إن الذين جحدوا بهذا القرآن وكذَّبوا به حين جاءهم هالكون ومعذَّبون، وإن هذا القرآن لكتاب عزيز بإعزاز الله إياه وحفظه له من كل تغيير أو تبديل، لا يأتيه الباطل من أي ناحية من نواحيه ولا يبطله شيء، فهو محفوظ من أن يُنقص منه، أو يزاد فيه، تنزيل من حكيم بتدبير أمور عباده، محمود على ما له من صفات الكمال.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه» أي ليس قبله كتاب يكذبه ولا بعده «تنزيل من حكيم حميد» أي الله المحمود في أمره.
﴿ تفسير السعدي ﴾
لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ أي: لا يقربه شيطان من شياطين الإنس والجن، لا بسرقة، ولا بإدخال ما ليس منه به، ولا بزيادة ولا نقص، فهو محفوظ في تنزيله، محفوظة ألفاظه ومعانيه، قد تكفل من أنزله بحفظه كما قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ في خلقه وأمره، يضع كل شيء موضعه، وينزله منازله. حَمِيدٌ على ما له من صفات الكمال، ونعوت الجلال، وعلى ما له من العدل والإفضال، فلهذا كان كتابه، مشتملاً على تمام الحكمة، وعلى تحصيل المصالح والمنافع، ودفع المفاسد والمضار، التي يحمد عليها.
﴿ تفسير البغوي ﴾
وهو قوله : ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) قال قتادة والسدي : الباطل : هو الشيطان ، لا يستطيع أن يغيره أو يزيد فيه أو ينقص منه .قال الزجاج : معناه أنه محفوظ من أن ينقص منه فيأتيه الباطل من بين يديه أو يزاد فيه فيأتيه الباطل من خلفه . وعلى هذا معنى : " الباطل " الزيادة والنقصان .وقال مقاتل : لا يأتيه التكذيب من الكتب التي قبله ، ولا يجيء من بعده كتاب فيبطله . . ( تنزيل من حكيم حميد ) ثم عزى نبيه - صلى الله عليه وسلم - على تكذيبهم
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم أكد- سبحانه- هذا المعنى فقال: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ أى: لا يستطيع الباطل أن يتطرق إليه من أى جهة من الجهات، لا من جهة لفظه ولا من جهة معناه لأن الله- تعالى- تكفل بحفظه وصيانته، كما قال- تعالى- إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: أما طعن فيه الطاعنون وتأوله المبطلون؟قلت: بلى، ولكن الله قد تكفل بحمايته عن تعلق الباطل به، بأن قيض قوما عارضوهم بإبطال تأويلهم، وإفساد أقاويلهم. فلم يخلوا طعن طاعن إلا ممحوقا، ولا قول مبطل إلا مضمحلا..وقوله: تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ أى: هذا الكتاب منزل من لدن الله الحكيم في أقواله وأفعاله، المحمود على ما أسدى لعباده من نعم لا تحصى.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) أي : ليس للبطلان إليه سبيل ; لأنه منزل من رب العالمين ; ولهذا قال : ( تنزيل من حكيم حميد ) أي : حكيم في أقواله وأفعاله ، حميد بمعنى محمود ، أي : في جميع ما يأمر به وينهى عنه ، الجميع محمودة عواقبه وغاياته .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أي لا يكذبه شيء مما أنزل الله من قبل ، ولا ينزل من بعده يبطله وينسخه ، قاله الكلبي . وقال السدي وقتادة : لا يأتيه الباطل يعني الشيطان من بين يديه ولا من خلفه لا يستطيع أن يغير ولا يزيد ولا ينقص . وقال سعيد بن جبير : لا يأتيه التكذيب من بين يديه ولا من خلفه ابن جريج : لا يأتيه الباطل فيما أخبر عما مضى ولا فيما أخبر عما يكون . وعن ابن عباس : من بين يديه من الله تعالى : ولا من خلفه يريد من جبريل - صلى الله عليه وسلم - ، ولا من محمد صلى الله عليه وسلم .تنزيل من حكيم حميد ابن عباس : حكيم في خلقه حميد إليهم . قتادة : حكيم في أمره حميد إلى خلقه .
﴿ تفسير الطبري ﴾
وقوله: ( لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ) اختلف أهل التأويل في تأويله فقال بعضهم: معناه: لا يأتيه النكير من بين يديه ولا من خلفه.* ذكر من قال ذلك:حدثنا أبو كريب, قال: ثنا ابن يمان, عن أشعث, عن جعفر, عن سعيد ( لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ) قال: النكير من بين يديه ولا من خلفه.وقال آخرون: معنى ذلك: لا يستطيع الشيطان أن ينقص منه حقا, ولا يزيد فيه باطلا قالوا: والباطل هو الشيطان.وقوله: ( مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ) من قبل الحق ( وَلا مِنْ خَلْفِهِ ) من قبل الباطل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ) الباطل: إبليس لا يستطيع أن ينقص منه حقا, ولا يزيد فيه باطلا.وقال آخرون: معناه: إن الباطل لا يطيق أن يزيد فيه شيئا من الحروف ولا ينقص, منه شيئا منها.* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد بن المفضل, قال: ثنا أسباط, عن السديّ ( لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ) قال: الباطل: هو الشيطان لا يستطيع أن يزيد فيه حرفا ولا ينقص.وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال: معناه: لا يستطيع ذو باطل بكيده تغييره بكيده, وتبديل شيء من معانيه عما هو به, وذلك هو الإتيان من بين يديه, ولا إلحاق ما ليس منه فيه, وذلك إتيانه من خلفه.وقوله: ( تَنزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) يقول تعالى ذكره: هو تنزيل من عند ذي حكمة بتدبير عباده, وصرفهم فيما فيه مصالحهم, ( حَمِيدٍ ) يقول: محمود على نعمه عليهم بأياديه عندهم.
﴿ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنـزيل من حكيم حميد ﴾