ولما جاء عيسى بني إسرائيل بالبينات الواضحات من الأدلة قال: قد جئتكم بالنبوة، ولأبيِّن لكم بعض الذي تختلفون فيه من أمور الدين، فاتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وأطيعون فيما أمرتكم به من تقوى الله وطاعته.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«ولما جاء عيسى بالبينات» بالمعجزات والشرائع «قال قد جئتكم بالحكمة» بالنبوة وشرائع الإنجيل «ولأبيِّن لكم بعض الذي تختلفون فيه» من أحكام التوراة من أمر الدين وغيره فبيَّن لهم أمر الدين «فاتقوا الله وأطيعون».
﴿ تفسير السعدي ﴾
وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ الدالة على صدق نبوته وصحة ما جاءهم به، من إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، ونحو ذلك من الآيات. قَالَ لبني إسرائيل: قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ النبوة والعلم، بما ينبغي على الوجه الذي ينبغي. وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ أي: أبين لكم صوابه وجوابه، فيزول عنكم بذلك اللبس، فجاء عليه السلام مكملا ومتمما لشريعة موسى عليه السلام، ولأحكام التوراة. وأتى ببعض التسهيلات الموجبة للانقياد له، وقبول ما جاءهم به. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ أي: اعبدوا الله وحده لا شريك له، وامتثلوا أمره، واجتنبوا نهيه، وآمنوا بي وصدقوني وأطيعون.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ) بالنبوة ( ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه ) من أحكام التوراة ، قال قتادة : يعني اختلاف الفرق الذين تحزبوا على أمر عيسى . قال الزجاج : الذي جاء به عيسى في الإنجيل إنما هو بعض الذي اختلفوا فيه ، وبين لهم في غير الإنجيل ما احتاجوا إليه . ( فاتقوا الله وأطيعون ) .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم حكى- سبحانه- ما قاله عيسى- عليه السلام- لقومه، عند ما بعثه الله إليهم فقال: وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ، قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ.والبينات: جمع بينة. وهي صفة لموصوف محذوف، والمراد بها: المعجزات التي أيد الله- تعالى- بها عيسى- عليه السلام-.والمراد بالحكمة: التشريعات والتكاليف والمواعظ التي أرشدهم إليها، عن طريق الكتاب الذي أنزله الله تعالى إليه، وهو الإنجيل.أى: وحين جاء عيسى- عليه السلام- إلى قومه، قال لهم على سبيل النصح والإرشاد:يا قوم لقد جئتكم بالمعجزات البينات الواضحة التي تشهد بصدقى وجئتكم بالإنجيل المشتمل على ما تقتضيه الحكمة الإلهية من آداب وتشريعات ومواعظ.وقوله: وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ متعلق بمحذوف والتقدير:قد جئتكم بالحكمة لأعلمكم إياها، وجئتكم- أيضا- لأبين لكم ولأصحح لكم بعض الأمور التي تختلفون فيها.وقال- سبحانه- وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ولم يقل كل الذي تختلفون فيه، للإشعار بالرحمة بهم، وبالستر عليهم، حيث بين البعض وترك البعض الآخر، لأنه لا ضرورة تدعو إلى بيانه.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: هلا بين لهم كل الذي يختلفون فيه؟ قلت: كانوا يختلفون في الديانات، وما يتعلق بالتكليف، وفيما سوى ذلك مما لم يتعبدوا بمعرفته والسؤال عنه، وإنما بعث ليبين لهم ما اختلفوا فيه مما يعنيهم من أمر دينهم.. .وقوله- تعالى-: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ. إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ.أى: إذا كان الأمر كما ذكرت لكم، فاتقوا الله- تعالى- بأن تصونوا أنفسكم عن كل ما يغضبه، وبأن تطيعوني في كل ما آمركم به أو أنهاكم عنه.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
( ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ) أي : بالنبوة ( ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه )قال ابن جرير : يعني من الأمور الدينية لا الدنيوية . وهذا الذي قاله حسن جيد ، ثم رد قول من زعم أن " بعض " هاهنا بمعنى " كل " ، واستشهد بقول لبيد الشاعر :تراك أمكنة إذا لم أرضها أو يعتلق بعض النفوس حمامهاوأولوه على أنه أراد جميع النفوس . قال ابن جرير : وإنما أراد نفسه فقط ، وعبر بالبعض عنها . وهذا الذي قاله محتمل .وقوله : ( فاتقوا الله ) أي : [ فيما ] أمركم به ، ( وأطيعون ) ، فيما جئتكم به ،
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : ولما جاء عيسى بالبينات قال ابن عباس : يريد إحياء الموتى وإبراء الأسقام ، وخلق الطير ، والمائدة وغيرها ، والإخبار بكثير من الغيوب . وقال قتادة : البينات هنا الإنجيل . ( قال قد جئتكم بالحكمة ) أي النبوة ، قاله السدي . ابن عباس : علم ما يؤدي إلى الجميل ويكف عن القبيح . وقيل الإنجيل ، ذكره القشيري والماوردي . ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه قال مجاهد : من تبديل التوراة . الزجاج : المعنى لأبين لكم في الإنجيل بعض الذي تختلفون فيه من تبديل التوراة . قال مجاهد : وبين لهم في غير الإنجيل ما احتاجوا إليه . وقيل : بين لهم بعض الذي اختلفوا فيه من أحكام التوراة على قدر ما سألوه . ويجوز أن يختلفوا في أشياء غير ذلك لم يسألوه عنها . وقيل : إن بني إسرائيل اختلفوا بعد موت موسى في أشياء من أمر دينهم وأشياء من أمر دنياهم فبين لهم أمر دينهم . ومذهب أبي عبيدة أن البعض بمعنى الكل ، ومنه قوله تعالى : يصبكم بعض الذي يعدكم وأنشد الأخفش قول لبيد :تراك أمكنة إذا لم أرضها أو تعتلق بعض النفوس ما بهاوالموت لا يعتلق بعض النفوس دون بعض . ويقال للمنية : علوق وعلاقة . قال المفضل البكري :وسائلة بثعلبة بن سير وقد علقت بثعلبة العلوقوقال مقاتل : هو كقوله : ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم يعني ما أحل في الإنجيل مما كان محرما في التوراة ، كلحم الإبل والشحم من كل حيوان ، وصيد السمك يوم السبت . ( فاتقوا الله ) أي اتقوا الشرك ولا تعبدوا إلا الله وحده ، وإذا كان هذا قول عيسى فكيف يجوز أن يكون إلها أو ابن إله . ( وأطيعون ) فيما أدعوكم إليه من التوحيد وغيره .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63)يقول تعالى ذكره: ولم جاء عيسى بني إسرائيل بالبينات, يعني بالواضحات من الأدلة. وقيل: عُني بالبيِّنات: الإنجيل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ ) أي بالإنجيل. وقوله: ( قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ ) قيل: عُني بالحكمة في هذا الموضع: النبوّة.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ ) قال: النبوّة.وقد بيَّنت معنى الحكمة فيما مضى من كتابنا هذا بشواهده, وذكرت اختلاف المختلفين في تأويله, فأغنى ذلك عن إعادته.وقوله: ( وَلأبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ) يقول: ولأبين لكم معشر بني إسرائيل بعض الذي تختلفون فيه من أحكام التوراة.كما حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( وَلأبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ) قال: من تبديل التوراة.وقد قيل: معنى البعض في هذا الموضع بمعنى الكلّ, وجعلوا ذلك نظير قول لبيد?تَرَّاكُ أمْكِنَةٍ إذَا لَمْ أرْضَهَاأوْ يَعْتَلِقْ بَعْضَ النُّفوسِ حِمامُها (1)قالوا: الموت لا يعتلق بعض النفوس, وإنما المعنى: أو يعتلق النفوس حمامها, وليس لما قال هذا القائل كبير معنى, لأن عيسى إنما قال لهم: ( وَلأبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ), لأنه قد كان بينهم اختلاف كثير في أسباب دينهم ودنياهم, فقال لهم: أبين لكم بعض ذلك, وهو أمر دينهم دون ما هم فيه مختلفون من أمر دنياهم, فلذلك خص ما أخبرهم أنه يبينه لهم. وأما قول لبيد: " أو يعتلق بعض النفوس ", فإنه إنما قال ذلك أيضا كذلك, لأنه أراد: أو يعتلق نفسه حمامها, فنفسه من بين النفوس لا شكّ أنها بعض لا كل.وقوله: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ) يقول: فاتقوا ربكم أيها الناس بطاعته, وخافوه باجتناب معاصيه, وأطيعون فيما أمرتكم به من اتقاء الله واتباع أمره, وقبول نصيحتي لكم.-------------------الهوامش :(1) البيت للبيد ( مجاز القرآن لأبي عبيدة . الورقة 221 ) أنشده عند قوله تعالى : ( لأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه ) قال : البعض هاهنا : كله . قال لبيد :" تراك ... البيت" . وفي شرح الزوزني للمعلقات السبع ( ص 116 ) يقول : إني تراك أماكن إذا لم أرضها إلا أن يرتبط نفسي حمامها ، فلا يمكنها البراح . وأراد ببعض النفوس هنا : نفسه . هذا أوجه الأقوال وأحسنها . ومن جعل بعض النفوس بمعنى كل النفوس ، فقد أخطأ لأن بعضا لا يفيد العموم والاستيعاب . وتحرير المعنى : إني لا أترك الأماكن أجتويها وأقلبها ، إلا أن أموت . وقال التبريزي في شرح القصائد العشر ، ( ص 160 ) يقول : أترك الأمكنة إذا رأيت فيها ما يكره إلا أن يدركني الموت . وأراد بالنفوس نفسه ، ويعتلق : يحبس . والحمام : الموت . ويقال القدر . وقوله أو يعتلق مجزوم عطفا على قوله : إذا لم أرضها . ا ه .
﴿ ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون ﴾