ومن تمام نعمة الله عليكم اليوم -أيها المؤمنون- أن أَحَلَّ لكم الحلال الطيب، وذبائحُ اليهود والنصارى -إن ذكَّوها حَسَبَ شرعهم- حلال لكم وذبائحكم حلال لهم. وأَحَلَّ لكم -أيها المؤمنون- نكاح المحصنات، وهُنَّ الحرائر من النساء المؤمنات، العفيفات عن الزنى، وكذلك نكاحَ الحرائر العفيفات من اليهود والنصارى إذا أعطيتموهُنَّ مهورهن، وكنتم أعِفَّاء غير مرتكبين للزنى، ولا متخذي عشيقات، وأمِنتم من التأثر بدينهن. ومن يجحد شرائع الإيمان فقد بطل عمله، وهو يوم القيامة من الخاسرين.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«اليوم أحل لكم الطيبات» المستلذات «وطعام الذين أوتوا الكتاب» أي ذبائح اليهود والنصارى «حلٌ» حلال «لكم وطعامكم» إياهم «حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات» الحرائر «من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم» حل لكم أن تنكحوهن «إذا آتيتموهنَّ أجورهنَّ» مهورهنَّ «محصنين» متزوجين «غير مسافحين» معلنين بالزنا بهن «ولا متخذي أخدان» منهن تسرون بالزنا بهن «ومن يكفر بالإيمان» أي يرتد «فقد حبط عمله» الصالح قبل ذلك فلا يعتد به ولا يثاب عليه «وهو في الآخرة من الخاسرين» إذا مات عليه.
﴿ تفسير السعدي ﴾
كرر تعالى إحلال الطيبات لبيان الامتنان، ودعوة للعباد إلى شكره والإكثار من ذكره، حيث أباح لهم ما تدعوهم الحاجة إليه، ويحصل لهم الانتفاع به من الطيبات. وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ ْ أي: ذبائح اليهود والنصارى حلال لكم -يا معشر المسلمين- دون باقي الكفار، فإن ذبائحهم لا تحل للمسلمين، وذلك لأن أهل الكتاب ينتسبون إلى الأنبياء والكتب. وقد اتفق الرسل كلهم على تحريم الذبح لغير الله، لأنه شرك، فاليهود والنصارى يتدينون بتحريم الذبح لغير الله، فلذلك أبيحت ذبائحهم دون غيرهم. والدليل على أن المراد بطعامهم ذبائحهم، أن الطعام الذي ليس من الذبائح كالحبوب والثمار ليس لأهل الكتاب فيه خصوصية، بل يباح ذلك ولو كان من طعام غيرهم. وأيضا فإنه أضاف الطعام إليهم. فدل ذلك، على أنه كان طعاما، بسبب ذبحهم. ولا يقال: إن ذلك للتمليك، وأن المراد: الطعام الذي يملكون. لأن هذا، لا يباح على وجه الغصب، ولا من المسلمين. وَطَعَامُكُمْ ْ أيها المسلمون حِلٌّ لَّهُمْ ْ أي: يحل لكم أن تطعموهم إياه وَ ْ أحل لكم الْمُحْصَنَاتِ ْ أي: الحرائر العفيفات مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ ْ والحرائر العفيفات مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ ْ أي: من اليهود والنصارى. وهذا مخصص لقوله تعالى وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ْ ومفهوم الآية، أن الأرقاء من المؤمنات لا يباح نكاحهن للأحرار, وهو كذلك. وأما الكتابيات فعلى كل حال لا يبحن، ولا يجوز نكاحهن للأحرار مطلقا، لقوله تعالى: مِن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ْ وأما المسلمات إذا كن رقيقات فإنه لا يجوز للأحرار نكاحهن إلا بشرطين، عدم الطول وخوف العنت. وأما الفاجرات غير العفيفات عن الزنا فلا يباح نكاحهن، سواء كن مسلمات أو كتابيات، حتى يتبن لقوله تعالى: الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ْ الآية. وقوله: إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ْ أي: أبحنا لكم نكاحهن، إذا أعطيتموهن مهورهن، فمن عزم على أن لا يؤتيها مهرها فإنها لا تحل له. وأمر بإيتائها إذا كانت رشيدة تصلح للإيتاء، وإلا أعطاه الزوج لوليها. وإضافة الأجور إليهن دليل على أن المرأة تملك جميع مهرها، وليس لأحد منه شيء، إلا ما سمحت به لزوجها أو وليها أو غيرهما. مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ْ أي: حالة كونكم -أيها الأزواج- محصنين لنسائكم، بسبب حفظكم لفروجكم عن غيرهن. غَيْرَ مُسَافِحِينَ ْ أي: زانين مع كل أحد وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ْ وهو: الزنا مع العشيقات، لأن الزناة في الجاهلية، منهم من يزني مع من كان، فهذا المسافح. ومنهم من يزني مع خدنه ومحبه. فأخبر الله تعالى أن ذلك كله ينافي العفة، وأن شرط التزوج أن يكون الرجل عفيفا عن الزنا. وقوله تعالى: وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ْ أي: ومن كفر بالله تعالى، وما يجب الإيمان به من كتبه ورسله أو شيء من الشرائع، فقد حبط عمله، بشرط أن يموت على كفره، كما قال تعالى: وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ْ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ْ أي: الذين خسروا أنفسهم وأموالهم وأهليهم يوم القيامة، وحصلوا على الشقاوة الأبدية.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله عز وجل : ( اليوم أحل لكم الطيبات ) يعني : الذبائح على اسم الله عز وجل ، ( وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ) يريد : ذبائح اليهود والنصارى ومن دخل في دينهم من سائر الأمم قبل مبعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم حلال لكم ، فأما من دخل في دينهم بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم فلا تحل ذبيحته ، ولو ذبح يهودي أو نصراني على اسم غير الله كالنصراني يذبح باسم المسيح فاختلفوا فيه ، قال عمر لا يحل ، وهو قول ربيعة ، وذهب أكثر أهل العلم إلى أنه يحل ، وهو قول الشعبي وعطاء والزهري ومكحول ، سئل الشعبي ومكحول عن النصراني يذبح باسم المسيح ، قالا يحل فإن الله تعالى قد أحل ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون ، وقال الحسن : إذا ذبح اليهودي أو النصراني فذكر اسم غير الله وأنت تسمع فلا تأكله فإذا غاب عنك فكل فقد أحل الله لك .قوله عز وجل : ( وطعامكم حل لهم ) فإن قيل : كيف شرع لهم حل طعامنا وهم كفار ليسوا من أهل الشرع؟ قال الزجاج : معناه حلال لكم أن تطعموهم فيكون خطاب الحل مع المسلمين ، وقيل : لأنه ذكر عقيبه حكم النساء ، ولم يذكر حل المسلمات لهم فكأنه قال حلال لكم أن تطعموهم حرام عليكم أن تزوجوهم .قوله عز وجل : ( والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) هذا راجع إلى الأول منقطع عن قوله : " وطعامكم حل لهم " .اختلفوا في معنى " المحصنات " فذهب أكثر العلماء إلى أن المراد منهن الحرائر ، وأجازوا نكاح كل حرة ، مؤمنة كانت أو كتابية ، فاجرة كانت أو عفيفة ، وهو قول مجاهد ، وقال هؤلاء : لا يجوز للمسلم نكاح الأمة الكتابية لقوله تعالى : " فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات " ( سورة النساء ، 25 ) جوز نكاح الأمة بشرط أن تكون مؤمنة ، وجوز أكثرهم نكاح الأمة الكتابية الحربية ، وقال ابن عباس : لا يجوز وقرأ " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله " إلى قوله " حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " ( التوبة ، 29 ) ، فمن أعطى الجزية حل لنا نساؤه ومن لم يعطها فلا يحل لنا نساؤه .وذهب قوم إلى أن المراد من المحصنات في الآية : العفائف من الفريقين حرائر كن أو إماء وأجازوا نكاح الأمة الكتابية ، وحرموا البغايا من المؤمنات والكتابيات ، وهو قول الحسن ، وقال الشعبي : إحصان الكتابية أن تستعف من الزنا وتغتسل من الجنابة .( إذا آتيتموهن أجورهن ) مهورهن ( محصنين غير مسافحين ) غير معالنين بالزنا ، ( ولا متخذي أخدان ) أي : يسرون بالزنا ، قال الزجاج : حرم الله الجماع على جهة السفاح وعلى جهة اتخاذ الصديقة ، وأحله على جهة الإحصان وهو التزوج .( ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين ) قال مقاتل بن حيان : يقول ليس إحصان المسلمين إياهن بالذي يخرجهن من الكفر أو يغني عنهن شيئا وهي للناس عامة : " ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين " .قال ابن عباس ومجاهد في معنى قوله تعالى : " ومن يكفر بالإيمان " أي : بالله الذي يجب الإيمان به .وقال الكلبي : بالإيمان أي : بكلمة التوحيد وهي شهادة أن لا إله إلا الله .وقال مقاتل : بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن ، وقيل : من يكفر بالإيمان أي : يستحل الحرام ويحرم الحلال فقد حبط عمله ، وهو في الآخرة من الخاسرين قال ابن عباس : خسر الثواب .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ. يصح أن يراد به اليوم الذي نزلت فيه. فإنه يجوز أن تكون هذه الآية وما قبلها من قوله- تعالى- الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ قد نزلت جميعا في يوم واحد وهو يوم عرفة من عام حجة الوداع.ويصح أن يراد به الزمان الحاضر مع ما يتصل به من الماضي والمستقبل. والمراد بالطيبات:ما يستطاب ويشتهى مما أحله الشرع.والمراد بطعام الذين أوتوا الكتاب: ذبائحهم خاصة. وهذا مذهب جمهور العلماء.قالوا: لأن ما سوى الذبائح فهي محللة قبل أن كانت لأهل الكتاب، وبعد أن صارت لهم.فلا يبقى لتخصيصها بأهل الكتاب فائدة. ولأن ما قبل هذه الآية في بيان حكم الصيد والذبائح. فحمل هذه الآية عليه أولى، لأن سائر الطعام لا يختلف من تولاه من كتابي أو غيره.وإنما تختلف الذكاة. فلما خص أهل الكتاب بالذكر، دل على أن المراد بطعامهم ذبائحهم.وقيل المراد بطعام أهل الكتاب هنا: الخبز والحبوب والفاكهة وغير ذلك مما لا يحتاج فيه إلى تذكية. وينسب هذا القول إلى بعض طوائف الشيعة.وقيل المراد به: ما يتناول ذبائحهم وغيرها من الأطعمة. وقد روى هذا القول عن ابن عباس، وأبى الدرداء، وقتادة ومجاهد وغيرهم.والمراد بالذين أوتوا الكتاب: اليهود والنصارى.قال الآلوسى: وحكم الصابئين كحكم أهل الكتاب عند أبى حنيفة. وقال صاحباه الصابئة صنفان: صنف يقرءون الزبور ويعبدون الملائكة وصنف لا يقرءون كتابا ويعبدون النجوم فهؤلاء ليسوا من أهل الكتاب وأما المجوس فقد سن بهم سنة أهل الكتاب في أخذ الجزية منهم دون أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم.وعطاء قالا: فإن الله قد أحل ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون» .والمعنى: إن الله أسبغ عليكم نعمه- أيها المؤمنون- وأكمل لكم دينه، ويسر لكم شرعه، ومن مظاهر ذلك أنه- سبحانه- أحل لكم التمتع بالطيبات، كما أحل لكم أن تأكلوا من ذبائح أهل الكتاب. وأن تطعموهم من طعامكم.قال ابن كثير: وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء، أن ذبائحهم حلال للمسلمين، لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله، ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله، وإن اعتقدوا فيه ما هو منزه عنه- تعالى وتقدس- .وإنما قال: وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ أى يحل لكم ان تطعموهم من طعامكم للتنبيه على أن الحكم مختلف في الذبائح عن المناكحة. فإن إباحة الذبائح حاصلة من الجانبين، بخلاف إباحة المناكحات فإنها في جانب واحد، إذ لا يحل لغير المسلم أن يتزوج بمسلمة، لأنه لو جاز ذلك لكان لأزواجهن الكفار ولاية شرعية عليهن، والله- تعالى- لم يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا شرعيا، بخلاف إباحة الطعام من الجانبين فإنها لا تستلزم محظورا.قال بعض العلماء: والجمهور على حل ذبائح أهل الكتاب إذا أهريق الدم، وقد اتفق الجمهور على حل هذه الذبائح، والخلاف عندهم فيما عدا الذبائح التي ثبت حلها بالنص، وأما غير الذبائح فهو قسمان:القسم الأول: ما لا عمل لهم فيه كالفاكهة والبر وهو حلال بالاتفاق.والقسم الثاني: ما لهم فيه عمل وهو قسمان- أيضا- أحدهما، ما يحتمل دخول النجاسات فيه كاستخراج الزيوت من النباتات أو الحيوانات وهذا قد اختلف فيه الفقهاء. فمنهم من منعه لاحتمال النجاسة، ومن هؤلاء: ابن عباس، لأن احتمال النجاسة ثابت، وهو يمنع الحل.وقد تبع هذا الرأى بعض المالكية، ومن هؤلاء الطرطوسي وقد صنف في تحريم جبن النصارى ويجرى مجرى الجبن الزيت، وعلى هذا الرأى يجرى مجراها السمن الهولاندى وما شابهه. ولكن الجمهور على جواز ذلك مادام لم يثبت أنه اختلط بهذا النوع من الطعام نجاسة، والثاني:المحرم، وهو ما ثبت أنه قد دخله نجاسة بأن دخله أجزاء من الخمر أو الميتة، أو الخنزير، أو غير ذلك من المحرمات» .ثم بين- سبحانه- حكم نكاح نساء أهل الكتاب بعد بيان حكم ذبائحهم فقال:وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ، وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ، إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ.وقوله: وَالْمُحْصَناتُ عطف على الطَّيِّباتُ وهو جمع محصنة.والإحصان يطلق على معان منها: الإسلام. ولا موضع له هنا لأن الكلام في غير المسلمات، ويطلق على التزوج، ولا موضع له هنا- أيضا- لأنه لا يحل تزوج ذات الزوج.ويطلق على العفة وعلى الحرية وهذان المعنيان هما المختاران هنا.فمن الفقهاء من قال: المراد بالمحصنات من أهل الكتاب هنا العفيفات ويكون الوصف للترغيب في طلب العفة، والعمل على اختيار من هذه صفتها.وعلى هذا الرأى يصح الزواج من الكتابيات سواء أكن حرائر أم إماء.ومنهم من قال: المراد بالمحصنات من أهل الكتاب هنا: الحرائر أى أنه لا يحل الزواج بنساء أهل الكتاب إلا إذا كن حرائر.والمراد بقوله أُجُورَهُنَّ أى مهورهن. وعبر عن المهر بالأجر لتأكيد وجوبه. وعدم الاستهانة بأى حق من حقوقهن.وقوله. محصنين- بكسر الصاد- أى متعففين بالزواج عن اقتراب الفواحش.يقال أحصن الرجل فهو محصن أى: تعفف فهو متعفف وأحصن بالزواج الرجل فهو محصن- بفتح- الصاد- أى: أعفه الزواج عن الوقوع في الفاحشة.وقوله مُسافِحِينَ جمع مسافح. والسفاح. الزنا. يقال: سافح الرجل المرأة إذا ارتكب معها فاحشة الزنا، وسمى الزاني مسافحا. لأنه سفح ماءه أى: صبه ضائعا.وقوله: أَخْدانٍ جمع خدن- بكسر الخاء وسكون الدال- بمعنى الصديق. ويطلق على الذكر والأنثى.والمراد بالخدن هنا. المرأة البغي التي يخادنها الرجل أى يصادقها ليرتكب معها فاحشة الزنا.وغالبا ما تكون خاصة به.والمعنى: وكما أحل الله لكم- أيها المؤمنون- الطيبات من الرزق، وأحل لكم ذبائح أهل الكتاب، وأحل لكم أن تطعموهم من طعامكم، فقد أحل لكم- أيضا- نكاح المحصنات من المؤمنات. أى العفيفات الحرائر لأنهن أصون لعرضكم. وأنقى لنطفكم، وأحل لكم نكاح النساء المحصنات أى: الحرائر العفيفات مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ أى: من اليهود والنصارى.قال الآلوسى: وتخصيص المحصنات بالذكر في الموضعين، للحث على ما هو الأولى والأليق، لا لنفى ما عداهن، فإن نكاح الإماء المسلمات بشرطه، صحيح بالاتفاق. وكذا نكاح غير العفائف منهن. وأما الإماء الكتابيات فهن كالمسلمات عند الإمام الأعظم» .وقوله: إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ أى: مهورهن، وهي عوض عن الاستمتاع بهن.قالوا: وهذا الشرط بيان للأكمل والأولى لا لصحة العقد، إذ لا تتوقف صحة العقد على دفع المهر، إلا أن الأولى هو إيتاء الصداق قبل الدخول.وقوله: مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ أمر لهم بالعفة والبعد عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن. وقوله مُحْصِنِينَ حال من فاعل آتَيْتُمُوهُنَّ.وقوله: غَيْرَ مُسافِحِينَ صفة لمحصنين، أو حال من الضمير المستتر في محصنين.وقوله: وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ يحتمل أن يكون مجرورا على أنه عطف على مسافحين، وزيدت فيه «لا» لتأكيد النفي المستفاد من لفظ غير. ويحتمل أن يكون منصوبا على أنه عطف على غَيْرَ مُسافِحِينَ.والمعنى: أبحنا لكم الزواج بالكتابيات المحصنات لتشكروا الله- تعالى- على تيسيره لكم فيما شرع، ولتطلبوا من وراء زواجكم العفة والبعد عن الفواحش، والصون لأنفسكم ولأنفس أزواجكم عن انتهاك حرمات الله في السر أو العلن.وقدم- سبحانه- المحصنات من المؤمنات على المحصنات من الذين أوتوا الكتاب للتنبيه على أن المحصنات من المؤمنات أحق باختيار الزواج بهن من غيرهن، وأن المحصنة المؤمنة الزواج بها أولى وأجدر وأحسن من الزواج بالمحصنة الكتابية.ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ.أى: ومن يكفر بشرائع الله وبتكاليفه التي أنزلها على نبيه صلى الله عليه وسلّم فقد حبط عمله، أى: خاب سعيه. وفسد عمله الذي عمله. وهو في الآخرة من الهالكين الذين ضيعوا ما عملوه في الدنيا من أعمال بسبب انتهاكهم لحرمات الله وأحكام دينه.فالمقصود من هذه الجملة الكريمة: الترهيب من مخالفة أوامر الله والترغيب في طاعته- سبحانه-.هذا، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من الآية الكريمة:1- إباحة التمتع بالطيبات التي أنعم بها- سبحانه- على عباده، ولم يرد نص بحرمتها.2- إباحة الأكل من ذبائح أهل الكتاب وإباحة إطعامهم من طعامنا.3- الترغيب في نكاح المرأة المحصنة أى التي أحصنت نفسها عن الفواحش وصانتها عن كل ريبة واعتصمت بالعفاف والشرف، وكان سلوكها المستقيم دليلا على أنها متمسكة بتعاليم دينها. وبالآداب الحميدة التي جاءت بها شريعة الإسلام.وقد وردت أحاديث كثيرة في هذا المعنى، ومن ذلك ما رواه الشيخان وغيرهما عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك» ومعنى (تربت يداك) : افتقرت وندمت إن لم تبحث عن ذات الدين، وتجعلها محط طلبك للزواج بها.وروى أبو داود والنسائي عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فقال: إن امرأتى لا تمنع يد لامس. قال صلى الله عليه وسلّم: «غربها- أى طلقها-» . قال: أخاف أن تتبعها نفسي- أى:أرتكب معها ما نهى الله عنه بعد طلاقها- قال صلى الله عليه وسلّم: «فاستمتع بها» . أى أبقها مع المحافظة عليها .4- إباحة نكاح النساء الكتابيات- وهذا مذهب أكثر الفقهاء، لأن هذا هو الظاهر من معنى قوله تعالى: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ.قال ابن كثير: وقد كان عبد الله بن عمر لا يرى التزويج بالنصرانية ويقول: لا أعلم شركا أعظم من أن تقول: إن ربها عيسى، وقد قال الله- تعالى- وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ:وعن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ فحجز الناس عنهن حتى نزلت: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ فنكح الناس نساء أهل الكتاب.وقد تزوج جماعة من الصحابة من نساء النصارى ولم يروا بذلك بأسا أخذا بهذه الآية، وجعلوها مخصصة للتي في سورة البقرة وهي قوله- تعالى-: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ إن قيل بدخول الكتابيات في عمومها. وإلا فلا معارضة بينها وبينها لأن أهل الكتاب انفصلوا في ذكرهم عن المشركين في غير موضع. كقوله- تعالى- لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ .وقال بعض العلماء ما ملخصه: قوله- تعالى-: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ أخذه الجمهور على عمومه، فأباحوا التزوج من أهل الكتاب وإن غيروا وبدلوا، ذميين كانوا أو حربيين. وقيده جماعة بالذميين دون الحربيين.وذهب جماعة من السلف إلى أن أهل الكتاب قد غيروا أو بدلوا وعبدوا المسيح. وقالوا: إن الله ثالث ثلاثة. فهم بذلك والمشركون في العقيدة سواء وقد حرم الله التزوج من المشركات ونسب هذا الرأى إلى عبد الله بن عمر وغيره من الصحابة.وتأولوا الآية بوجوه أقربها أنها رخصة خاصة في الوقت الذي نزلت فيه. قال عطاء: إنما رخص الله في التزوج بالكتابية في ذلك الوقت لأنه كان في المسلمات قلة. أما الآن ففيهن الكثرة العظيمة، فزالت الحاجة فلا جرم زالت الرخصة.والذي نراه في المسألة أنه ليس في الآية ما يدل على أنه رخصة، ولا نعلم في الشريعة ما يدل على أنه رخصة. والآية دالة على الإباحة المطلقة، ولم تقيد بوقت خاص، ولا بحالة خاصة.نعم إن ما نراه اليوم في بعض المسلمين من رغبة التزوج بنساء الإفرنج لا لغاية سوى أنها إفرنجية. ثم يضع نفسه وأولاده تحت تصرفها فتنشئهم على تقاليدها وعاداتها التي تأباها تعاليم الإسلام.نعم إن ما نراه من كل ذلك يجعلنا نوجب على الحكومات التي تدين بالإسلام وتغار على قوميتها وشعائرها.. أن تمنع من التزوج بالكتابيات، وأن تضع حدا لهؤلاء الذين ينسلخون عن قواميتهم على المرأة. حفاظا على مبادئ الدين وعلى عقيدة أولاد المسلمين.وإن العمل على تقييد هذا الحكم في التشريع الإسلامى أو منعه، لألزم وأوجب مما تقوم به بعض الحكومات الإسلامية، أو تحاول أن تقوم به، من تحديد سن الزواج للفتاة. وتقييد تعدد الزوجات، وتقييد الطلاق، وما إلى ذلك من التشريعات التي ينشط لها كثير من رجال الحكم، سيرا وراء مدنية الغرب المظلمة.ألا وإن انحلال الكثرة الغالبة ممن يميلون إلى التزوج بالكتابيات للمعاني التي أشرنا إليها لمما يوجب الوقوف أمام هذه الإباحة التي أصبحت حالتنا لا تتفق والغرض المقصود منها.وهذا معنى تشهد به كليات الدين وقواعده التي يتجلى فيها شدة حرصه على حفظ شخصية الأمة الإسلامية، وعدم انحلالها وفنائها في غيرها» .وبعد أن بين- سبحانه- بعض مظاهر نعمه على عباده فيما يتعلق بمطاعمهم. وفيما يتعلق بما يحل لهم من النساء. أتبع ذلك ببيان مظاهر فضله عليهم فيما يتعلق بعبادتهم التي من أهمها الوضوء، والغسل. والصلاة. وأمرهم بالمحافظة على ما شرعه لهم من شرائع وأحكام فقال- تعالى-:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
لما ذكر تعالى ما حرمه على عباده المؤمنين من الخبائث ، وما أحله لهم من الطيبات ، قال بعده : ( اليوم أحل لكم الطيبات )ثم ذكر حكم ذبائح أهل الكتابين من اليهود والنصارى فقال : ( وطعام الذين أوتوا الكتب حل لكم ) قال ابن عباس وأبو أمامة ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وعطاء والحسن ومكحول وإبراهيم النخعي والسدي ومقاتل بن حيان : يعني ذبائحهم .وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء ؛ أن ذبائحهم حلال للمسلمين ; لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله ، ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله ، وإن اعتقدوا فيه تعالى ما هو منزه عن قولهم ، تعالى وتقدس . وقد ثبت في الصحيح عن عبد الله بن مغفل قال : دلي بجراب من شحم يوم خيبر . [ قال ] فاحتضنته وقلت : لا أعطي اليوم من هذا أحدا ، والتفت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يتبسم .فاستدل به الفقهاء على أنه يجوز تناول ما يحتاج إليه من الأطعمة ونحوها من الغنيمة قبل القسمة ، وهذا ظاهر . واستدل به الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة على أصحاب مالك في منعهم أكل ما يعتقد اليهود تحريمه من ذبائحهم ، كالشحوم ونحوها مما حرم عليهم . فالمالكية لا يجوزون للمسلمين أكله ; لقوله تعالى : ( وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ) قالوا : وهذا ليس من طعامهم . واستدل عليهم الجمهور بهذا الحديث ، وفي ذلك نظر ; لأنه قضية عين ، ويحتمل أنه كان شحما يعتقدون حله ، كشحم الظهر والحوايا ونحوهما ، والله أعلم .وأجود منه في الدلالة ما ثبت في الصحيح : أن أهل خيبر أهدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مصلية ، وقد سموا ذراعها ، وكان يعجبه الذراع ، فتناوله فنهش منه نهشة ، فأخبره الذراع أنه مسموم ، فلفظه وأثر ذلك السم في ثنايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أبهره ، وأكل معه منها بشر بن البراء بن معرور ; فمات ، فقتل اليهودية التي سمتها ، وكان اسمها زينب فقتلت ببشر بن البراء .ووجه الدلالة منه أنه عزم على أكلها ومن معه ، ولم يسألهم هل نزعوا منها ما يعتقدون تحريمه من شحمها أم لا .وفي الحديث الآخر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أضافه يهودي على خبز شعير وإهالة سنخة ، يعني : ودكا زنخاوقال ابن أبي حاتم : قرئ على العباس بن الوليد بن مزيد ، أخبرنا محمد بن شعيب ، أخبرني النعمان بن المنذر ، عن مكحول قال : أنزل الله : ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) [ الأنعام : 121 ] ثم نسخها الرب ، عز وجل ، ورحم المسلمين ، فقال : ( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ) فنسخها بذلك ، وأحل طعام أهل الكتاب .وفي هذا الذي قاله مكحول - رحمه الله - نظر ، فإنه لا يلزم من إباحته طعام أهل الكتاب إباحة أكل ما لم يذكر اسم الله عليه ; لأنهم يذكرون اسم الله على ذبائحهم وقرابينهم ، وهم متعبدون بذلك ; ولهذا لم يبح ذبائح من عداهم من أهل الشرك ومن شابههم ، لأنهم لم يذكروا اسم الله على ذبائحهم ، بل ولا يتوقفون فيما يأكلونه من اللحم على ذكاة ، بل يأكلون الميتة ، بخلاف أهل الكتابين ومن شاكلهم من السامرة والصابئة ومن تمسك بدين إبراهيم وشيث وغيرهما من الأنبياء ، على أحد قولي العلماء ، ونصارى العرب كبني تغلب وتنوخ وبهراء وجذام ولخم وعاملة ومن أشبههم ، لا تؤكل ذبائحهم عند الجمهور .[ و ] قال أبو جعفر بن جرير : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، عن أيوب عن محمد بن عبيدة قال : قال علي : لا تأكلوا ذبائح بني تغلب ; لأنهم إنما يتمسكون من النصرانية بشرب الخمر .وكذا قال غير واحد من الخلف والسلف .وقال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة عن سعيد بن المسيب والحسن أنهما كانا لا يريان بأسا بذبيحة نصارى بني تغلب .وأما المجوس فإنهم وإن أخذت منهم الجزية تبعا وإلحاقا لأهل الكتاب فإنهم لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم ، خلافا لأبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي ، أحد الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد بن حنبل ، ولما قال ذلك واشتهر عنه أنكر عليه الفقهاء ذلك ، حتى قال عنه الإمام أحمد : أبو ثور كاسمه ! يعني في هذه المسألة ، وكأنه تمسك بعموم حديث روي مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " ، ولكن لم يثبت بهذا اللفظ ، وإنما الذي في صحيح البخاري : عن عبد الرحمن بن عوف ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر ولو سلم صحة هذا الحديث ، فعمومه مخصوص بمفهوم هذه الآية : ( وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ) فدل بمفهومه - مفهوم المخالفة - على أن طعام من عداهم من أهل الأديان لا يحلوقوله : ( وطعامكم حل لهم ) أي : ويحل لكم أن تطعموهم من ذبائحكم ، وليس هذا إخبارا عن الحكم عندهم ، اللهم إلا أن يكون خبرا عما أمروا به من الأكل من كل طعام ذكر اسم الله عليه ، سواء كان من أهل ملتهم أو غيرها . والأول أظهر في المعنى ، أي : ولكم أن تطعموهم من ذبائحكم كما أكلتم من ذبائحهم . وهذا من باب المكافأة والمقابلة والمجازاة ، كما ألبس النبي صلى الله عليه وسلم ثوبه لعبد الله بن أبي ابن سلول حين مات ودفنه فيه ، قالوا : لأنه كان قد كسا العباس حين قدم المدينة ثوبه ، فجازاه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بذلك ، فأما الحديث الذي فيه : " لا تصحب إلا مؤمنا ، ولا يأكل طعامك إلا تقي " فمحمول على الندب والاستحباب ، والله أعلم .وقوله : ( والمحصنات من المؤمنات ) أي : وأحل لكم نكاح الحرائر العفائف من النساء المؤمنات ، وذكر هذا توطئة لما بعده ، وهو قوله : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) فقيل : أراد بالمحصنات : الحرائر دون الإماء ، حكاه ابن جرير عن مجاهد . وإنما قال مجاهد : المحصنات : الحرائر ، فيحتمل أن يكون أراد ما حكاه عنه ، ويحتمل أن يكون أراد بالحرة العفيفة ، كما قاله مجاهد في الرواية الأخرى عنه . وهو قول الجمهور هاهنا ، وهو الأشبه ; لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية وهي مع ذلك غير عفيفة ، فيفسد حالها بالكلية ، ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل : " حشفا وسوء كيلة " . والظاهر من الآية أن المراد بالمحصنات : العفيفات عن الزنا ، كما قال في الآية الأخرى : ( محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان ) [ النساء : 25 ] .ثم اختلف المفسرون والعلماء في قوله : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) هل يعم كل كتابية عفيفة ، سواء كانت حرة أو أمة؟ حكاه ابن جرير عن طائفة من السلف ، ممن فسر المحصنة بالعفيفة . وقيل : المراد بأهل الكتاب هاهنا الإسرائيليات ، وهو مذهب الشافعي . وقيل : المراد بذلك : الذميات دون الحربيات ; لقوله : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر [ ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ] ) [ التوبة : 29 ]وقد كان عبد الله بن عمر لا يرى التزويج بالنصرانية ، ويقول : لا أعلم شركا أعظم من أن تقول : إن ربها عيسى وقد قال الله تعالى : ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) الآية [ البقرة : 221 ] .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن حاتم بن سليمان المؤدب ، حدثنا القاسم بن مالك - يعني المزني - حدثنا إسماعيل بن سميع ، عن أبي مالك الغفاري ، عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية : ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) قال : فحجز الناس عنهن حتى نزلت التي بعدها : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) فنكح الناس [ من ] نساء أهل الكتاب .وقد تزوج جماعة من الصحابة من نساء النصارى ولم يروا بذلك بأسا ، أخذا بهذه الآية الكريمة : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) فجعلوا هذه مخصصة للآية التي في البقرة : ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) [ الآية : 221 ] إن قيل بدخول الكتابيات في عمومها ، وإلا فلا معارضة بينها وبينها ; لأن أهل الكتاب قد يفصل في ذكرهم عن المشركين في غير موضع ، كما قال تعالى : ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة ) [ البينة : 1 ] وكقوله ( وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا ) الآية [ آل عمران : 20 ] ، وقوله : ( إذا آتيتموهن أجورهن ) أي : مهورهن ، أي : كما هن محصنات عفائف ، فابذلوا لهن المهور عن طيب نفس . وقد أفتى جابر بن عبد الله وإبراهيم النخعي وعامر الشعبي والحسن البصري بأن الرجل إذا نكح امرأة فزنت قبل دخوله بها أنه يفرق بينه وبينها ، وترد عليه ما بذل لها من المهر . رواه ابن جرير عنهم .وقوله : ( محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ) فكما شرط الإحصان في النساء ، وهي العفة عن الزنا ، كذلك شرطها في الرجال وهو أن يكون الرجل أيضا محصنا عفيفا ; ولهذا قال : ( غير مسافحين ) وهم : الزناة الذين لا يرتدعون عن معصية ، ولا يردون أنفسهم عمن جاءهم ، ( ولا متخذي أخدان ) أي : ذوي العشيقات الذين لا يفعلون إلا معهن ، كما تقدم في سورة النساء سواء ; ولهذا ذهب الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - إلى أنه لا يصح نكاح المرأة البغي حتى تتوب ، وما دامت كذلك لا يصح تزويجها من رجل عفيف ، وكذلك لا يصح عنده عقد الرجل الفاجر على عفيفة حتى يتوب ويقلع عما هو فيه من الزنا ; لهذه الآية وللحديث الآخر : " لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله . "وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا أبو هلال ، عن قتادة ، عن الحسن قال : قال عمر بن الخطاب [ رضي الله عنه ] لقد هممت ألا أدع أحدا أصاب فاحشة في الإسلام أن يتزوج محصنة . فقال له أبي بن كعب : يا أمير المؤمنين ، الشرك أعظم من ذلك ، وقد يقبل منه إذا تاب .وسيأتي الكلام على هذه المسألة مستقصى [ إن شاء الله تعالى ] عند قوله : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ) [ النور : 3 ] ; ولهذا قال تعالى هاهنا : ( ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين )
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرينفيه عشر مسائل :الأولى : قوله تعالى : اليوم أحل لكم الطيبات أي : اليوم أكملت لكم دينكم و اليوم أحل لكم الطيبات فأعاد تأكيدا أي : أحل لكم الطيبات التي سألتم عنها ; وكانت الطيبات أبيحت للمسلمين قبل نزول هذه الآية ; فهذا جواب سؤالهم إذ قالوا : ماذا أحل لنا ؟ وقيل : أشار بذكر اليوم إلى وقت محمد صلى الله عليه وسلم كما يقال : هذه أيام فلان ; أي : هذا أوان ظهوركم وشيوع الإسلام ; فقد أكملت بهذا دينكم ، وأحللت لكم الطيبات ، وقد تقدم ذكر الطيبات في الآية قبل هذا .الثانية : قوله تعالى : وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ابتداء وخبر ، والطعام اسم لما يؤكل والذبائح منه ، وهو هنا خاص بالذبائح عند كثير من أهل العلم بالتأويل ، وأما ما حرم علينا من طعامهم فليس بداخل تحت عموم الخطاب ; قال ابن عباس : قال الله تعالى : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ، ثم استثنى فقال : وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم يعني ذبيحة اليهودي والنصراني ; وإن كان النصراني يقول عند الذبح : باسم المسيح واليهودي يقول : باسم عزير ; وذلك لأنهم يذبحون على الملة ، وقال عطاء : كل من ذبيحة النصراني وإن قال باسم المسيح ; لأن الله جل وعز قد أباح ذبائحهم ، وقد علم ما يقولون ، وقال القاسم بن مخيمرة : كل من ذبيحته وإن قال باسم سرجس - اسم كنيسة لهم - وهو قول الزهري وربيعة والشعبي ومكحول ; وروي عن صحابيين : عن أبي الدرداء وعبادة بن الصامت . وقالت طائفة : إذا سمعت الكتابي يسمي غير اسم الله عز وجل فلا تأكل ; وقال بهذا من الصحابة علي وعائشة وابن عمر ; وهو قول طاوس والحسن متمسكين بقوله تعالى : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ، وقال مالك : أكره ذلك ، ولم يحرمه .قلت : العجب من إلكيا الطبري الذي حكى الاتفاق على جواز ذبيحة أهل الكتاب ، ثم أخذ يستدل بذلك على أن التسمية على الذبيحة ليست بشرط فقال : ولا شك أنهم لا يسمون على الذبيحة إلا الإله الذي ليس معبودا حقيقة مثل المسيح وعزير ، ولو سموا الإله حقيقة لم تكن تسميتهم على طريق العبادة ، وإنما كان على طريق آخر ; واشتراط التسمية لا على وجه العبادة لا يعقل ، ووجود التسمية من الكافر وعدمها بمثابة واحدة ; إذا لم تتصور منه العبادة ، ولأن النصراني إنما يذبح على اسم المسيح ، وقد حكم الله بحل ذبائحهم مطلقا ، وفي ذلك دليل على أن التسمية لا تشترط أصلا كما يقول الشافعي ، وسيأتي ما في هذا للعلماء في " الأنعام " إن شاء الله تعالى .الثالثة : ولا خلاف بين العلماء أن ما لا يحتاج إلى ذكاة كالطعام الذي لا محاولة فيه كالفاكهة والبر جائز أكله ; إذ لا يضر فيه تملك أحد . والطعام الذي تقع فيه محاولة على ضربين : أحدهما : ما فيه محاولة صنعة لا تعلق للدين بها ; كخبز الدقيق ، وعصر الزيت ونحوه ; فهذا إن تجنب من الذمي فعلى وجه التقزز ، والضرب الثاني : هي التذكية التي ذكرنا أنها هي التي تحتاج إلى الدين والنية ; فلما كان القياس ألا تجوز ذبائحهم - كما نقول إنهم لا صلاة لهم ولا عبادة مقبولة - رخص الله تعالى في ذبائحهم على هذه الأمة ، وأخرجها النص عن القياس على ما ذكرناه من قول ابن عباس ; والله أعلم .الرابعة : واختلف العلماء أيضا فيما ذكوه هل تعمل الذكاة فيما حرم عليهم أو لا ؟ على قولين ; فالجمهور على أنها عاملة في كل الذبيحة ما حل له منها وما حرم عليه ، لأنه مذكى ، وقالت جماعة من أهل العلم : إنما حل لنا من ذبيحتهم ما حل لهم ; لأن ما لا يحل لهم لا تعمل فيه تذكيتهم ; فمنعت هذه الطائفة الطريف والشحوم المحضة من ذبائح أهل الكتاب ; وقصرت لفظ الطعام على البعض ، وحملته الأولى على العموم في جميع ما يؤكل ، وهذا الخلاف موجود في مذهب مالك . قال أبو عمر : وكره مالك شحوم اليهود وأكل ما نحروا من الإبل ، وأكثر أهل العلم لا يرون بذلك بأسا ; وسيأتي هذا في " الأنعام " إن شاء الله تعالى ; وكان مالك رحمه الله يكره ما ذبحوه إذا وجد ما ذبحه المسلم ، وكره أن يكون لهم أسواق يبيعون فيها ما يذبحون ; وهذا منه رحمه الله تنزه .الخامسة : وأما المجوس فالعلماء مجمعون - إلا من شذ منهم - على أن ذبائحهم لا تؤكل ، ولا يتزوج منهم ; لأنهم ليسوا أهل كتاب على المشهور عند العلماء ، ولا بأس بأكل طعام من لا كتاب له كالمشركين وعبدة الأوثان ما لم يكن من ذبائحهم ولم يحتج إلى ذكاة ; إلا الجبن ; لما فيه من إنفحة الميتة . فإن كان أبو الصبي مجوسيا وأمه كتابية فحكمه حكم أبيه عند مالك ، وعند غيره لا تؤكل ذبيحة الصبي إذا كان أحد أبويه ممن لا تؤكل ذبيحته .السادسة : وأما ذبيحة نصارى بني تغلب وذبائح كل دخيل في اليهودية والنصرانية فكان علي رضي الله عنه ينهى عن ذبائح بني تغلب ; لأنهم عرب ، ويقول : إنهم لم يتمسكوا بشيء من النصرانية إلا بشرب الخمر ; وهو قول الشافعي ; وعلى هذا فليس ينهى عن ذبائح النصارى المحققين منهم ، وقال جمهور الأمة : إن ذبيحة كل نصراني حلال ; سواء كان من بني تغلب أو غيرهم ، وكذلك اليهودي ، واحتج ابن عباس بقوله تعالى : ومن يتولهم منكم فإنه منهم ، فلو لم تكن بنو تغلب من النصارى إلا بتوليهم إياهم لأكلت ذبائحهم .السابعة : ولا بأس بالأكل والشرب والطبخ في آنية الكفار كلهم ، ما لم تكن ذهبا أو فضة أو جلد خنزير بعد أن تغسل وتغلى ; لأنهم لا يتوقون النجاسات ويأكلون الميتات ; فإذا طبخوا في تلك القدور تنجست ، وربما سرت النجاسات في أجزاء قدور الفخار ; فإذا طبخ فيها بعد ذلك توقع مخالطة تلك الأجزاء النجسة للمطبوخ في القدر ثانية ; فاقتضى الورع الكف عنها . وروي عن ابن عباس أنه قال : إن كان الإناء من نحاس أو حديد غسل ، وإن كان من فخار أغلي فيه الماء ثم غسل - هذا إذا احتيج إليه - وقاله مالك ; فأما ما يستعملونه لغير الطبخ فلا بأس باستعماله من غير غسل ; لما روى الدارقطني عن عمر أنه توضأ من بيت نصراني في حق نصرانية ; وهو صحيح وسيأتي في " الفرقان " بكماله ، وفي صحيح مسلم من حديث أبي ثعلبة الخشني قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إنا بأرض قوم من أهل كتاب نأكل في آنيتهم ، وأرض صيد ، أصيد بقوسي وأصيد بكلبي المعلم ، وأصيد بكلبي الذي ليس بمعلم ; فأخبرني ما الذي يحل لنا من ذلك ؟ قال : أما ما ذكرت أنكم بأرض قوم من أهل كتاب تأكلون في آنيتهم فإن وجدتم غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا فاغسلوها ثم كلوا فيها ثم ذكر الحديث .الثامنة : قوله تعالى : وطعامكم حل لهم دليل على أنهم مخاطبون بتفاصيل شرعنا ; أي : إذا اشتروا منا اللحم يحل لهم اللحم ويحل لنا الثمن المأخوذ منهم .التاسعة : قوله تعالى : والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم الآية . وقد تقدم معناها في " البقرة " و " النساء " والحمد لله ، وروي عن ابن عباس في قوله تعالى : والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب . هو على العهد دون دار الحرب فيكون خاصا ، وقال غيره : يجوز نكاح الذمية والحربية لعموم الآية . وروي عن ابن عباس أنه قال : المحصنات العفيفات العاقلات ، وقال الشعبي : هو أن تحصن فرجها فلا تزني ، وتغتسل من الجنابة ، وقرأ الشعبي " والمحصنات " بكسر الصاد ، وبه قرأ الكسائي ، وقال مجاهد : المحصنات الحرائر ; قال أبو عبيد : يذهب إلى أنه لا يحل نكاح إماء أهل الكتاب ; لقوله تعالى : فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات وهذا القول الذي عليه جلة العلماء .العاشرة : قوله تعالى : ومن يكفر بالإيمان قيل : لما قال تعالى : والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب قال : نساء أهل الكتاب : لولا أن الله تعالى رضي ديننا لم يبح لكم نكاحنا ; فنزلت ومن يكفر بالإيمان أي : بما أنزل على محمد . وقال أبو الهيثم : الباء صلة ; أي : ومن يكفر الإيمان أي : يجحده فقد حبط عمله وقرأ ابن السميقع " فقد حبط " بفتح الباء ، وقيل : لما ذكرت فرائض وأحكام يلزم القيام بها ، ذكر الوعيد على مخالفتها ; لما في ذلك من تأكيد الزجر عن تضييعها ، وروي عن ابن عباس ومجاهد أن المعنى : ومن يكفر بالله ; قال الحسن بن الفضل : إن صحت هذه الرواية فمعناها برب الإيمان . وقال الشيخ أبو الحسن الأشعري : ولا يجوز أن يسمى الله إيمانا خلافا للحشوية والسالمية ; لأن الإيمان مصدر آمن يؤمن إيمانا ، واسم الفاعل منه مؤمن ; والإيمان التصديق ، والتصديق لا يكون إلا كلاما ، ولا يجوز أن يكون الباري تعالى كلاما .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْقال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " اليوم أحل لكم الطيبات "، اليوم أحل لكم، أيها المؤمنون، الحلالُ من الذبائح والمطاعم دون الخبائث منها.وقوله: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم "، وذبائحُ أهل الكتاب من اليهود والنصارى = وهم الذين أوتوا التوراة والإنجيل وأنزل عليهم, فدانُوا بهما أو بأحدهما =" حل لكم " (176) يقول: حلالٌ لكم، أكله دون ذبائح سائر أهل الشرك الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب وعبدة الأوثان والأصنام. فإن من لم يكن منهم مِمَّن أقرَّ بتوحيد الله عزَّ ذكره ودان دين أهل الكتاب, فحرام عليكم ذبائحهم.* * *ثم اختلف فيمن عنى الله عز ذكره بقوله: " وطعام الذين أوتوا الكتاب "، من أهل الكتاب.فقال بعضهم: عنى الله بذلك ذبيحة كل كتابي ممن أنزل عليه التوراة والإنجيل, أو ممن دخل في مِلَّتهم فدان دينهم، وحرَّم ما حرَّموا، وحلَّل ما حللوا، منهم ومن غيرهم من سائر أجناس الأمم.*ذكر من قال ذلك:11220- حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال، حدثنا عبد الواحد قال، حدثنا خصيف قال، حدثنا عكرمة قال، سئل ابن عباس عن ذبائح نصارى بني تغلب, فقرأ هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ إلى قوله: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ، الآية [سورة المائدة: 51] . (177)11221- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان: عن عاصم الأحول, عن عكرمة, عن ابن عباس, مثله.11222- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن عثمة قال، حدثنا سعيد بن بشر, عن قتادة, عن الحسن وعكرمة: أنهما كانا لا يريان بأسًا بذبائح نصارى بني تغلب، وبتزوُّج نسائهم, ويتلوان: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ .11223- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي, عن سعيد, عن قتادة, عن الحسن وسعيد بن المسيب: أنهما كانا لا يريان بأسًا بذبيحة نصارى بني تغلب.11224- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن أبي حصين, عن الشعبي: أنه كان لا يرى بأسًا بذبائح نصارى بني تغلب, وقرأ: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ، [سورة مريم: 64].11225- حدثني ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا أبو عاصم قال، أخبرنا ابن جريج قال، حدثني ابن شهاب عن ذبيحة نصارى العرب, قال. تؤكل من أجل أنهم في الدين أهلُ كتاب, ويذكرون اسمَ الله.11226- حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا ابن جريج قال، قال عطاء: إنما يقرُّون بدين ذلك الكتاب. (178)11227- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا شعبة قال: سألت الحكم وحمادًا وقتادة عن ذبائح نصارى بني تغلب, فقالوا: لا بأس بها. قال: وقرأ الحكم: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ ، [سورة البقرة: 78].11228- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد, عن عطاء بن السائب, عن عكرمة, عن ابن عباس قال: كلوا من ذبائح بني تغلب, وتزوَّجوا من نسائهم, فإن الله قال في كتابه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [سورة المائدة: 51]، فلو لم يكونوا منهم إلا بالولاية، لكانوا منهم.11229- حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال، حدثنا ابن علية, عن ابن أبي عروبة, عن قتادة: أن الحسن كان لا يرى بأسًا بذبائح نصارى بني تغلب, وكان يقول: انتحلوا دينًا، فذاك دينهم.* * *وقال آخرون: إنما عنى بالذين أوتوا الكتاب في هذه الآية, الذين أنزل عليهم التوراة والإنجيل من بني إسرائيل وأبنائهم, فأما من كان دخيلا فيهم من سائر الأمم ممن دان بدينهم وهم من غير بني إسرائيل, فلم يعن بهذه الآية، وليس هو ممن يحل أكل ذبائحه، لأنه ليس ممن أوتي الكتاب من قَبْل المسلمين. وهذا قول كان محمد بن إدريس الشافعي يقوله = حدثنا بذلك عنه الربيع = ويتأول في ذلك قول من كره ذبائح نصارى العرب من الصحابة والتابعين. (179)* * *ذكر من حرَّم ذبائح نصارى العرب.11230- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية, عن أيوب, عن محمد, عن عبيدة قال، قال علي رضوان الله عليه: لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب, فإنهم إنما يتمسكون من النصرانية بشرب الخمر. (180)11231- حدثنا يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا هشام, عن ابن سيرين, عن عبيدة, عن علي قال: لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب, فإنهم لم يتمسكوا بشيء من النصرانية إلا بشرب الخمر.11232- حدثنا الحسن بن عرفة قال، حدثنا عبد الله بن بكر قال، حدثنا هشام, عن محمد بن سيرين, عن عبيدة قال: سألت عليًّا عن ذبائح نصارى العرب, فقال: لا تؤكل ذبائحهم, فإنهم لم يتعلَّقوا من دينهم إلا بشرب الخمر.11233- حدثني علي بن سعيد الكندي قال، حدثنا علي بن عابس, عن عطاء بن السائب, عن أبي البختري قال: نهانا عليٌّ عن ذبائح نصارى العرب. (181)11234- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن أبي حمزة القصاب قال: سمعت محمد بن علي يحدث، عن علي: أنه كان يكره ذبائح نصارى بني تغلب.11235- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن ليث, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال، لا تأكلوا ذبائح نصارى العرب، وذبائح نصارى أرْمينية.* * *قال أبو جعفر: وهذه الأخبار عن عليّ رضوان الله عليه, إنما تدل على أنه كان ينهى عن ذبائح نصارى بني تغلب، من أجل أنهم ليسوا على النصرانية, لتركهم تحليل ما تحلِّل النصارى، وتحريم ما تُحَرّم، غير الخمر. ومن كان منتحلا (182) ملّة هو غير متمسك منها بشيء فهو إلى البراءة منها أقرب منه إلى اللحاق بها وبأهلها. (183) فلذلك نهى عليٌّ عن أكل ذبائح نصارى بني تغلب, لا من أجل أنهم ليسوا من بني إسرائيل.فإذ كان ذلك كذلك, وكان إجماعًا من الحجة أن لا بأس بذبيحة كل نصرانيّ ويهوديّ دان دين النصرانيّ أو اليهودي (184) فأحل ما أحلُّوا, وحرَّم ما حرموا، من بني إسرائيل كان أو من غيرهم = (185) فبيِّنٌ خطأ ما قال الشافعي في ذلك، وتأويله الذي تأوّله في قوله: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حِلٌّ لكم "، أنه ذبائح الذين أوتوا الكتابَ التوراةَ والإنجيلَ من بني إسرائيل = (186) وصوابُ ما خالف تأويله ذلك, وقولِ من قال: إن كل يهودي ونصراني فحلال ذبيحتُه، من أيِّ أجناس بني آدم كان.* * *وأمَّا " الطعام " الذي قال الله: " وطعام الذين أوتوا الكتاب "، فإنه الذبائح.* * *وبمثل ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك:11236- حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا حدثنا ابن إدريس, عن ليث, عن مجاهد: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حلّ لكم "، قال: الذبائح.11237- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن محمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبي بزة, عن مجاهد في قوله: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم "، قال: ذبائحهم.11238- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن ليث, عن مجاهد, مثله.11239- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو نعيم وقبيصة قالا حدثنا سفيان, عن ليث, عن مجاهد, مثله.11240- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي, عن أبي سنان, عن ليث, عن مجاهد, مثله. (187)11241- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.11242- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم "، قال: ذبيحة أهل الكتاب.11243- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم, عن مغيرة, عن إبراهيم في قوله: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم "، قال: ذبائحهم.11244- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن المغيرة, عن إبراهيم, بمثله.11245- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن مغيرة, عن إبراهيم, مثله.11246- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري, عن مغيرة, عن إبراهيم, مثله.11247- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو نعيم وقبيصة قالا حدثنا سفيان, عن مغيرة, عن إبراهيم، مثله.11248- حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم "، قال: ذبائحهم.11249- حدثني المثنى قال، حدثنا المعلى بن أسد قال، حدثنا خالد, عن يونس, عن الحسن, مثله. (188)11250- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم "، أي: ذبائحهم.11251- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم "، أما طعامهم، فهو الذبائح.11252- حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم "، قال: أحل الله لنا طعامهم ونساءَهم.11253- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: أما قوله: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم "، فإنه أحلَّ لنا طعامهم ونساءهم.11254- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سألته = يعني ابن زيد = (189) عما ذبح للكنائس وسُمِّي عليها، فقال: أحل الله لنا طعام أهل الكتاب, ولم يستثن منه شيئًا.11255- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني معاوية, عن أبي الزاهرية حدير بن كريب, = عن أبي الأسود, عن عُمَير بن الأسود: أنه سأل أبا الدرداء عن كبش ذُبح لكنيسة يقال لها " جرجس "، أهدوه لها, أنأكل منه؟ فقال أبو الدرداء: اللهم عفوًا! إنما هم أهل كتاب, طعامهم حلٌّ لنا، وطعامنا حل لهم! وأمره بأكله. (190)وأما قوله: " وطعامكم حل لهم "، فإنه يعني: ذبائحكم، أيها المؤمنون، حِلٌّ لأهل الكتاب.* * *القول في تأويل قوله : وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّقال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " والمحصنات من المؤمنات "، أحل لكم، أيها المؤمنون، المحصنات من المؤمنات = وهن الحرائر منهن (191) = أن تنكحوهن =" والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، يعني: والحرائر من الذين أعطوا الكتاب (192) وهم اليهود والنصارى الذين دانوا بما في التوراة والإنجيل من قبلكم، أيها المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم من العرب وسائر الناس, أن تنكحوهن أيضًا =" إذا آتيتموهن أجورهن "، يعني: إذا أعطيتم من نكحتم من محصناتِكم ومحصناتهم (193) =" أجورهن "، وهي مهورُهن. (194)* * *واختلف أهل التأويل في المحصنات اللاتي عناهن الله عز ذكره بقوله: " والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ".فقال بعضهم: عنى بذلك الحرائر خَاصة, فاجرةً كانت أو عفيفةً. وأجاز قائلو هذه المقالة نكاح الحرة، مؤمنة كانت أو كتابية من اليهود والنصارى، من أيِّ أجناس الناس كانت (195) بعد أن تكون كتابية، فاجرة كانت أو عفيفةً. وحرّموا إماء أهل الكتاب أن يُتَزَوَّجن بكل حال (196) لأن الله جل ثناؤه شرطَ من نكاح الإماء الإيمانَ بقوله: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ، [سورة النساء: 25].*ذكر من قال ذلك:11256- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو داود, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب "، قال: من الحرائر.11257- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، قال: من الحرائر.11258- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن قيس بن مسلم, عن طارق بن شهاب: أن رجلا طلَّق امرأته وخُطِبَت إليه أخته, وكانت قد أحدثت, فأتى عمر فذكر ذلك له منها, فقال عمر: ما رأيت منها؟ قال: ما رأيت منها إلا خيرًا! فقال: زوِّجها ولا تُخْبِر.11259- حدثنا ابن أبي الشوارب قال، حدثنا عبد الواحد قال، حدثنا سليمان الشيباني قال، حدثنا عامر قال: زنت امرأة منَّا من همدان, قال: فجلدها مُصَدِّق رسول الله صلى الله عليه وسلم الحدَّ (197) ثم تابت. فأتوا عمر فقالوا: &; 9-583 &; نزوّجها، وبئسَ ما كان من أمرها! قال عمر: لئن بلغني أنكم ذكرتم شيئًا من ذلك، لأعاقبنكم عقوبةً شديدة.11260- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن قيس بن مسلم, عن طارق بن شهاب: أن رجلا أراد أن يزوِّج أخته, فقالت: إني أخشى أن أفضَح أبي, فقد بَغَيْتُ! فأتى عمر، فقال: أليس قد تابت؟ قال: بلى! قال: فزوّجها.11261- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا شعبة, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن الشعبي: أن نُبَيْشة، امرأةً من همدان، بغتْ, فأرادت أن تذبح نفسها, قال: فأدركوها، فداووها فبرئت, فذكروا ذلك لعمر, فقال: انكحوها نكاحَ العفيفة المسلمة.11262- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود, عن عامر: أن رجلا من أهل اليمن أصابت أختُه فاحشة, فأمرَّت الشَّفرة على أوداجها, فَأُدْرِكت, فدُووِي جُرْحها حتى برئت. ثم إن عمها انتقل بأهله حتى قدم المدينة, فقرأت القرآن ونَسَكت, حتى كانت من أنسك نسائهم. فخطبت إلى عمها, وكان يكره أن يدلِّسها, ويكره أن يفشي على ابنة أخيه, فأتى عمر فذكر ذلك له, فقال عمر: لو أفشيت عليها لعاقبتك! إذا أتاك رجل صالح ترضاه فزوّجها إيّاه.11263- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود, عن عامر: أن جارية باليمن يقال لها: " نبيشة ", أصابت فاحشة, فذكر نحوه.11264- حدثنا تميم بن المنتصر قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا إسماعيل، عن عامر قال: أتى رجل عمر فقال: إن ابنةً لي كانت وُئِدت في الجاهلية, فاستخرجتها قبل أن تموت, فأدركت الإسلام, فلما أسلمت أصابت حدًّا من حدود الله, فعمدتْ إلى الشفرة لتذبح بها نفسها, فأدركتها وقد قطعت بعض أوداجها, فداويتها حتى برئت, ثم إنها أقبلت بتوبة حسنة, فهي تخطب إلَيّ يا أمير المؤمنين, فأخبر من شأنها بالذي كان؟ فقال عمر: أتخبر بشأنها؟ تعمد إلى ما ستره الله فتبديه! والله لئن أخبرت بشأنها أحدًا من الناس لأجعلنك نَكالا لأهل الأمصار، بل أنكحها بنكاحِ العفيفة المسلمة. (198)11265- حدثنا أحمد بن منيع قال، حدثنا مروان, عن إسماعيل, عن الشعبي قال: جاء رجل إلى عمر، فذكر نحوه.11266- حدثنا مجاهد قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا يحيى بن سعيد, عن أبي الزبير: أن رجلا خطب من رجل أخته, فأخبره أنها قد أحدثتْ. فبلغ ذلك عمر بن الخطاب, فضرب الرجل وقال: ما لك والخبر! أنكح واسكُت. (199)11267- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا سليمان بن حرب قال، حدثنا أبو هلال, عن قتادة, عن الحسن قال: قال عمر بن الخطاب: لقد هممت أن لا أدع أحدًا أصابَ فاحشة في الإسلام أن يتزوج مُحْصنة! فقال له أبيّ بن كعب: يا أمير المؤمنين, الشرك أعظم من ذلك, وقد يقبل منه إذا تاب!* * *وقال آخرون: إنما عنى الله بقوله: " والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، العفائفَ من الفريقين, إماءً كنَّ أو حرائر. فأجاز قائلو هذه المقالة نكاحَ إماء أهل الكتاب الدائنات دينَهم بهذه الآية, وحرَّموا البغايا من المؤمنات وأهل الكتاب.*ذكر من قال ذلك:11268- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس, عن ليث, عن مجاهد في قوله: " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، قال: العفائف.11269- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير, عن ليث, عن مجاهد, مثله.11270- حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير، عن مطرف, عن عامر: " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، قال: إحصان اليهودية والنصرانية: أن لا تزني، وأن تغتَسِل من الجنابة.11271- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل, عن مطرف, عن عامر: " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، قال: إحصان اليهودية والنصرانية: أن تغتسل من الجنابة, وأن تحصن فرجَها.11272- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن عنبسة, عن مطرف, عن رجل, عن الشعبي في قوله: " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، قال: إحصان اليهودية والنصرانية: أن لا تزني, وأن تغتسل من الجنابة.11273- حدثنا المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم, عن مطرف, عن الشعبي في قوله: " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، قال: إحصانها: أن تغتسل من الجنابة, وأن تحصن فرجها من الزنا.11274- حدثني المثنى قال، حدثنا معلى بن أسد قال، حدثنا خالد, قال، أخبرنا مطرف، عن عامر, بنحوه.11275- حدثنا المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك قال: سمعت سفيان يقول في قوله: المحصنات من الذين أوتوا الكتاب)، قال: العفائف.11276- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، قال: أما " المحصنات "، فهنّ العفائف.11277- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: أن امرأة اتخذت مملوكها (200) وقالت: تأوّلت كتابَ الله: وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ، قال: فأتى بها عمر بن الخطاب, فقال له ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: تأوّلت آية من كتاب الله على غير وجهها. قال فغَرَّب العبد وجزَّ رأسه. (201) وقال: أنتِ بعده حرام على كل مسلم.11278- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن إبراهيم أنه قال: في التي تزني قبل أن يُدْخل بها (202) قال: ليس لها صداق، ويفرَّق بينهما.11279- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا أشعث, عن الشعبي، في البكر تفجُر (203) قال: تضرب مئة سوط, وتنفى سنة, وترُدّ على زوجها ما أخذت منه.11280- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا أشعث, عن أبي الزبير, عن جابر, مثل ذلك.11281- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، أخبرنا أشعث عن الحسن, مثل ذلك.11282- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية, عن يونس: أن الحسن كان يقول: إذا رأى الرجل من امرأته فاحشةً فاستيقن، فإنه لا يمسكها.11283- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن مغيرة, عن أبي ميسرة قال: مملوكات أهل الكتاب بمنزلة حرائرهم.* * *ثم اختلف أهل التأويل في حكم قوله عز ذكره: " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، أعام أم خاصٌّ؟فقال بعضهم: هو عامٌّ في العفائف منهن, لأن " المحصنات "، العفائف. وللمسلم أن يتزوج كل حرة وأمة كتابيةٍ، حربيةً كانت أو ذميَّةً.واعتلُّوا في ذلك بظاهر قوله تعالى: " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، وأن المعنيَّ بهن العفائف، كائنة من كانت منهن. وهذا قول من قال: عني ب " المحصنات " في هذا الموضع: العفائف.* * *وقال آخرون: بل اللواتي عنى بقوله جل ثناؤه: " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، الحرائرَ منهن, والآية عامة في جميعهن. فنكاح جميع الحرائر اليهود والنصارى جائز, حربيّات كنّ أو ذميات, من أيِّ أجناس اليهود والنصارى كنَّ. وهذا قول جماعة من المتقدمين والمتأخرين.*ذكر من قال ذلك:11284- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي, عن سعيد, عن قتادة, عن سعيد بن المسيب والحسن: أنهما كانا لا يريان بأسًا بنكاح نساء اليهود والنصارى, وقالا أحلَّه الله على علم.* * *وقال آخرون منهم: بل عنى بذلك نكاحَ بني إسرائيل الكتابياتِ منهن خاصة، دون سائر أجناس الأمم الذين دانوا باليهودية والنصرانية. وذلك قول الشافعي ومن قال بقوله. (204)* * *وقال آخرون: بل ذلك معنىٌّ به نساءُ أهل الكتاب الذين لهم من المسلمين ذمَّة وعهدٌ. فأما أهل الحرب، فإن نساءهم حرام على المسلمين.*ذكر من قال ذلك:11285- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا محمد بن عقبة, قال، حدثنا الفزاري, عن سفيان بن حسين, عن الحكم, عن مقسم, عن ابن عباس قال: من نساء أهل الكتاب من يحلُّ لنا, ومنهم من لا يحلُّ لنا, ثم قرأ: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ، [سورة التوبة: 29]. فمن أعطى الجزية حلَّ لنا نساؤه, ومن لم يعط الجزية لم يحل لنا نساؤه = قال الحكم: فذكرت ذلك لإبراهيم، فأعجبه. (205)* * *قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب، قولُ من قال: عنى بقوله: " والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، حرائرَ المؤمنين وأهل الكتاب. لأن الله جل ثناؤه لم يأذن بنكاح الإماء الأحرارِ في الحال التي أباحهن لهم، إلا أن يكنَّ مؤمنات, فقال عز ذكره: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [سورة النساء: 25]، فلم يبح منهن إلا المؤمنات. فلو كان مرادًا بقوله: " والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب "، العفائفَ, لدخل العفائف من إمائهم في الإباحة, وخرج منها غير العفائف من حرائرهم وحرائر أهل الإيمان. وقد أحل الله لنا حرائر المؤمنات, وإن كن قد أتين بفاحشة بقوله: وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [سورة النور: 32]. وقد دللنا على فساد قول من قال: " لا يحلُّ نكاح من أتى الفاحشة من نساء المؤمنين وأهل الكتاب للمؤمنين "، في موضع غير هذا، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (206)= فنكاح حرائر المسلمين وأهل الكتاب حلال للمؤمنين, كن قد أتين بفاحشة أو لم يأتين بفاحشة, ذميةً كانت أو حربيّةً, بعد أن تكون بموضع لا يخافُ الناكح فيه على ولده أن يُجْبر على الكفر, بظاهر قول الله جل وعز: " والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ".* * *فأما قول الذي قال: " عنى بذلك نساء بني إسرائيل، الكتابيّات منهن خاصة " (207) فقول لا يوجب التشاغل بالبيان عنه، لشذوذه والخروج عما عليه علماء الأمة، من تحليل نساء جميع اليهود والنصارى. وقد دللنا على فساد قول قائل هذه المقالة من جهة القياس في غير هذا الموضع بما فيه الكفاية، فكرهنا إعادته. (208)* * *وأما قوله: " إذا آتيتموهن أجورهن "، فإن " الأجر ": العوض الذي يبذله الزوج للمرأة للاستمتاع بها, وهو المهر. (209) كما:-11286- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس في قوله: "آتيتموهن أجورهن "، يعني: مهورهن.* * *القول في تأويل قوله : مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍقال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: أحل لكم المحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم, وأنتم محصنون غير مسافحين ولا متخذي أخدان.ويعني بقوله جل ثناؤه: " محصنين "، أعفَّاء =" غير مسافحين "، يعني: لا معالنين بالسفاح بكل فاجرة، وهو الفجور =" ولا متخذي أخدان "، يقول: ولا منفردين ببغيّة واحدة، قد خادنها وخادنته، واتخذها لنفسه صديقة يفجر بها.* * *وقد بينا معنى " الإحصان " ووجوهه = ومعنى " السفاح " و " الخدن " في غير هذا الموضع، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع (210) وهو كما:-11287- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: " محصنين غير مسافحين "، يعني: ينكحوهن بالمهر والبينة (211) غير مسافحين متعالنين بالزنا =" ولا متخذي أخدان "، يعني: يسرُّون بالزنا.11288- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: أحل الله لنا محصنتين: محصنة مؤمنة, ومحصنة من أهل الكتاب =" ولا متخذي أخدان ": ذات الخدان، ذات الخليل الواحد.11289- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك, عن سليمان بن المغيرة, عن الحسن قال: سأله رجل: أيتزوّج الرجل المرأة من أهل الكتاب؟ قال: ما له ولأهل الكتاب، وقد أكثر الله المسلمات! فإن كان لا بد فاعلا فليعمد إليها حَصانًا غير مسافحة. قال الرجل: وما المسافحة؟ قال: هي التي إذا لَمَح الرجل، إليها بعينه اتّبعته. (212)* * *القول في تأويل قوله : وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " ومن يكفر بالإيمان "، ومن يجحد ما أمر الله بالتصديق به، من توحيد الله ونبوّة محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله = وهو " الإيمان "، الذي قال الله جل ثناؤه: " ومن يكفر بالإيمان فقد حَبِطَ عمله " = يقول: فقد بَطل ثواب عمله الذي كان يعمله في الدنيا, يرجو أن يدرك به منزلة عند الله. (213) =" وهو في الآخرة من الخاسرين "، يقول: وهو في الآخرة من الهالكين، الذين غَبَنوا أنفسَهم حظوظها من ثواب الله بكفرهم بمحمد، وعملهم بغير طاعة الله. (214)* * *وقد ذكر أن قوله: " ومن يكفر بالإيمان "، عنى به أهل الكتاب، وأنه أنزل على رسول الله صلى عليه وسلم من أجل قوم تحرَّجوا نكاح نساءِ أهل الكتاب لما قيل لهم: أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ .*ذكر من قال ذلك:11290- حدثنا بشر قال, حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قال: ذكر لنا أن ناسًا من المسلمين قالوا: كيف نتزوّج نساءهم = يعني: نساء أهل الكتاب = وهم على غير ديننا؟ فأنزل الله عز ذكره: " ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين "، فأحل الله تزويجهن على علم.* * *وبنحو الذي قلنا في تأويل " الإيمان " قال أهل التأويل.ذكر من قال ذلك.11291- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان, عن ابن جريج, عن عطاء: " ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله "، قال: " الله "، الإيمان. (215)11292- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان, عن واصل, عن عطاء: " ومن يكفر بالإيمان "، قال: " الإيمان "، التوحيد.11293- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن ابن جريج, عن مجاهد: " ومن يكفر بالإيمان "، قال: بالله.11294- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى, عن سفيان, عن ابن جريج, عن مجاهد, مثله.11295- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن عنبسة, عن محمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبي بزة, عن مجاهد في قوله: " ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله "، قال: من يكفر بالله.11296- حدثنا محمد قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: " ومن يكفر بالإيمان "، قال: من يكفر بالله.11297- حدثنا محمد قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: " ومن يكفر بالإيمان "، قال: الكفر بالله.11298- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة. قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.11299- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: " ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله "، قال: أخبر الله سبحانه أن " الإيمان " هو العروة الوثقى, وأنه لا يقبل عملا إلا به, ولا يحرِّم الجنة إلا على من تركه.* * *فإن قال لنا قائل: وما وجه تأويل مَنْ وجَّه قوله: " ومن يكفر بالإيمان "، إلى معنى: ومن يكفر بالله؟قيل: وجه تأويله ذلك كذلك، أن " الإيمان " هو التصديق بالله وبرسله وما ابتعثهم به من دينه، و " الكفر " جحود ذلك. قالوا: فمعنى " الكفر بالإيمان "، هو جحود الله وجحود توحيده. ففسروا معنى الكلمة بما أريد بها, وأعرضوا عن تفسير الكلمة على حقيقة ألفاظها وظاهرها في التلاوة.فإن قال قائل: فما تأويلها على ظاهرها وحقيقة ألفاظها؟قيل: تأويلها: ومن يأبَ الإيمان بالله، ويمتنع من توحيده والطاعة له فيما أمره به ونهاه عنه, فقد حبط عمله. وذلك أن " الكفر " هو الجحود في كلام العرب, و " الإيمان " التصديق والإقرار. ومن أبى التصديق بتوحيد الله والإقرار به، فهو من الكافرين (216) فذلك تأويل الكلام على وجهه.* * *-------------الهوامش :(176) انظر تفسير"حل" و"حلال" فيما سلف 3: 300 ، 487.(177) الأثر: 11220- هذا الأثر مؤخر بعد الذي يليه في المخطوطة ، فلا أدري أهو مؤخر ، أم سقط قبل الأثر رقم 11221 ، أثر آخر ، فاجتهد ناشر الكتاب أو ناسخ سابق ، فقدم وأخر.(178) في المطبوعة: "إنما يقرأون ذلك الكتاب" ، وفي المخطوطة: "إنما يقرون بين ذلك" ورأيت أن صواب قراءتها كما أثبت ، أي: أنهم يدينون بدين ذلك الكتاب.(179) انظر الأم 2: 196.(180) الأثر: 11230- رواه الشافعي في الأم 2: 196 ، والبيهقي في السنن 9: 284 ، وأشار إليه الحافظ ابن حجر في (الفتح 9: 549) ، وقال: "أخرجه الشافعي وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة".(181) الأثر: 11233-"علي بن سعيد بن مسروق الكندي" ، مضى برقم: 1184 ، 2784.و"علي بن عابس الأسدي" ، ضعيف ، يعتبر به. مترجم في التهذيب.و"أبو البختري" ، هو: "سعيد بن فيروز الطائي" مضى برقم: 175 ، 1497.(182) في المطبوعة والمخطوطة: "من كان منتحلا..." بغير واو في أوله الكلام ، وهو فساد ، والصواب إثباتها.(183) في المخطوطة والمطبوعة: "فهو إلى البراءة منها أقرب إلى اللحاق..." ، بإسقاط"منه" ، وهو اختلال شديد ، والصواب إثباتها.(184) في المطبوعة: "وكان إجماعًا من الحجة إحلال ذبيحة كل نصراني ويهودي انتحل دين النصارى أو اليهودي ، فأحل..." ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، فوضع مكان ما حذف منها ما وضع. وكان في المخطوطة: "وكان إجماعًا من الحجة ألا بأس فذبيحة كل نصراني ويهودي دان دين النصراني أو اليهودي" ، وظاهر أن صواب قراءة صدر هذه الجملة هو ما أثبته ، وهو مطابق لما جاء في الآثار السالفة من 11222-11229.(185) السياق: وإذ كان ذلك كذلك ، وكان إجماعًا من الحجة... فبين خطأ ما قال الشافعي...(186) السياق: فبين خطأ ما قال الشافعي... وصواب ما خالف تأويله ذلك.(187) الأثر: 11240-"إسحق بن سليمان الرازي العبدي ، سلف برقم: 6456.و"أبو سنان" هو: "سعيد بن سنان الشيباني" ، مضى برقم: 175.(188) الأثر: 11249-"المعلى بن أسد العمي" الحافظ الثقة ، روى عنه البخاري ، والباقون بالواسطة. مترجم في التهذيب ، ومضى غير مترجم برقم: 7232.(189) في المطبوعة: "يعني ابن يزيد" ، وهو خطأ ، محض ، وهو إسناد دائر في التفسير.(190) الأثر: 11255-"معاوية" ، هو"معاوية بن صالح بن حدير الحمصي الحضرمي" ، مضى برقم: 186 ، 187 ، 2072 ، 8472.و"أبو الزاهرية" ، وهو"حدير بن كريب الحضرمي = أو الحميري". روى عن حذيفة ، وأبي الدرداء ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وغيرهم من الصحابة.روى عنه معاوية بن صالح ، وغيره. قال ابن سعد: "وكان ثقة إن شاء الله ، كثير الحديث". مترجم في التهذيب ، والكبير 2/1/91.وفي هذا الإسناد إشكال. فإن ظاهره أن أبا الزاهرية حدير بن كريب ، روى الأثر عن"أبي الأسود ، عن عمير بن الأسود" ، وهذا محال. فإن أبا الزاهرية يروي مباشرة عن أبي الدرداء. فأكبر ظني أن في أصول التفسير سقطًا أو خرمًا في هذا الموضع ، وأن الإسناد انتهى عند قوله"حدير بن كريب" وسقط أثر حدير بن كريب عن أبي الدرداء ، وبدأ إسناد آخر -لا ندري ما هو- ينتهي إلى أبي الأسود عن عمير بن الأسود ، أنه سأل أبا الدرداء... إلخ. وسيظهر صواب ذلك فيما يأتي.و"أبو الأسود" في هذا الإسناد التالي ، لم أعرف من يكون فيمن يكنى بأبي الأسود.وأما "عمير بن الأسود العنسي" ، فزعم ابن حجر ، أنه هو"عمرو بن الأسود" وبذلك ترجم له في التهذيب (8: 4) وأنهما رجل واحد ، وقال: روى عن عمر ، وابن مسعود ، ومعاذ بن جبل ، وعبادة بن الصامت ، وغيرهم من الصحابة. وقال ابن أبي حاتم 3/1/375: "عمير بن الأسود العنسي الشامي" ، سمع عبادة ، وأبا الدرداء ، وأم حرام. روى عنه خالد بن معدان ، سمعت أبي يقول ذلك". وترجم أيضًا"عمرو بن الأسود القيسي" ، وقال: "روى عن عمر بن الخطاب ، وابن مسعود ، وعبادة بن الصامت. روى عنه مجاهد ، وخالد بن معدان..." ، ففرق تفريقًا ظاهرًا بين"عمرو بن الأسود القيسي" ، و"عمير بن الأسود العنسي".وكذلك فعل ابن سعد في الطبقات 7/2/153 ، ففرق بينهما قال: "عمير بن الأسود: سأل أبا الدرداء عن طعام أهل الكتاب. وروى عن معاذ بن جبل ، وكان قليل الحديث ثقة".ثم عقد ترجمة أخرى: "وعمرو بن الأسود السكوني: روى عن عمر ومعاذ ، وله أحاديث".فلا أدري من أين جعلهما الحافظ ابن حجر ، رجلا واحدًا!!وقد ثبت بما رواه ابن سعد ، أن هذا الأثر ، إنما هو من حديث عمير بن الأسود ، أنه سأل: أبا الدرداء ، وأنه حديث آخر ، غير حديث حدير بن كريب أبي الزاهرية.هذا ، ولم أجد هذا الأثر -أو هذين الأثرين- في مكان آخر ، وقد أغفل ابن كثير روايته في تفسيره ، وأغفله أيضًا السيوطي في الدر المنثور. وكتبه: محمود محمد شاكر.(191) انظر تفسير"المحصنات" ، و"الإحصان" فيما سلف 8: 151-169/ ثم 8: 185-190.(192) انظر تفسير"آتى" فيما سلف من فهارس اللغة.(193) انظر تفسير"آتى" فيما سلف من فهارس اللغة.(194) انظر تفسير"الأجور" فيما سلف من فهارس اللغة.(195) في المطبوعة والمخطوطة: "من أي أجناس كانت" ، وزدت"الناس" ، لأن السياق يقتضيها اقتضاء لا شك فيه. ولو قلت مكانها: "من أي أجناس اليهود والنصارى كانت" ، لكان صوابا أيضًا.(196) في المطبوعة: "أن نتزوجهن" ، وأثبت ما في المخطوطة.(197) "المصدق" هو العامل على الصدقات ، يجمعها من أهلها.(198) "الأوداج" جمع"ودج" (بفتحتين): وهو عرق متصل من الرأس إلى النحر ، والأوداج: عروق تكتنف الحلقوم.(199) هذه الأخبار السالفة ، أدب من آداب هذا الدين عظيم ، وهدي من هدي أهل الإيمان ، أمروا به ، ومضوا عليه. حتى خلفت من بعدهم الخلوف ، فجهلوا أمر دينهم ، وغالوا غلوا فاحشًا في استبشاع زلة من زل من أهل الإيمان ، فقتل الرجل منهم بنته وأخته ومن له عليها الولاية. وما فعلوا ذلك ، إلا بعد أن فارقوا جادة الإيمان في سائر ما أمرهم الله به ، فاستمسكوا بالغلو الفاحش ، وظنوا ذلك من تمام ديانتهم ومروءتهم. وهذا دليل على أن كل تفريط في الدين ، يقابله في الجانب الآخر غلو في التدين بغير دين! ورحم الله عمر بن الخطاب ، ما كان أبصره بالناس وأرحمه بهم.(200) قوله: "اتخذت مملوكها" ، أي أمكنته من نفسها ، وتسرت به كأنه زوج لها.(201) في المطبوعة: "فقرب العبد" بالقاف ، وهو في المخطوطة كما أثبته غير منقوط ، وصواب قراءته ما أثبت. و"التغريب": النفي. و"جز رأسه": أي قص شعره. ولم يرد القتل.(202) في المطبوعة والمخطوطة: "تسرى قبل أن يدخل بها" ، وكأن الصواب ما أثبت. انظر الأثر التالي.(203) في المطبوعة والمخطوطة: "في البكر تهجر" ، ولا معنى لذلك ، والصواب ما أثبت.(204) انظر الأم 5: 6 قوله: "ولا يحل نكاح حرائر من دان من العرب دين اليهودية والنصرانية ، لأن أصل دينهم كان الحنيفية ، ثم ضلوا بعبادة الأوثان ، وإنما انتقلوا إلى دين أهل الكتاب بعده ، لا بأنهم كانوا الذين دانوا بالتوراة والإنجيل فضلوا عنهما وأحدثوا فيها ، إنما ضلوا عن الحنيفية ، ولم يكونوا كذلك ، لا تحل ذبائحهم ، وكذلك كل أعجمي كان أصل دين من مضى من آبائه عبادة الأوثان ، ولم يكن من أهل الكتابين المشهورين التوراة والإنجيل ، فدان دينهم ، لم يحل نكاح نسائهم". وانظر سنن البيهقي 7: 173.(205) الأثر: 11285-"محمد بن عقبة بن المغيرة الشيباني" ، "أبو عبد الله الطحان". روى عن أبي إسحق الفزاري ، وسوار بن مصعب ، وغيرهما. روى عنه البخاري وأبو كريب وغيرهما. قال البخاري"معروف الحديث" ، وقال أبو حاتم"ليس بالمشهور" ، وذكره ابن حبان في الثقات. قال ابن حجر: "وماله في البخاري سوى حديثين: أحدهما في الجمعة ، متابعة. والآخر في الاعتصام ، مقرونًا". مترجم في التهذيب ، والكبير 1/1/200.و"الفزاري" ، هو"أبو إسحق الفزاري": "إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة الفزاري" ، الإمام الثقة. مضى برقم: 3833.و"سفيان بن حسين الواسطي" ، مضى برقم: 3471 ، 6462.(206) انظر ما سلف 8: 189 ، 190.(207) يعني قول الشافعي فيما سلف ص 587 ، 588: تعليق: 1.(208) انظر ما سلف 4: 362-369.(209) انظر تفسير"الأجر" فيما سلف من فهارس اللغة.(210) انظر تفسير"الإحصان" فيما سلف 8: 151-169/ ثم 8: 185-190 = وتفسير"السفاح" فيما سلف 8: 174 ، 175 ، 193-195 = وتفسير"الخدن" فيما سلف 8: 193-195.(211) "البينة" ، سلف ذكرها في الأثرين رقم 9002 ، 9008 (انظر 8: 161 ، تعليق: 1 = ثم ص: 162 تعليق: 2). وقد بدا لي هنا أنه عنى بقوله"البينة" ، إعلان النكاح. فراجع ما كتبته هناك ، فإني في شك من ذلك كله.(212) الأثر: 11289-"سليمان بن المغيرة القيسي" ، "أبو سعيد البصري" ، روى عن أبيه ، وثابت البناني ، والحسن ، وابن سيرين ، وغيرهم. روى عنه الثوري وشعبة ، وماتا قبله ، ثم جماعة كثيرة من الثقات ، من ثقات أهل البصرة. مترجم في التهذيب.(213) انظر تفسير"حبط" فيما سلف 4: 317/6: 287.(214) انظر تفسير"الخاسر" ، و"الخسران" فيما سلف 9: 224 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.(215) في المطبوعة: "قال: بالإيمان ، بالله" ، غير ما في المخطوطة ، وهو صواب.(216) انظر تفسير"الكفر" و"الإيمان" في فهارس اللغة.
﴿ اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين ﴾