمر : 68 ] ، فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون ، ثم في النفخة الأخرى ( وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون )وأما قوله : ( ما كنا مشركين ) ( ولا يكتمون الله حديثا ) ، فإن الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم فقال المشركون : تعالوا نقول : " لم نكن مشركين " ، فيختم على أفواههم ، فتنطق أيديهم ، فعند ذلك يعرف أن الله لا يكتم حديثا ، وعنده ( يود الذين كفروا ) الآية [ الحجر : 2 ] .وخلق الأرض في يومين ، ثم خلق السماء ، ثم استوى إلى السماء ، فسواهن في يومين آخرين ، ثم دحى الأرض ، ودحيها : أن أخرج منها الماء والمرعى ، وخلق الجبال والجماد والآكام وما بينهما في يومين آخرين ، فذلك قوله : ( دحاها ) وقوله ( خلق الأرض في يومين ) فخلقت الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام ، وخلقت السماوات في يومين .( وكان الله غفورا رحيما ) [ النساء : 96 ] ، سمى نفسه بذلك ، وذلك قوله ، أي : لم يزل كذلك ; فإن الله لم يرد شيئا إلا أصاب به الذي أراد ، فلا يختلفن عليك القرآن ، فإن كلا من عند الله عز وجل .قال البخاري : حدثنيه يوسف بن عدي ، حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن المنهال - هو ابن عمرو - بالحديث .فقوله : ( خلق الأرض في يومين ) يعني : يوم الأحد ويوم الاثنين .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين أإنكم بهمزتين ، الثانية بين بين و " أاإنكم " بألف بين همزتين وهو استفهام معناه التوبيخ . أمره بتوبيخهم والتعجب من فعلهم ، أي : لم تكفرون بالله وهو خالق السماوات والأرض ؟ ! " في يومين " الأحد والاثنين " وتجعلون له أندادا " أي أضدادا وشركاء ذلك رب العالمين
﴿ تفسير الطبري ﴾
وقوله: ( أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ) وذلك يوم الأحد ويوم الاثنين; وبذلك جاءت الأخبار عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وقالته العلماء, وقد ذكرنا كثيرا من ذلك فيما مضى قبل, ونذكر بعض ما لم نذكره قبل إن شاء الله.* ذكر بعض ما لم نذكره فيما مضى من الأخبار بذلك:حدثنا هناد بن السري, قال: ثنا أبو بكر بن عياش, عن أبي سعيد البقال, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال هناد: قرأت سائر الحديث على أبي بكر " أن اليهود أتت النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فسألته عن خلق السموات والأرض, قال: " خَلَقَ اللهُ الأرْضَ يَوْمَ الأحَد وَالاثْنَيْنِ, وَخَلَقَ الجِبَالَ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ وَما فِيهِنَّ مِنْ مَنَافِعَ, وَخَلَقَ يَوْمَ الأرْبَعاء الشَّجَرَ وَالمَاءَ وَالمَدَائِنَ وَالعُمْرَانَ والخَرَابَ, فَهَذِهِ أرْبَعَةٌ, ثُمَّ قال: أئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ, وَتَجْعَلُونَ لَهُ أنْدَادًا, ذلك رَبُّ العَالَمِينَ, وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبَارَكَ فِيها, وَقَدَّرَ فِيها أقْوَاتَهَا في أرْبَعَةِ أيَّامٍ سَوَاءً للسَّائِلِينَ لِمَنْ سأل. قالَ: وَخَلَقَ يَوْمَ الخَمِيسِ السَّمَاءَ, وَخَلَقَ يَوْمَ الجُمْعَةِ النُّجُومَ والشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالمَلائِكَةَ إلَى ثَلاثِ سَاعَاتٍ بَقِيَتْ مِنْهُ فَخَلَقَ فِي أَوَّلِ سَاعَةٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلاثَةِ الآجَالِ حِينَ يَمُوتُ مَنْ مَاتَ, وفِي الثَّانِيَةِ ألْقَى الآفَةَ على كُلِّ شَيْءٍ مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ, وَفِي الثَّالِثَةِ آدَمَ وَأَسْكَنَهُ الجَنَّةَ, وَأَمَرَ إبْلِيسَ بالسُّجُودِ لَهُ, وَأَخْرَجَهُ مِنْهَا فِي آخِرِ سَاعَةٍ" قالت اليهود: ثم ماذا يا محمد؟ قال: " ثُمَّ اسْتَوَى على العَرْشِ", قالوا: قد أصبت لو أتممت, قالوا: ثم استراح; فغضب النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم غضبا شديدا, فنزل: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ .حدثنا تميم بن المنتصر, قال: أخبرنا إسحاق, عن شريك, عن غالب بن غلاب, عن عطاء بن أبي رباح, عن ابن عباس, قال: إن الله خلق يوما واحدا فسماه الأحد, ثم خلق ثانيا فسماه الإثنين, ثم خلق ثالثا فسماه الثلاثاء, ثم خلق رابعا فسماه الأربعاء, ثم خلق خامسا فسماه الخميس; قال: فخلق الأرض في يومين: الأحد والاثنين, وخلق الجبال يوم الثلاثاء, فذلك قول الناس: هو يوم ثقيل, وخلق مواضع الأنهار والأشجار يوم الأربعاء, وخلق الطير والوحوش والهوامّ والسباع يوم الخميس, وخلق الإنسان يوم الجمعة, ففرغ من خلق كلّ شيء يوم الجمعة.حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ) في الأحد والإثنين.وقد قيل غير ذلك.وذلك ما حدثني القاسم بن بشر بن معروف والحسين بن علي قالا ثنا حجاج, عن ابن جريج, قال أخبرني إسماعيل بن أمية, عن أيوب بن خالد, عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة, عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بيدي فقال: " خَلَقَ اللهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ, وَخَلَقَ فِيها الجِبالَ يَوْمَ الأحَدِ, وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ, وَخَلَقَ المَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ, وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الأرْبَعَاءِ, وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابّ يوم الخَمِيسِ, وَخَلَقَ آدَمَ بَعْدَ العَصْرِ يَوْمَ الجُمُعَةِ آخِرِ خَلْق في آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ ساعاتِ الجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ العَصْرِ إلى اللَّيْلِ".وقوله: ( وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ) يقول: وتجعلون لمن خلق ذلك كذلك أندادا, وهم الأكفاء من الرجال تطيعونهم في معاصي الله, وقد بيَّنا معنى الندّ بشواهده فيما مضى قبل.وقوله: ( ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) يقول: الذي فعل هذا الفعل, وخلق الأرض في يومين, مالك جميع الجن والإنس, وسائر أجناس الخلق, وكل ما دونه مملوك له, فكيف يجوز أن يكون له ندّ؟! هل يكون المملوك العاجز الذي لا يقدر على شيء ندّا لمالكه القادر عليه؟.
﴿ قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين ﴾