لا تستطيع الشياطين أن تصل إلى الملأ الأعلى، وهي السموات ومَن فيها مِن الملائكة، فتستمع إليهم إذا تكلموا بما يوحيه الله تعالى مِن شرعه وقدره، ويُرْجَمون بالشهب من كل جهة؛ طردًا لهم عن الاستماع، ولهم في الدار الآخرة عذاب دائم موجع.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«دُحُورا» مصدر دحره: أي طرده وأبعده وهو مفعول له «ولهم» في الآخرة «عذاب واصب» دائم.
( دحورا ) يبعدونهم عن مجالس الملائكة ، يقال : دحره دحرا ودحورا ، إذا طرده وأبعده ، ( ولهم عذاب واصب )دائم ، قال مقاتل : دائم إلى النفخة الأولى ، لأنهم يحرقون ويتخبلون .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ودُحُوراً مفعولا لأجله، أى: يقذفون لأجل الدّحور، وهو الطرد والإبعاد، مصدر دحره يدحره دحرا ودحورا: إذا طرده وأبعده.والواصب: الدائم، من الوصوب بمعنى الدوام، يقال: وصب الشيء يصب وصوبا، إذا دام وثبت، ومنه قوله: وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أى: دائما ثابتا.والمعنى: إنا زينا السماء الدنيا بنور الكواكب، وحفظناها- بقدرتنا ورعايتنا- من كل شيطان متجرد من الخير، فإن هذا الشيطان وأمثاله كلما حاولوا الاستماع إلى الملائكة في السماء، لم نمكنهم من ذلك، بل قذفناهم ورجمناهم بالشهب والنيران من كل جانب من جوانب السماء، من أجل أن ندمرهم ونطردهم ونبعدهم عنها، ولهم منا- فوق كل ذلك- عذاب دائم ثابت لا نهاية له.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
( دحورا ) أي : رجما يدحرون به ويزجرون ، ويمنعون من الوصول إلى ذلك ، ( ولهم عذاب واصب ) أي : في الدار الآخرة لهم عذاب دائم موجع مستمر ، كما قال : ( وأعتدنا لهم عذاب السعير ) [ الملك : 5 ] .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
دحورا مصدر لأن معنى يقذفون : يدحرون . دحرته دحرا ودحورا أي : طردته . وقرأ السلمي ويعقوب الحضرمي " دحورا " بفتح الدال يكون مصدرا على فعول . وأما الفراء فإنه قدره على أنه اسم الفاعل . أي : ويقذفون بما يدحرهم أي : بدحور ، ثم حذف الباء ، والكوفيون يستعملون هذا كثيرا كما أنشدوا :تمرون الديار ولم تعوجواواختلف هل كان هذا القذف قبل المبعث ، أو بعده لأجل المبعث ، على قولين . وجاءت الأحاديث بذلك على ما يأتي من ذكرها في سورة [ الجن ] عن ابن عباس . وقد يمكن الجمع بينهما أن يقال : إن الذين قالوا : لم تكن الشياطين ترمى بالنجوم قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم رميت ، أي : لم تكن ترمى رميا يقطعها عن السمع ، ولكنها كانت ترمى وقتا ولا ترمى وقتا ، وترمى من جانب ولا ترمى من جانب . ولعل الإشارة بقوله تعالى : ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب إلى هذا المعنى ، وهو أنهم كانوا لا يقذفون إلا من بعض الجوانب فصاروا يرمون واصبا ، وإنما كانوا من قبل كالمتجسسة من الإنس ، يبلغ الواحد منهم حاجته ولا يبلغها غيره ، ويسلم واحد ولا يسلم غيره ، بل يقبض عليه ويعاقب وينكل . فلما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - زيد في حفظ السماء ، وأعدت لهم شهب لم تكن من قبل ، ليدحروا عن جميع جوانب السماء ، ولا يقروا في مقعد من المقاعد التي كانت لهم منها ، فصاروا لا يقدرون على سماع شيء مما يجري فيها ،إلا أن يختطف أحد منهم بخفة حركته خطفة ، فيتبعه شهاب ثاقب قبل أن ينزل إلى الأرض فيلقيها إلى إخوانه فيحرقه ، فبطلت من ذلك الكهانة وحصلت الرسالة والنبوة . فإن قيل : إن هذا القذف إن كان لأجل النبوة فلم دام بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ فالجواب : أنه دام بدوام النبوة ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر ببطلان الكهانة فقال : ليس منا من تكهن فلو لم تحرس بعد موته لعادت الجن إلى تسمعها ، وعادت الكهانة . ولا يجوز ذلك بعد أن بطل ، ولأن قطع الحراسة عن السماء إذا وقع لأجل النبوة فعادت الكهانة دخلت الشبهة على ضعفاء المسلمين ، ولم يؤمن أن يظنوا أن الكهانة إنما عادت لتناهي النبوة ، فصح أن الحكمة تقضي دوام الحراسة في حياة النبي - عليه السلام - ، وبعد أن توفاه الله إلى كرامته صلى الله عليه وعلى آله . ولهم عذاب واصب أي دائم ، عن مجاهد وقتادة . وقال ابن عباس : شديد . الكلبي والسدي وأبو صالح : موجع ، أي : الذي يصل وجعه إلى القلب ، مأخوذ من الوصب وهو المرض
﴿ تفسير الطبري ﴾
وقوله (دُحُورًا) قال: مطرودين.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا) قال: الشياطين يدحرون بها عن الاستماع، وقرأ وقال: ( إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب ثاقب ) .وقوله ( وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ) يقول تعالى ذكره: ولهذه الشياطين المسترِقة السمع عذاب من الله واصب.واختلف أهل التأويل في معنى الواصب، فقال بعضهم: معناه: الموجع.* ذكر من قال ذلك:حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح (ولهم عذاب واصب) قال: موجع.وحدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط ، عن السديّ، في قوله ( عَذَابٌ وَاصِبٌ ) قال: الموجع.وقال آخرون: بل معناه: الدائم.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة ( وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ) : أي دائم.حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( عَذَابٌ وَاصِبٌ ) قال: دائم.حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ) يقول: لهم عذاب دائم.حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عمن ذكره، عن عكرمة ( وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ) قال: دائم.حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ) قال: الواصب: الدائب.وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويل من قال: معناه: دائم خالص، وذلك أن الله قال وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا فمعلوم أنه لم يصفه بالإيلام والإيجاع، وإنما وصفه بالثبات والخلوص; ومنه قول أبي الأسود الدؤلي:لا أشتري الحمد القليل بقاؤهيؤما بذم الدهر أجمع واصبا (2)أي دائما.