والذين جحدوا وكذبوا بآياتنا المتلوة ودلائل توحيدنا، أولئك الذين يلازمون النار، هم فيها خالدون، لا يخرجون منها.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«والذين كفروا وكذبوا بآياتنا» كتبنا «أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون» ماكثون أبداً لا يفنون ولا يخرجون.
﴿ تفسير السعدي ﴾
تفسير الآيتين 38 و 39 : كرر الإهباط, ليرتب عليه ما ذكر وهو قوله: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى أي: أيَّ وقت وزمان جاءكم مني -يا معشر الثقلين- هدى, أي: رسول وكتاب يهديكم لما يقربكم مني, ويدنيكم مني; ويدنيكم من رضائي، فمن تبع هداي منكم, بأن آمن برسلي وكتبي, واهتدى بهم, وذلك بتصديق جميع أخبار الرسل والكتب, والامتثال للأمر والاجتناب للنهي، فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وفي الآية الأخرى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى فرتب على اتباع هداه أربعة أشياء: نفي الخوف والحزن والفرق بينهما, أن المكروه إن كان قد مضى, أحدث الحزن, وإن كان منتظرا, أحدث الخوف، فنفاهما عمن اتبع هداه وإذا انتفيا, حصل ضدهما, وهو الأمن التام، وكذلك نفي الضلال والشقاء عمن اتبع هداه وإذا انتفيا ثبت ضدهما، وهو الهدى والسعادة، فمن اتبع هداه, حصل له الأمن والسعادة الدنيوية والأخروية والهدى، وانتفى عنه كل مكروه, من الخوف, والحزن, والضلال, والشقاء، فحصل له المرغوب, واندفع عنه المرهوب، وهذا عكس من لم يتبع هداه, فكفر به, وكذب بآياته. ف أولئك أصحاب النار أي: الملازمون لها, ملازمة الصاحب لصاحبه, والغريم لغريمه، هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ لا يخرجون منها، ولا يفتر عنهم العذاب ولا هم ينصرون. وفي هذه الآيات وما أشبهها, انقسام الخلق من الجن والإنس, إلى أهل السعادة, وأهل الشقاوة, وفيها صفات الفريقين والأعمال الموجبة لذلك، وأن الجن كالإنس في الثواب والعقاب, كما أنهم مثلهم, في الأمر والنهي.
﴿ تفسير البغوي ﴾
والذين كفروا يعني جحدواوكذبوا بآياتنا بالقرآن.أولئك أصحاب النار يوم القيامةهم فيها خالدون لا يخرجون منها ولا يموتون فيها.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ونفى الخوف والحزن عن المهتدين يوم القيامة كناية عن سلامتهم من العذاب وفوزهم بالنعيم الخالد في الجنة ، فتمت المقابلة بين جزاء المهتدين وجزاء الكافرين المشار إليه بقوله - تعالى - :( والذين كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .إذ هذه الآية الكريمة معطوفة على قوله - تعالى - ( فَمَن تَبِعَ هُدَايَ ) . إلخ ، وورادة مورد المقابل له في تفصيل أحوال من يأتيهم الهدى من الله .ولم يقل : والذين لم يتبعوا هداي أولئك أصحاب النار . . وإنما قال : ( والذين كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أولئك . . . ) إلخ ، وذلك لأن من لم يتبع هدى الله يشمل من لم تبلغه الدعوة ، وغير المكلفين مثل الصبيان وفاقدي العقل ، وهؤلاء ليسو من أصحاب النار . فظهر أن قوله : ( والذين كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ . . . ) جيء به على قدر من يستحقون الحكم عليهم بأنهم من أصحاب النار والمجازاة بالعذاب الخالد الأليم .والآيات : جمع آية ، وهي في الأصل العلامة ، وتستعمل في الطائفة من الكتاب المنزل ، وفيما يستدل به على وجود الله وتوحيده ، من نحو بدائع مصنوعاته ومظاهر عنايته بالإِنسان .وأضاف - سبحانه - الآيات إلى نفسه فقال : ( بِآيَاتِنَآ ) ليكون قبح التكذيب بها أظهر ، وأتى بنون العظمة فقال ( بآياتنا ) دون أن يقول " بآياتي " لبعث المهابة في نفوس السامعين ، وذلك أدعى إلى تلقي الوعيد باهتمام وخشية .وأصحاب : جمع صاحب مأخوذ من الصحبة ، وهي الاقتران والملازمة ، ودل بقوله : ( هُمْ فِيهَا خَالِدُون ) على أن صحبتهم للنار دائمة ، وليست من الصحبة التي تستمر مدة ثم تنقطع .هذا جانب من قصة آدم كما حكاه القرآن في هذه السورة ، ومن الحكم التي تؤخذ منها : أن سياسة الأمم على الطريقة المثلى إنما تقوم على أساس راسخ من العلم ، وأن فضل العلم النافع فوق فضل العبادة ، وأن روح الشر الخبيثة إذا طغت على نفس من النفوس ، جعلتها لا ترى البراهين الساطعة ، ولا يوجهها إلى الخير وعد ، ولا يردعها عن الشر وعيد .كما يستفاد منها كيف أن الرئيس يفسح المجال لمرؤوسيه المخلصين ، يجادلونه في أمر يريد قضاءه ، ولا يزيد عن أن يبين لهم وجهة نظره في رفق ، وإذا تجاوزوا حدود الأدب اللائق به راعى في عتابهم ما عرفه فيهم من سلامة القلب ، وتلقى أوامره بحسن الطاعة .كما يؤخذ منها أن المتقلب في نعمة يجب أن يحافظ عليها بشكر الله ، ولا يعمل عملا فيه مخالفة لأوامر الله؛ لأن مخالفة أوامر الله ، كثيراً ما تؤدي إلى زوال النعمة ، ومن أراد أن تزداد النعم بين يديه ، فعليه أن يلتزم طاعة الله وشكره .وقال بعض العلماء : وقد يتبادر إلى الذهن أن آدم قد ارتكب ما نهى عنه ، ارتكاب من يتعمد المخالفة ، فيكون أكله من الشجرة معصية ، مع أنه من الأنبياء المرسلين ، والرسل معصومون من مخالفة أوامر الله .والجواب عن ذلك أن آدم تعمد الأكل من الشجرة ، ناسياً النهي عن الأكل منها ، وفعل المنهي عنه على وجه النسيان لا يعد من قبيل المعاصي التي يرتكبها الشخص وهو متذكر أنه يرتكب محرماً ، إذ أن ارتكاب المحرم عن علم وتذكر هو الذي يجعل مرتكبه مستحقاً للعقاب ، والأنبياء معصومون من ذلك .وإذا عاتب الله بعض الأخبار من عباده على ما صدر منهم على وجه النسيان ، فلأن علمهم بالنهي يدعوهم إلى أن يقع النهي من نفوسهم موقع الاهتمام ، بحيث يستفظعون مخالفته استفظاعاً يملأ نفوسهم بالنفور منها ، ويجعلهم على حذر من الوقوع في بلائها .فالذي وقع من آدم - عليه السلام - هو أنه غفل عن الأخذ بالحزم في استحضار النهي وجعله نصب عينيه حتى أدركه النسيان ، ففعل ما نهى عنه غير متعمد للمخالفة ، قال - تعالى - :( وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إلى ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ) هذا ، وبعد أن ذكر القرآن الكريم الناس جميعاً بنعم الله عليهم ، ليحملهم بذلك على إخلاص العبادة له ، وتصديق رسوله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ، ومن بين هذه النعم خلق آدم وإظهار فضله على الملائكة ، بعد كل ذلك اتجه إلى تذكير طائفة خاصة من الكافرين المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم وهم بنو إسرائيل ، استمالة لقلوبهم نحو الإِيمان بالله ، وكسرا لعنادهم ولجاجتهم ، فقال - تعالى - :( يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذكروا نِعْمَتِيَ التي أَنْعَمْتُ . . . ) .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
كما قال هاهنا : ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) أي : مخلدون فيها ، لا محيد لهم عنها ، ولا محيص .وقد أورد ابن جرير ، رحمه الله ، هاهنا حديثا ساقه من طريقين ، عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد ، عن أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة عن أبي سعيد - واسمه سعد بن مالك بن سنان الخدري - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ، لكن أقواما أصابتهم النار بخطاياهم ، أو بذنوبهم فأماتتهم إماتة ، حتى إذا صاروا فحما أذن في الشفاعة . وقد رواه مسلم من حديث شعبة عن أبي سلمة به .[ وذكر هذا الإهباط الثاني لما تعلق به ما بعده من المعنى المغاير للأول ، وزعم بعضهم أنه تأكيد وتكرير ، كما تقول : قم قم ، وقال آخرون : بل الإهباط الأول من الجنة إلى السماء الدنيا ، والثاني من سماء الدنيا إلى الأرض ، والصحيح الأول ، والله تعالى أعلم بأسرار كتابه ] .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون قوله تعالى : والذين كفروا أي أشركوا ، لقوله : وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون الصحبة : الاقتران بالشيء في حالة ما ، في زمان ما ، فإن كانت الملازمة والخلطة فهي كمال الصحبة ، وهكذا هي صحبة أهل النار لها ، وبهذا القول ينفك الخلاف في تسمية الصحابة رضي الله عنهم إذ مراتبهم متباينة على ما نبينه في " براءة " إن شاء الله وباقي ألفاظ الآية تقدم معناها والحمد لله .
﴿ تفسير الطبري ﴾
وقوله : وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)يعني: والذين جَحدوا آياتي وكذّبوا رسلي. وآيات الله: حُجَجه وأدلتُه على وحدانيّته وربوبيّته، وما جاءت به الرُّسُل من الأعلام والشواهد على ذلك، وعلى صدقها فيما أنبأتْ عن ربّها. وقد بيّنا أن معنى الكفر، التغطيةُ على الشيء (14) ." أولئك أصحاب النار "، يعني: أهلُها الذين هم أهلها دون غيرهم، المخلدون فيها أبدًا إلى غير أمَدٍ ولا نهاية. كما:-797- حدثنا به عُقبة بن سنان البصري، قال: حدثنا غَسان بن مُضَر، قال حدثنا سعيد بن يزيد - وحدثنا سَوَّار بن عبد الله العنبري، قال: حدثنا بشر بن المفضل، قال: حدثنا أبو مَسْلَمَة سعيد بن يزيد - وحدثني يعقوب بن إبراهيم، وأبو بكر بن عون، قالا حدثنا إسماعيل بن عُلَيَّة، عن سعيد بن يزيد - عن أبي نَضْرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمّا أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يَحْيَون، ولكن أقوامًا أصابتْهم النارُ بخطاياهم أو بذنوبهم، فأماتتهم إماتة، حتى إذا صاروا فحمًا أُذِنَ في الشفاعة (15) .---------------الهوامش :(14) انظر ما مضى ص : 255 .(15) الحديث : 797- رواه الطبري هنا بثلاثة أسانيد ، تنتهي إلى سعيد بن يزيد . وذكره ابن كثير 1 : 158 ، ولكنه سها فذكر أنه رواه من طريقين ، وهي ثلاثة كما ترى :و"عقبة بن سنان بن عقبة بن سنان البصري" - شيخ الطبري في الإسناد الأول : ثقة ، سمع منه أبو حاتم ، وقال : "صدوق" . ولم أجد له ترجمة إلا في الجرح والتعديل 3/1/311 . و"غسان بن مضر الأزدي البصري" : ثقة من شيوخ أحمد القدماء ، وقال أحمد : "شيخ ثقة ثقة" . وترجمه البخاري في الكبير 4/1/107 ، وابن أبي حاتم 3/2/51 . و"أبو بكر بن عون" - شيخ الطبري في الإسناد الثالث : لم أستطع أن أعرف من هو؟ ولا أثر لذلك في الإسناد ، فإن الطبري رواه عنه وعن يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، كلاهما عن ابن علية . و"سعيد بن يزيد بن مسلمة أبو مسلمة الأزدي البصري" : تابعي ثقة ، روى له الجماعة . وترجمه البخاري 2/1/476 ، وابن أبي حاتم 2/1/73 . وكنيته"أبو مسلمة" بالميم في أولها . ووقع في تفسير ابن كثير"أبو سلمة" بحذفها ، وهو خطأ مطبعي .وهذا الحديث رواه مسلم 1 : 67-68 ، وابن ماجه : 4309- كلاهما من طريق بشر بن المفضل ، عن سعيد بن يزيد أبي مسلمة ، به . ولكنه عندهما أطول مما هنا . ولم يروه من أصحاب الكتب الستة غيرهما ، كما يدل على ذلك تخريجه في جامع الأصول لابن الأثير : 8085 . وكذلك رواه الإمام أحمد في المسند : 11093 (3 : 11 حلبي) عن ابن علية . ورواه أيضًا أحمد : 11769 (3 : 78-79) ، ومسلم 1 : 68- كلاهما من طريق شعبة ، عن سعيد بن يزيد .وهو في الحقيقة جزء من حديث طويل ، ورواه أحمد في المسند ، مطولا ومختصرًا ، من أوجه ، عن أبي نضرة ، منها : 11029 ، 11168 ، 11218- 11220 (3 : 5 ، 20 ، 25-26 حلبي)
﴿ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ﴾