فقلنا له: اضرب برجلك الأرض ينبع لك منها ماء بارد، فاشرب منه، واغتسِلْ فيذهب عنك الضر والأذى.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
وقيل له «اركض» اضرب «برجلك» الأرض فضرب فنبعت عين ماء فقيل: «هذا مغتسل» ماء تغتسل به «بارد وشراب» تشرب منه، فاغتسل وشرب فذهب عنه كل داء كان بباطنه وظاهره.
﴿ تفسير السعدي ﴾
فقيل له: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ أي: اضرب الأرض بها، لينبع لك منها عين تغتسل منها وتشرب، فيذهب عنك الضر والأذى، ففعل ذلك، فذهب عنه الضر، وشفاه اللّه تعالى.
﴿ تفسير البغوي ﴾
فلما انقضت مدة بلائه قيل له : ( اركض برجلك ) اضرب برجلك الأرض ففعل فنبعت عين ماء ، ( هذا مغتسل ) فأمره الله أن يغتسل منها ، ففعل فذهب كل داء كان بظاهره ، ثم مشى أربعين خطوة ، فركض الأرض برجله الأخرى ، فنبعت عين أخرى ، ماء عذب بارد ، فشرب منه ، فذهب كل داء كان بباطنه ، فقوله : " هذا مغتسل بارد " يعني : الذي اغتسل منه ، ) ( وشراب ) أراد الذي شرب منه .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله- سبحانه-: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ حكاية لما قيل له بعد ندائه لربه، أو مقول لقول محذوف معطوف على قوله نادى.وقوله: ارْكُضْ بمعنى الدفع والتحريك للشيء. يقال: ركض فلان الدابة برجله إذا دفعها وحركها بها.والمغتسل: اسم للمكان الذي يغتسل فيه، والمراد به هنا: الماء الذي يغتسل به.وقوله: هذا مُغْتَسَلٌ مقول لقول محذوف.والمعنى: لقد نادانا عبدنا أيوب بعد أن أصابه من الضر ما أصابه، والتمس منا الرحمة والشفاء مما نزل به من مرض، فاستجبنا له دعاءه، وأرشدناه الى الدواء، بأن قلنا له:«اركض برجلك» أى: اضرب بها الأرض، فضربها فنبعت من تحت رجله عين الماء، فقلنا له: هذا الماء النابع من العين إذا اغتسلت به وشربت منه، برئت من الأمراض، ففعل ما أمرناه به، فبرئ بإذننا من كل داء.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
يذكر تعالى عبده ورسوله أيوب - عليه السلام - وما كان ابتلاه تعالى به من الضر في جسده وماله وولده حتى لم يبق من جسده مغرز إبرة سليما سوى قلبه ولم يبق له من حال الدنيا شيء يستعين به على مرضه وما هو فيه غير أن زوجته حفظت وده لإيمانها بالله ورسوله فكانت تخدم الناس بالأجرة وتطعمه وتخدمه نحوا من ثماني عشرة سنة . وقد كان قبل ذلك في مال جزيل وأولاد وسعة طائلة من الدنيا فسلب جميع ذلك حتى آل به الحال إلى أن ألقي على مزبلة من مزابل البلدة هذه المدة بكمالها ورفضه القريب والبعيد سوى زوجته - رضي الله عنها - فإنها كانت لا تفارقه صباحا و [ لا ] مساء إلا بسبب خدمة الناس ثم تعود إليه قريبا . فلما طال المطال واشتد الحال وانتهى القدر المقدور وتم الأجل المقدر تضرع إلى رب العالمين وإله المرسلين فقال : ( أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) [ الأنبياء : 83 ] وفي هذه الآية الكريمة قال : رب ، إني مسني الشيطان بنصب وعذاب ، قيل : بنصب في بدني وعذاب في مالي وولدي . فعند ذلك استجاب له أرحم الراحمين وأمره أن يقوم من مقامه وأن يركض الأرض برجله . ففعل فأنبع الله عينا وأمره أن يغتسل منها فأذهب جميع ما كان في بدنه من الأذى ثم أمره فضرب الأرض في مكان آخر فأنبع له عينا أخرى وأمره أن يشرب منها فأذهبت ما كان في باطنه من السوء وتكاملت العافية ظاهرا وباطنا ولهذا قال تعالى : ( اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب )قال ابن جرير ، وابن أبي حاتم جميعا : حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني نافع بن يزيد عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن نبي الله أيوب - عليه السلام - لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين كانا من أخص إخوانه به كانا يغدوان إليه ويروحان فقال أحدهما لصاحبه : تعلم - والله - لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين . قال له صاحبه : وما ذاك ؟ قال : من ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله ، فيكشف ما به فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له . فقال أيوب : لا أدري ما تقول غير أن الله يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله - عز وجل - فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما ، كراهية أن يذكرا الله إلا في حق . قال : وكان يخرج إلى حاجته فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ فلما كان ذات يوم أبطأ عليها وأوحى الله تعالى إلى أيوب - عليه السلام - أن ( اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ) فاستبطأته فتلقته تنظر فأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو على أحسن ما كان . فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله هذا المبتلى . فوالله على ذلك ما رأيت رجلا أشبه به منك إذ كان صحيحا . قال : فإني أنا هو . قال : وكان له أندران أندر للقمح وأندر للشعير فبعث الله سحابتين فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض وأفرغت الأخرى في أندر الشعير حتى فاض . هذا لفظ ابن جرير رحمه اللهوقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بينما أيوب يغتسل عريانا خر عليه جراد من ذهب فجعل أيوب يحثو في ثوبه فناداه ربه يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى ؟ قال : بلى يا رب ولكن لا غنى بي عن بركتك " .انفرد بإخراجه البخاري من حديث عبد الرزاق به
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : اركض برجلك الركض الدفع بالرجل . يقال : ركض الدابة وركض ثوبه برجله . وقال المبرد : الركض التحريك ، ولهذا قال الأصمعي : يقال ركضت الدابة ولا يقال ركضت هي ; لأن الركض إنما هو تحريك راكبها رجليه ، ولا فعل لها في ذلك . وحكى سيبويه : ركضت الدابة فركضت مثل جبرت العظم فجبر ، وحزنته فحزن ، وفي الكلام إضمار أي : قلنا له : اركض . قال الكسائي : وهذا لما عافاه الله . هذا مغتسل بارد وشراب أي فركض فنبعت عين ماء فاغتسل به ، فذهب الداء من ظاهره ، ثم شرب منه فذهب الداء من باطنه . وقال قتادة : هما عينان بأرض الشام في أرض يقال لها الجابية ، فاغتسل من إحداهما فأذهب الله تعالى ظاهر دائه ، وشرب من الأخرى فأذهب الله تعالى باطن دائه . ونحوه عن الحسن ومقاتل ، قال مقاتل : نبعت عين حارة واغتسل فيها فخرج صحيحا ، ثم نبعت عين أخرى فشرب منها ماء عذبا . وقيل : أمر بالركض بالرجل ليتناثر عنه كل داء في جسده . والمغتسل الماء الذي يغتسل به ، قال القتبي : وقيل : إنه الموضع الذي يغتسل فيه ، قال مقاتل . الجوهري : واغتسلت بالماء ، والغسول : الماء الذي يغتسل به ، وكذلك المغتسل ، قال الله تعالى : هذا مغتسل بارد وشراب والمغتسل أيضا الذي يغتسل فيه ، والمغسل والمغسل بكسر السين وفتحها مغسل الموتى والجمع المغاسل . واختلف كم بقي أيوب في البلاء ، فقال ابن عباس : سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات . وقال وهب بن منبه : أصاب أيوب البلاء سبع سنين ، وترك يوسف ، في السجن سبع سنين ، وعذب بختنصر وحول في السباع سبع سنين . ذكره أبو نعيم . وقيل : عشر سنين . وقيل : ثمان عشرة سنة . رواه أنس مرفوعا فيما ذكر الماوردي : قلت : وذكره ابن المبارك ، أخبرنا يونس بن يزيد ، عن عقيل عن ابن شهاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر يوما أيوب ، وما أصابه من البلاء ، وذكر أن البلاء الذي أصابه كان به ثمان عشرة سنة . وذكر الحديث القشيري . وقيل : أربعين سنة .
﴿ تفسير الطبري ﴾
حدثني بشر بن آدم, قال: ثنا أبو قُتيبة, قال: ثنا أبو هلال, قال: سمعت الحسن, في قول الله: ( ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ) فركض برجله, فنبعت عين فاغتسل منها, ثم مشى نحوا من أربعين ذراعا, ثم ركض برجله, فنبعت عين, فشرب منها, فذلك قوله ( ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ )وعنى بقوله ( مُغْتَسَلٌ ) : ما يُغْتَسل به من الماء, يقال منه: هذا مُغْتَسل, وغسول للذي يَغْتسل به من الماء. وقوله ( وَشَرَابٌ ) يعني: ويشرب منه, والموضع الذي يغتسل فيه يسمى مغتسلا.