إن الذين اتقوا الله بامتثال ما أمر واجتناب ما نهى في بساتين وأنهار جارية يقال لهم: ادخلوا هذه الجنات سالمين من كل سوء آمنين من كل عذاب. ونزعنا ما في قلوبهم من حقد وعداوة، يعيشون في الجنة إخوانًا متحابين، يجلسون على أسرَّة عظيمة، تتقابل وجوههم تواصلا وتحاببًا، لا يصيبهم فيها تعب ولا إعياء، وهم باقون فيها أبدًا.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«لا يمسهم فيها نَصَبٌ» تعب «وما هم منها بمخرجين» أبدا.
﴿ تفسير السعدي ﴾
لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ لا ظاهر ولا باطن، وذلك لأن الله ينشئهم نشأة وحياة كاملة لا تقبل شيئا من الآفات، وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ على سائر الأوقات.
﴿ تفسير البغوي ﴾
لا يمسهم ، لا يصيبهم ، فيها نصب ، أي : تعب ، وما هم منها بمخرجين ، هذه أنص آية في القرآن على الخلود .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم ختم- سبحانه- بيان جزائهم بقوله: لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ.والنصب: التعب والإعياء. يقال: نصب الرجل نصبا- من باب طرب- إذا نزل به التعب والهم. ويقال فلان في عيش ناصب، أى فيه كد وجهد.قال ابن كثير قوله- تعالى-: لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ يعنى مشقة وأذى كما جاء في الصحيحين، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله أمرنى أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب» .وقوله وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ- بل هم باقون في الجنات بقاء سرمديا دائما لا ينقطع- كما جاء في الحديث: «يقال- لأهل الجنة- يا أهل الجنة: إن لكم أن تصحوا فلا تمرضوا أبدا، وإن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تقيموا فلا تظعنوا أبدا» .فأنت ترى أن هذه الآيات الكريمة قد اشتملت على بشارات للمؤمنين الصادقين، هذه البشارات مقرونة بالتعظيم، خالية من الشوائب والاضرار، باقية لا انقطاع لها.أما البشارات فتراها في قوله- تعالى- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ.وأما اقترانها بالتعظيم والتكريم، فتراه في قوله- تعالى-: ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ.وأما خلوها من الشوائب والاضرار، فتراه في قوله- تعالى-: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً....وأما بقاؤها واستمرارها، فتراه في قوله- تعالى-: وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ.هذا، وشبيه بهذه الآيات قوله- تعالى-: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ ... «2» .وقوله- تعالى- وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ، وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا، وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ ... .وقوله- تعالى-: وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ. الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ .وقوله- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا. خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا .ثم بين- سبحانه- نماذج لمن شملتهم رحمته لإيمانهم وعملهم الصالح، ولمن شملتهم نقمته لكفرهم وعملهم الطالح، ومن هذه النماذج تبشيره لإبراهيم- وهو شيخ كبير- بغلام عليم، وإنجاؤه لوطا ومن آمن معه من العذاب المهين، وإهلاكه المجرمين من قومه.. قال- تعالى-:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( لا يمسهم فيها نصب ) يعني : المشقة والأذى ، كما جاء في الصحيحين : " إن الله أمرني أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب "وقوله : ( وما هم منها بمخرجين ) كما جاء في الحديث : " يقال يا أهل الجنة ، إن لكم أن تصحوا فلا تمرضوا أبدا ، وإن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبدا ، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا ، وإن لكم أن تقيموا فلا تظعنوا أبدا " ، وقال الله تعالى : ( خالدين فيها لا يبغون عنها حولا ) [ الكهف : 108 ]
﴿ تفسير القرطبي ﴾
لا يمسهم فيها نصب أي إعياء وتعب .وما هم منها بمخرجين دليل على أن نعيم الجنة دائم لا يزول ، وأن أهلها فيها باقون . أكلها دائم إن هذا لرزقنا ما له من نفاد .
﴿ تفسير الطبري ﴾
يقول تعالى ذكره: لا يَمسّ هؤلاء المتقين الذين وصف صِفتهم في الجنات نَصَب، يعني تَعَب ( وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ ) يقول: وما هم من الجنة ونعيمها وما أعطاهم الله فيها بمخرجين، بل ذلك دائم أبدا.