ويقال للذين جحدوا أن الله هو الإله الحق وكفروا به عند إدخالهم النار: لا تلتمسوا المعاذير في هذا اليوم؛ إنما تعطون جزاء الذي كنتم تعملونه في الدنيا.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم» يقال لهم ذلك عند دخولهم النار، أي لأنه لا ينفعكم «إنما تجزون ما كنتم تعملون» أي جزاءه.
﴿ تفسير السعدي ﴾
أي: يوبخ أهل النار يوم القيامة بهذا التوبيخ فيقال لهم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ [أي:] فإنه ذهب وقت الاعتذار، وزال نفعه، فلم يبق الآن إلا الجزاء على الأعمال، وأنتم لم تقدموا إلا الكفر بالله، والتكذيب بآياته، ومحاربة رسله وأوليائه.
﴿ تفسير البغوي ﴾
"يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون".
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم بين- سبحانه- ما تقوله الملائكة لأهل النار عند ما يعرضون عليها فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ والمراد باليوم، يوم القيامة فأل فيه للعهد.أى: تقول الملائكة لهم في هذا اليوم العسير على سبيل التبكيت والتوبيخ- لا تعتذروا- أيها الكافرون عن كفركم، بأن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير أو بأن غيرنا أضلنا، أو بأننا ما كنا مشركين ... فإن هذه الأعذار لن تنفعكم، وأنتم في هذا اليوم إنما تعاقبون على كفركم في الدنيا، وعلى إصراركم على ذلك حتى أدرككم الموت.فالآية الكريمة توبيخ للكافرين، وتيئيس لهم من قبول أعذارهم الكاذبة.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
قال سفيان الثوري ، عن منصور ، عن رجل ، عن علي رضي الله عنه ، في قوله تعالى : ( قوا أنفسكم وأهليكم نارا ) يقول : أدبوهم ، علموهم .وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( قوا أنفسكم وأهليكم نارا ) يقول : اعملوا بطاعة الله ، واتقوا معاصي الله ، ومروا أهليكم بالذكر ، ينجيكم الله من النار .وقال مجاهد : ( قوا أنفسكم وأهليكم نارا ) قال : اتقوا الله ، وأوصوا أهليكم بتقوى الله . .وقال قتادة : يأمرهم بطاعة الله ، وينهاهم عن معصية الله ، وأن يقوم عليهم بأمر الله ، ويأمرهم به ويساعدهم عليه ، فإذا رأيت لله معصية ، قدعتهم عنها ، وزجرتهم عنها .وهكذا قال الضحاك ، ومقاتل : حق على المسلم أن يعلم أهله من قرابته ، وإمائه ، وعبيده ما فرض الله عليهم ، وما نهاهم الله عنه .وفي معنى هذه الآية الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، من حديث عبد الملك بن الربيع بن سبرة ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين ، فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها " .هذا لفظ أبي داود ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن .وروى أبو داود من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك .قال الفقهاء : وهكذا في الصوم ; ليكون ذلك تمرينا له على العبادة ، لكي يبلغ وهو مستمر على العبادة ، والطاعة ، ومجانبة المعصية ، وترك المنكر ، والله الموفق .وقوله : ( وقودها الناس والحجارة ) ( وقودها ) أي : حطبها الذي يلقى فيها جثث بني آدم . ( والحجارة ) قيل : المراد بذلك الأصنام التي كانت تعبد لقوله : ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ) [ الأنبياء : 98 ] .وقال ابن مسعود ، ومجاهد ، وأبو جعفر الباقر ، والسدي : هي حجارة من كبريت - زاد مجاهد : أنتن من الجيفة .وروى ذلك ابن أبي حاتم رحمه الله ، ثم قال : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الرحمن بن سنان المنقري ، حدثنا عبد العزيز - يعني ابن أبي راود - قال : بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلا هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة ) وعنده بعض أصحابه ، وفيهم شيخ ، فقال الشيخ : يا رسول الله ، حجارة جهنم كحجارة الدنيا ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " والذي نفسي بيده ، لصخرة من صخر جهنم أعظم من جبال الدنيا كلها " . قال : فوقع الشيخ مغشيا عليه ، فوضع النبي - صلى الله عليه وسلم - يده على فؤاده فإذا هو حي فناداه قال : " يا شيخ " ، قل : " لا إله إلا الله " . فقالها ، فبشره بالجنة ، قال : فقال أصحابه : يا رسول الله ، أمن بيننا ؟ قال : " نعم ، يقول الله تعالى : ( ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ) [ إبراهيم : 14 ] هذا حديث مرسل غريب .وقوله : ( عليها ملائكة غلاظ شداد ) أي : طباعهم غليظة ، قد نزعت من قلوبهم الرحمة بالكافرين بالله ، ( شداد ) أي : تركيبهم في غاية الشدة ، والكثافة ، والمنظر المزعج .قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا سلمة بن شبيب ، حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان ، حدثنا أبي ، عن عكرمة أنه قال : إذا وصل أول أهل النار إلى النار ، وجدوا على الباب أربعمائة ألف من خزنة جهنم ، سود وجوههم ، كالحة أنيابهم ، قد نزع الله من قلوبهم الرحمة ، ليس في قلب واحد منهم مثقال ذرة من الرحمة ، لو طير الطير من منكب أحدهم لطار شهرين قبل أن يبلغ منكبه الآخر ، ثم يجدون على الباب التسعة عشر ، عرض صدر أحدهم سبعون خريفا ، ثم يهوون من باب إلى باب خمسمائة سنة ، ثم يجدون على كل باب منها مثل ما وجدوا على الباب الأول ، حتى ينتهوا إلى آخرها .وقوله : ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) أي : مهما أمرهم به تعالى يبادروا إليه ، لا يتأخرون عنه طرفة عين ، وهم قادرون على فعله ليس بهم عجز عنه . وهؤلاء هم الزبانية عياذا بالله منهم . وقوله : ( يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون ) أي : يقال للكفرة يوم القيامة : لا تعتذروا فإنه لا يقبل منكم ، وإنما تجزون اليوم بأعمالكم .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : ياأيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملونقوله تعالى : يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم فإن عذركم لا ينفع . وهذا النهي لتحقيق اليأس .إنما تجزون ما كنتم تعملون في الدنيا . ونظيره : فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون . وقد تقدم .
﴿ تفسير الطبري ﴾
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيله يوم القيامة للذين جحدوا وحدانيته في الدنيا( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا ) الله (لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) يقول: يقال لهم: إنما تثابون اليوم، وذلك يوم القيامة، وتعطون جزاء أعمالكم التي كنتم في الدنيا تعملون، فلا تطلبوا المعاذير منها.
﴿ ياأيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون ﴾