ونادى هؤلاء المجرمون بعد أن أدخلهم الله جهنم "مالكًا" خازن جهنم: يا مالك لِيُمِتنا ربك، فنستريح ممَّا نحن فيه، فأجابهم مالكٌ: إنكم ماكثون، لا خروج لكم منها، ولا محيد لكم عنها، لقد جئناكم بالحق ووضحناه لكم، ولكن أكثركم لما جاء به الرسل من الحق كارهون.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«ونادوا يا مالك» هو خازن النار «ليقض علينا ربك» ليمتنا «قال» بعد ألف سنة «إنكم ماكثون» مقيمون في العذاب دائماً.
﴿ تفسير السعدي ﴾
وَنَادَوْا وهم في النار، لعلهم يحصل لهم استراحة، يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ أي: ليمتنا فنستريح، فإننا في غم شديد، وعذاب غليظ، لا صبر لنا عليه ولا جلد. ف قَالَ لهم مالك خازن النار -حين طلبوا منه أن يدعو اللّه لهم أن يقضي عليهم-: إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ أي: مقيمون فيها، لا تخرجون عنها أبدا، فلم يحصل لهم ما قصدوه، بل أجابهم بنقيض قصدهم، وزادهم غما إلى غمهم.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( ونادوا يا مالك ) . يدعون خازن النار ( ليقض علينا ربك ) ليمتنا ربك فنستريح فيجيبهم مالك بعد ألف سنة ( قال إنكم ماكثون ) مقيمون في العذاب .أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أخبرنا محمد بن أحمد بن الحارث ، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أخبرنا عبد الله بن محمود ، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة يذكره عن أبي أيوب ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال [ النبي - صلى الله عليه وسلم - ] : " إن أهل النار يدعون مالكا فلا يجيبهم أربعين عاما ، ثم يرد عليهم إنكم ماكثون ، قال : هانت - والله - دعوتهم على مالك وعلى رب مالك ، ثم يدعون ربهم فيقولون : ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ، قال : فيسكت عنهم قدر الدنيا مرتين ، ثم يرد عليهم : اخسئوا فيها ولا تكلمون ، قال : فوالله ما نبس القوم بعدها بكلمة ، وما هو إلا الزفير والشهيق في نار جهنم ، فشبه أصواتهم بأصوات الحمير ، أولها زفير وآخرها شهيق .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم حكى- سبحانه- بعض أقوالهم بعد نزول العذاب بهم فقال: وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ.والمراد بذلك سؤال مالك خازن النار، واللام في قوله لِيَقْضِ لام الدعاء.أى: وبعد أن طال العذاب على هؤلاء الكافرين، نادوا في ذلة واستجداء قائلين لخازن النار: يا مالك ادع لنا ربك كي يقضى علينا، بأن يميتنا حتى نستريح من هذا العذاب.فالمراد بالقضاء هنا: الإهلاك والإماتة، ومنه قوله- تعالى-: فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ.. أى: فأهلكه.وفي هذا النداء ما فيه من الكرب والضيق، حتى إنهم ليتمنون الموت لكي يستريحوا مما هم فيه من عذاب.وهنا يجيئهم الرد بما يزيدهم غما على غمهم، وهو قوله- تعالى-: قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ أى: قال مالك في الرد عليهم: إنكم ماكثون فيها بدون موت يريحكم من عذابها، وبدون حياة تجدون معها الراحة والأمان.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
( ونادوا يامالك ) وهو : خازن النار .قال البخاري : حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن عطاء ، عن صفوان بن يعلى ، عن أبيه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ على المنبر : ( ونادوا يامالك ليقض علينا ربك ) أي : ليقبض أرواحنا فيريحنا مما نحن فيه ، فإنهم كما قال تعالى : ( لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها ) [ فاطر : 36 ] . وقال : ( ويتجنبها الأشقى . الذي يصلى النار الكبرى . ثم لا يموت فيها ولا يحيى ) [ الأعلى : 11 - 13 ] ، فلما سألوا أن يموتوا أجابهم مالك ، ( قال إنكم ماكثون ) : قال ابن عباس : مكث ألف سنة ، ثم قال : إنكم ماكثون . رواه ابن أبي حاتم .أي : لا خروج لكم منها ولا محيد لكم عنها .ثم ذكر سبب شقوتهم وهو مخالفتهم للحق ومعاندتهم له فقال :
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : ونادوا يامالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون .قوله تعالى : ونادوا يامالك وهو خازن جهنم ، خلقه لغضبه ، إذا زجر النار زجرة أكل بعضها بعضا . وقرأ علي وابن مسعود - رضي الله عنهما ( ونادوا يا مال ) وذلك خلاف المصحف . وقال أبو الدرداء وابن مسعود : قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - ونادوا يا مال باللام خاصة ، يعني رخم الاسم وحذف الكاف . والترخيم الحذف ، ومنه ترخيم الاسم في النداء ، وهو أن يحذف من آخره حرف أو أكثر ، فتقول في مالك : يا مال ، وفي حارث : يا حار ، وفي فاطمة : يا فاطم ، وفي عائشة يا عائش وفي مروان : يا مرو ، وهكذا . قال :يا حار لا أرمين منكم بداهية لم يلقها سوقة قبلي ولا ملكوقال امرؤ القيس :أحار ترى برقا أريك وميضه كلمع اليدين في حبي مكللوقال أيضا :أفاطم مهلا بعض هذا التدلل وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجمليوقال آخر :يا مرو إن مطيتي محبوسة ترجو الحباء وربها لم ييأسوفي صحيح الحديث ( أي فل هلم ) . ولك في آخر الاسم المرخم وجهان : أحدهما : أن تبقيه على ما كان عليه قبل الحذف . والآخر : أن تبنيه على الضم ، مثل : يا زيد ، كأنك أنزلته منزلته ولم تراع المحذوف . وذكر أبو بكر الأنباري قال : حدثنا محمد بن يحيى المروزي قال حدثنا محمد - وهو ابن سعدان - قال حدثنا حجاج عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن مجاهد قال : كنا لا ندري ما الزخرف حتى وجدناه في قراءة عبد الله " بيت من ذهب " ، وكنا لا ندري ، ( ونادوا يا مالك ) أو يا ملك ( بفتح اللام وكسرها ) حتى وجدناه في قراءة عبد الله ( ونادوا يا مال ) على الترخيم . قال أبو بكر : لا يعمل على هذا الحديث لأنه مقطوع لا يقبل مثله في الرواية عن الرسول - عليه السلام - ، وكتاب الله أحق بأن يحتاط له وينفى عنه الباطل .قلت : وفي صحيح البخاري عن صفوان بن يعلى عن أبيه قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ على المنبر : ونادوا يامالك ليقض علينا ربك بإثبات الكاف . وقال محمد بن كعب القرظي : بلغني - أو ذكر لي - أن أهل النار استغاثوا بالخزنة فقال الله تعالى : وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب فسألوا يوما واحدا يخفف عنهم فيه العذاب ، فردت عليهم : أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال قال : فلما يئسوا مما عند الخزنة نادوا مالكا ، وهو عليهم وله مجلس في وسطها ، وجسور تمر عليها ملائكة العذاب ، فهو يرى أقصاها كما يرى أدناها فقالوا : يامالك ليقض علينا ربك سألوا الموت ، قال : فسكت عنهم لا يجيبهم ثمانين سنة ، قال : والسنة ستون وثلاثمائة يوم ، والشهر ثلاثون يوما ، واليوم كألف سنة مما تعدون ، ثم لحظ إليهم بعد الثمانين فقال : ( إنكم ماكثون ) وذكر الحديث ، ذكره ابن المبارك . وفي حديث أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : فيقولون ادعوا مالكا فيقولون ( يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون ) . قال الأعمش : نبئت أن بين دعائهم وبين إجابة مالك إياهم ألف عام ، خرجه الترمذي . وقال ابن عباس : يقولون ذلك فلا يجيبهم ألف سنة ، ثم يقول إنكم ماكثون . وقال مجاهد ونوف البكالي : بين ندائهم وإجابته إياهم مائة سنة . وقال عبد الله بن عمرو : أربعون سنة ، ذكره ابن المبارك .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77)يقول تعالى ذكره: ونادى هؤلاء المجرمون بعد ما أدخلهم الله جهنم, فنالهم فيها من البلاء ما نالهم, مالكا خازن جهنم ( يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ) قال: ليمتنا ربك, فيفرغ من إماتتنا, فذكر أن مالكا لا يجيبهم في وقت قيلهم له ذلك, ويدعهم ألف عام بعد ذلك, ثم يجيبهم, فيقول لهم: ( إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ).* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن عطاء بن السائب, عن أبي الحسن, عن ابن عباس ( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ) فأجابهم بعد ألف سنة ( إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ).حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن عطاء بن السائب, عن رجل من جيرانه يقال له الحسن, عن نوف في قوله: ( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ) قال: يتركهم مئة سنة مما تعدون, ثم يناديهم فيقول: يا أهل النار إنكم ماكثون.حدثنا محمد بن بشار, قال: ثنا ابن أبي عدي, عن سعيد, عن قتادة, عن عبد الله بن عمرو, قال: ( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ) قال: فخلى عنهم أربعين عاما لا يجيبهم, ثم أجابهم: ( إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ) : قالوا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ فخلى عنهم مثلي الدنيا, ثم أجابهم: اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ قال: فوالله ما نبس القوم بعد الكلمة, إن كان إلا الزفيرُ والشهيق.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, عن أبي أيوب الأزدي, عن عبد الله بن عمرو, قال: إن أهل جهنم يدعون مالكا أربعين عاما فلا يجيبهم, ثم يقول: ( إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ), ثم ينادون ربهم رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ فيدعهم أو يخلي عنهم مثل الدنيا, ثم يردّ عليهم اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ قال: فما نبس القوم بعد ذلك بكلمة إن كان إلا الزفير والشهيق في نار جهنم.حدثنا ابن حميد, قال: ثنا حكام, عن عمرو, عن عطاء, عن الحسن, عن نوف ( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ) قال: يتركهم مئة سنة مما تعدّون, ثم ناداهم فاستجابوا له, فقال: إنكم ماكثون.حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط عن السديّ, في قوله: ( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ) قال: مالك خازن النار, قال: فمكثوا ألف سنة مما تعدون, قال: فأجابهم بعد ألف عام: إنكم ماكثون.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قول الله تعالى ذكره: ( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ) قال: يميتنا, القضاء ههنا الموت, فأجابهم ( إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ).