فأدبر فرعون معرضًا عما أتاه به موسى من الحق، فجمع سحرته، ثم جاء بعد ذلك لموعد الاجتماع.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«فتولى فرعون» أدير «فجمع كيده» أي ذوي كيده من السحرة «ثم أتى» بهم الموعد.
﴿ تفسير السعدي ﴾
فقال موسى: مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وهو عيدهم، الذي يتفرغون فيه ويقطعون شواغلهم، وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى أي: يجمعون كلهم في وقت الضحى، وإنما سأل موسى ذلك، لأن يوم الزينة ووقت الضحى فيه يحصل فيه من كثرة الاجتماع، ورؤية الأشياء على حقائقها، ما لا يحصل في غيره، فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ أي: جميع ما يقدر عليه، مما يكيد به موسى، فأرسل في مدائنه من يحشر السحرة الماهرين في سحرهم، وكان السحر إذ ذاك، متوفرا، وعلمه علما مرغوبا فيه، فجمع خلقا كثيرا من السحرة، ثم أتى كل منهما للموعد، واجتمع الناس للموعد.فكان الجمع حافلا، حضره الرجال والنساء، والملأ، والأشراف، والعوام، والصغار، والكبار، وحضوا الناس على الاجتماع، وقالوا للناس: هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ* لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ
ثم حكى القرآن ما كان من فرعون بعد أن حدد موسى- عليه السلام- موعد المبارزة فقال: فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى.أى: وبعد أن استمع فرعون إلى موسى، انصرف من المجلس، وولى مدبرا فَجَمَعَ كَيْدَهُ.أى: فجمع كبار سحرته من أطراف مملكته ثُمَّ أَتى بهم في الموعد المحدد، ليتحدى موسى- عليه السلام-.وإلى هنا نرى الآيات الكريمة قد حكت لنا بأسلوبها البليغ جانبا من المحاورات التي دارت بين موسى وفرعون، وأرتنا كيف واجه موسى طغيان فرعون وغروره، برباطة جأش، وقوة إرادة، ومضاء عزيمة..ثم انتقلت السورة بعد ذلك إلى الحديث عما دار بين موسى والسحرة من محاورات. انتهت بإيمانهم واعترافهم بالحق الذي جاء به موسى من عند ربه، قال- تعالى-:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
يقول تعالى مخبرا عن فرعون أنه لما تواعد هو بموسى عليه السلام ، إلى وقت ومكان معلومين ، تولى ، أي : شرع في جمع السحرة من مدائن مملكته ، كل من ينسب إلى سحر في ذلك الزمان . وقد كان السحر فيهم كثيرا نافقا جدا ، كما قال تعالى : ( وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم ) [ يونس : 79 ] .( ثم أتى ) أي : اجتمع الناس لميقات يوم معلوم وهو يوم الزينة ، وجلس فرعون على سرير مملكته ، واصطف له أكابر دولته ، ووقفت الرعايا يمنة ويسرة وأقبل موسى ، عليه السلام ، يتوكأ على عصاه ، ومعه أخوه هارون ، ووقف السحرة بين يدي فرعون صفوفا ، وهو يحرضهم ويحثهم ، ويرغبهم في إجادة عملهم في ذلك اليوم ، ويتمنون عليه ، وهو يعدهم ويمنيهم ، فيقولون : ( أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين ) [ الشعراء : 41 ، 42 ] .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : فتولى فرعون فجمع كيده أي حيله وسحره ؛ والمراد جمع السحرة . قال ابن عباس : كانوا اثنين وسبعين ساحرا ، مع كل ساحر منهم حبال وعصي . وقيل : كانوا أربعمائة . وقيل : كانوا اثني عشر ألفا . وقيل : أربعة عشر ألفا . وقال ابن المنكدر : كانوا ثمانين ألفا . وقيل : كانوا مجمعين على رئيس يقال له شمعون . وقيل كان اسمه يوحنا معه اثنا عشر نقيبا ، مع كل نقيب عشرون عريفا ، مع كل عريف ألف ساحر . وقيل كانوا ثلثمائة ألف ساحر من الفيوم ، وثلثمائة ألف ساحر من الصعيد ، وثلثمائة ألف ساحر من الريف ، فصاروا تسعمائة ألف وكان رئيسهم أعمى . ثم أتى أي أتى الميعاد .
﴿ تفسير الطبري ﴾
وقوله ( فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ ) يقول تعالى ذكره: فأدبر فرعون معرضا عما أتاه به من الحقّ( فَجَمَعَ كَيْدَهُ ) يقول: فجمع مكره، وذلك جمعه سحرته بعد أخذه إياهم بتعلمه ( ثُمَّ أَتَى ) يقول: ثم جاء للموعد الذي وعده موسى، وجاء بسحرته.