ثيابهم من القَطِران الشديد الاشتعال، وتلفح وجوههم النار فتحرقها.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«سرابيلهم» قمصهم «من قطران» لأنه أبلغ لاشتعال النار «وتغشى» تعلو «وجوههم النار».
﴿ تفسير السعدي ﴾
سَرَابِيلُهُمْ أي: ثيابهم مِنْ قَطِرَانٍ وذلك لشدة اشتعال النار فيهم وحرارتها ونتن ريحها، وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ التي هي أشرف ما في أبدانهم النَّارَ أي: تحيط بها وتصلاها من كل جانب، وغير الوجوه من باب أولى وأحرى، وليس هذا ظلما من الله لهم وإنما هو جزاء لما قدموا وكسبوا
﴿ تفسير البغوي ﴾
( سرابيلهم ) أي : قمصهم ، واحدها سربال . ( من قطران ) هو الذي تهنأ به الإبل .وقرأ عكرمة ، ويعقوب " من قطر آن " على كلمتين منونتين والقطر : النحاس ، والصفر المذاب ، والآن : الذي انتهى حره ، قال الله تعالى : ( يطوفون بينها وبين حميم آن ) ( الرحمن - 44 ) .( وتغشى وجوههم النار ) أي : تعلو .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
والسرابيل: جمع سربال وهو القميص.والقطران: مادة حارة نتنة شديدة الاشتعال تصلى بها جلود الإبل الجربى، ليزول الجرب منها. أى: وترى- أيها العاقل- المجرمين في هذا اليوم العسير عليهم «مقرنين في الأصفاد» أى: قد قرن بعضهم مع بعض، وضم كل قرين إلى من يشبهه في الكفر وفي الفسوق وفي العصيان، وقد قيدوا جميعا بالأصفاد والقيود والأغلال.قال- تعالى- احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ...أى: وأمثالهم من العصاة، فعابد الصنم يكون مع عابد الصنم، وشارب الخمر مع شارب الخمر. ويصح أن يكون اقترانهم مع الشياطين كما قال- تعالى- فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا.هذا عن مشهد المجرمين وهم مقرنون في الأصفاد، وهو مشهد مهين مذل ولكنه ليس كافيا في عقابهم، بل يضاف إليه أن ملابسهم من قطران، ليجتمع لهم لذعته، وقبح لونه، ونتن ريحه، وسرعة اشتعاله، وفوق كل ذلك فإن وجوههم تعلوها وتحيط بها النار التي تستعر بأجسادهم المسربلة بالقطران.وخص- سبحانه الوجوه بغشيان النار لها، لكونها أعز موضع في البدن وأشرفه.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( سرابيلهم من قطران ) أي : ثيابهم التي يلبسونها عليهم من قطران ، وهو الذي تهنأ به الإبل ، أي : تطلى ، قاله قتادة . وهو ألصق شيء بالنار .ويقال فيه : " قطران " بفتح القاف وكسر الطاء ، وبفتح القاف وتسكين الطاء ، وبكسر القاف وتسكين الطاء ، ومنه قول أبي النجم .كأن قطرانا إذا تلاها ترمي به الريح إلى مجراهاوكان ابن عباس يقول : القطران هو : النحاس المذاب ، وربما قرأها : " سرابيلهم من قطران " أي : من نحاس حار قد انتهى حره . وكذا روي عن مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وقتادة .وقوله : ( وتغشى وجوههم النار ) كقوله : ( تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون ) [ المؤمنون : 104 ] .وقال الإمام أحمد - رحمه الله - : حدثنا يحيى بن إسحاق ، أنبأنا أبان بن يزيد ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن زيد ، عن أبي سلام ، عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أربع من أمر الجاهلية لا يتركن : الفخر بالأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة ، والنائحة إذا لم تتب قبل موتها ، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ، ودرع من جرب " . انفرد بإخراجه مسلم .وفي حديث القاسم ، عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " النائحة إذا لم تتب ، توقف في طريق بين الجنة والنار ، وسرابيلها من قطران ، وتغشى وجهها النار " .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
سرابيلهم من قطران أي قمصهم ، عن ابن دريد وغيره ، واحدها سربال ، والفعل تسربلت وسربلت غيري ; قال كعب بن مالك :تلقاكم عصب حول النبي لهم من نسج داود في الهيجا سرابيلمن قطران يعني قطران الإبل الذي تهنأ به ; قاله الحسن . وذلك أبلغ لاشتعال النار فيهم . وفي الصحيح : أن النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب . وروي عن حماد أنهم قالوا : هو النحاس . وقرأ عيسى بن عمر : " قطران " بفتح القاف وتسكين الطاء . وفيه قراءة ثالثة : كسر القاف وجزم الطاء ; ومنه قول أبي النجم :جون كأن العرق المنتوحا لبسه القطران والمسوحاوقراءة رابعة : " من قطران " رويت عن ابن عباس وأبي هريرة وعكرمة وسعيد بن جبير ويعقوب ; والقطر النحاس والصفر المذاب ; ومنه قوله تعالى : آتوني أفرغ عليه قطرا . والآن : الذي قد انتهى إلى حره ; ومنه قوله تعالى : وبين حميم آن .وتغشى وجوههم النار أي تضرب وجوههم النار فتغشيها .
﴿ تفسير الطبري ﴾
يقول تعالى ذكره: وتعاين الذين كفروا بالله ، فاجترموا في الدنيا الشرك يومئذ ، يعني: يوم تُبدّل الأرض غير الأرض والسماوات.( مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ ) يقول: مقرنة أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأصفاد ، وهي الوثاق من غلّ وسلسلة ، واحدها: صَفَد ، يقال منه: صفدته في الصَّفَد صَفْدا وصِفادا ، والصفاد: القيد ، ومنه قول عمرو بن كلثوم:فَآبُوا بالنِّهابِ وبالسَّباياوأُبْنا بالمُلُوكِ مُصَفَّدِينا (19)ومن جعل الواحد من ذلك صِفادا جمعه: صُفُدا لا أصفادا ، وأما من العطاء ، فإنه يقال منه: أصفدتُهُ إصفادا ، كما قال الأعشى:تَضَيَّفْتُهُ يَوْما فأكْرَمَ مَجْلِسِيوأصْفَدَنِي عِنْدَ الزَّمانَةِ قائِدَا (20)وقد قيل في العطاء أيضا: صَفَدَني صَفْدا ، كما قال النابغة الذبياني:هَذَا الثَّناءُ فإنْ تَسْمَعْ لِقَائِلِهِفَمَا عَرَضْتُ أبَيْتَ اللَّعْنَ بالصَّفَدِ (21)وبنحو الذي قلنا في معنى قوله ( مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ ) قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني المثنى ، قال : ثني عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله ( مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ ) يقول: في وثاق.حدثني محمد بن عيسى الدامغاني ، قال : ثنا ابن المبارك ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : الأصفاد: السلاسلحدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ ) قال: مقرّنين في القيود والأغلال.حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا عليّ بن هاشم بن البريد ، قال : سمعت الأعمش ، يقول: الصفد: القيد.حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ ) قال: صفدت فيها أيديهم وأرجلهم ورقابهم ، والأصفاد: الأغلال.وقوله ( سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ ) يقول: قمصهم التي يلبسونها ، واحدها: سربال ، كما قال امرؤ القيس:لَعُوبٌ تُنَسِّيني إذَا قُمْتُ سرْبالي (22)------------------------الهوامش :(19) البيت لعمرو بن كلثوم في معلقته . وآبوا : رجعوا . والنهاب : جمع نهب . والمصفدون : المغللون بالأصفاد ، الواحد : صفد ، وهو الغل . يقول : ظفرنا بهم ، فلم نلتفت إلى أسلابهم ، ولا أموالهم ، وعمدنا إلى ملوكهم ، فصفدناهم في الحديد . وفي ( اللسان : صفه ) : الصفاد : حبل يوثق به أو غل . وهو الصفد ، والصفد ( بتسكين الفاء وتحريكها ) . والجمع : الأصفاد . قال ابن سيده : لا نعمله كسر على غير ذلك . وفي التنزيل " مقرنين في الأصفاد " . قيل : هي الأغلال . وقيل : القيود . واحدها صفد . وانظر شرح المعلقات السبع للزوزني ، وشرح القصائد العشر للتبريزي .(20) البيت للأعشى ( اللسان : صفد ، وديوان الأعشى طبع القاهرة ص 65 ) من قصيدة يمدح بها هوذة بن علي الحنفي ، ويذم الحارث بن وعلة بن مجالد الرقاشي . وتضيفته : نزلت عنده ضيفا ، وأصفدني : أعطاني ، من الصفد بمعنى العطية هنا . يقول : لما زرت هوذة في " جو " أكرم وفادتي عليه ، وقربني من مجلسه ، وأعطاني قائدا يقودني لما رأى من آثار الضعف والكلال وسوء البصر ، ورواية الديوان : " على " في موضع " عند " .(21) هذا البيت للنابغة الذيباني ( مختار الشعر الجاهلي بشرح مصطفى السقا طبعة الحلبي ص 155 ) . والصفد هنا : بمعنى العطاء كالذي قبله . وفي الشطر الثاني منه : فلم أعرض ، في مكان : فما عرضت .(22) هذا عجز بيت لامرئ القيس بن حجر من لاميته المطولة ( 54 بيتا ) ، وصدره " ومثلك بيضاء العوارض طفلة " ( انظر مختار الشعر الجاهلي ، بشرح مصطفى السقا طبعة الحلبي ص 37 ) . وهذا البيت ساقط من نسخة الديوان بشرح الوزير أبي بكر عاصم بن أيوب البطليوسي ، وثابت في نسخة الأعلم الشنتمري ، وفيما نقله البغدادي في خزانة الأدب الكبرى من أبيات القصيدة ( ج 1 : 197 ) أورده بعد قول امرئ القيس : " وأمنع عرسي أن يزن بها الخالي " . والواو في البيت : واو رب . والخطاب لبسباسة . والعارض والعارضة صفحة الخد وصفحة العنق ، وجانب الوجه ، وما يستقبلك من الشيء ، ومن الوجه ما يبدو عن الضحك ، والطفلة ( بالفتح ) : الناعمة البدن . واللعوب : الحسنة الدل . والسربال : القميص ، يريد : تذهب بفؤادي ، حتى أنسى قميصي ، والشاهد فيه عند الطبري ، أن السربال : هو القميص عند العرب .