ولئن سألت -أيها الرسول- هؤلاء المشركين الذين يعبدون غير الله: مَن خلق هذه السموات والأرض؟ ليقولُنَّ: خلقهنَّ الله، فهم يُقِرُّون بالخالق. قل لهم: هل تستطيع هذه الآلهة التي تشركونها مع الله أن تُبْعِدَ عني أذى قدَّره الله عليَّ، أو تزيلَ مكروهًا لَحِق بي؟ وهل تستطيع أن تمنع نفعَا يسَّره الله لي، أو تحبس رحمة الله عني؟ إنهم سيقولون: لا تستطيع ذلك. قل لهم: حسبي الله وكافِيَّ، عليه يعتمد المعتمدون في جلب مصالحهم ودفع مضارهم، فالذي بيده وحده الكفاية هو حسبي، وسيكفيني كل ما أهمني.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«ولئن» لام قسم «سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولنَّ الله قل أفرأيتم ما تدعون» تعبدون «من دون الله» أي الأصنام «إن أرادني الله بضرِّ هل هن كاشفات ضرَّه» لا «أو أرادني برحمة هل هن ممسكاتٌ رحمتَه» لا، وفي قراءة بالإضافة فيهما «قل حسبيَ الله عليه يتوكل المتوكلون» يثق الواثقون.
﴿ تفسير السعدي ﴾
أي: ولئن سألت هؤلاء الضلال الذين يخوفونك بالذين من دونه، وأقمت عليهم دليلا من أنفسهم، فقلت: مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لم يثبتوا لآلهتهم من خلقها شيئا. لَيَقُولُنَّ اللَّهُ الذي خلقها. وحده. قُلْ لهم مقررا عجز آلهتهم، بعد ما تبينت قدرة اللّه: أَفَرَأَيْتُمْ أي: أخبروني مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ أيَّ ضر كان. هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ بإزالته بالكلية، أو بتخفيفه من حال إلى حال؟. أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ يوصل إليَّ بها منفعة في ديني أو دنياي. هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ومانعاتها عني؟.سيقولون: لا يكشفون الضر ولا يمسكون الرحمة.قل لهم بعد ما تبين الدليل القاطع على أنه وحده المعبود، وأنه الخالق للمخلوقات، النافع الضار وحده، وأن غيره عاجز من كل وجه.عن الخلق والنفع والضر، مستجلبا كفايته، مستدفعا مكرهم وكيدهم: قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ أي: عليه يعتمد المعتمدون في جلب مصالحهم ودفع مضارهم،.فالذي بيده - وحده - الكفاية هو حسبي، سيكفيني كل ما أهمني وما لا أهتم به.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر ) بشدة وبلاء ، ( هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة ) بنعمة وبركة ، ( هل هن ممسكات رحمته ) قرأ أهل البصرة : " كاشفات " و " ممسكات " بالتنوين " ضره " " ورحمته " بنصب الراء والتاء . وقرأ الآخرون بلا تنوين وجر الراء والتاء على الإضافة . قال مقاتل : فسألهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فسكتوا ، فقال الله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - : ( قل حسبي الله ) ثقتي به واعتمادي عليه ، ( عليه يتوكل المتوكلون ) يثق به الواثقون .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
والمعنى: ولئن سألت- أيها الرسول الكريم- هؤلاء المشركين: من الذي خلق هذه السموات التي ترونها بأعينكم، وخلق هذه الأرض التي فوقها تعيشون ...لئن سألتهم هذا السؤال، لا يملكون في الإجابة عليه إلا أن يقولوا: خلقهم الله، فلفظ الله فاعل لفعل محذوف.وقولهم هذا دليل واضح على تناقضهم مع أنفسهم. لأنهم يعترفون بأن الخالق هو الله، ولكنهم يشركون معه في العبادة آلهة أخرى لا تنفع ولا تضر..ولذا أمر الله- تعالى- نبيه صلّى الله عليه وسلم أن يقول لهم مبكتا وموبخا: قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ. أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ؟.أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الجاهلين: إذا كان الأمر كما ذكرتم من أن الخالق لهذا الكون هو الله، فأخبرونى عن هذه الآلهة التي تعبدونها من دونه- سبحانه-:أتستطيع أن تدفع ضرا أراده الله- تعالى- بي؟ أم تستطيع أن تمنع رحمة أو خيرا أعطاه الله لي؟ كلا إنها لا تستطيع شيئا من ذلك، وعبادتكم لها إنما هي نوع من السفه والحماقة.وقال- سبحانه-: هَلْ هُنَّ.. بالتأنيث على سبيل التحقير لتلك الآلهة المزعومة، ولأنهم كانوا يسمونها بأسماء الإناث، كاللات، والعزى، ومناة. إلخ.وقدم الضر لأن دفعه أهم، وعلق- سبحانه- إرادة الضر والرحمة بذاته صلّى الله عليه وسلم فقال:إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ ... ليرد عليهم ردا يخرس ألسنتهم، حيث خوفوه صلّى الله عليه وسلم منها وزعموا أنه لو استمر في تحقيرها فإنها ستؤذيه.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم فرض المسألة في نفسه دونهم؟ قلت: لأنهم خوفوه مضرة الأوثان وتخبيلها، فأمر بأن يقررهم- أولا- بأن خالق العالم هو الله وحده، ثم يقول لهم بعد التقرير: فإذا أرادنى خالق العالم الذي أقررتم به بضر من مرض أو فقر أو غير ذلك من النوازل، أو برحمة من صحة أو غنى أو نحوهما. هل هؤلاء اللائي خوفتمونى إياهن كاشفات عنى ضره، أو ممسكات رحمته، حتى إذا ألقمهم الحجر وقطعهم، حتى لا يحيروا ببنت شفة قال: حَسْبِيَ اللَّهُ كافيا لمضرة أوثانكم عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ وفيه تهكم.ويروى أنه صلّى الله عليه وسلم سألهم فسكتوا، فنزل: قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ... .أى: قل- أيها الرسول الكريم- في الرد عليهم وفي السخرية من آلهتهم: الله- تعالى- الخالق لكل شيء، كافينى في جميع أمورى، وعاصمنى من كيدكم وكيد من تتوهمون كيده، وعليه وحده لا على غيره يتوكل المتوكلون، لعلمهم أن كل ما سواه تحت ملكوته وقدرته.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) يعني : [ أن ] المشركين كانوا يعترفون بأن الله هو الخالق للأشياء كلها ، ومع هذا يعبدون معه غيره ، مما لا يملك لهم ضرا ولا نفعا ; ولهذا قال : ( قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته ) أي : لا تستطيع شيئا من الأمر .وذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديث قيس بن الحجاج ، عن حنش الصنعاني ، عن ابن عباس مرفوعا : " احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يضروك ، ولو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك لم ينفعوك ، جفت الصحف ، ورفعت الأقلام ، واعمل لله بالشكر في اليقين ، واعلم أن الصبر على ما تكره خير كثير ، وأن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسرا " .( قل حسبي الله ) أي : الله كافي ، عليه توكلت وعليه يتوكل المتوكلون ، كما قال هود - عليه السلام - حين قال له قومه : ( إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ) [ هود : 54 - 56 ] .قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عصام الأنصاري ، حدثنا عبد الله بن بكر السهمي ، حدثنا محمد بن حاتم ، عن أبي المقدام - مولى آل عثمان - عن محمد بن كعب القرظي ، حدثنا ابن عباس [ رضي الله عنهما ] - رفع الحديث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله ، ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق [ منه ] بما في يديه ، ومن أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله " .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : ولئن سألتهم أي ولئن سألتهم يا محمد من خلق السماوات والأرض ليقولن الله بين أنهم مع عبادتهم الأوثان مقرون بأن الخالق هو الله ، وإذا كان الله هو الخالق فكيف يخوفونك بآلهتهم التي هي مخلوقة لله تعالى ، وأنت رسول الله الذي خلقها وخلق السماوات والأرض .قل أفرأيتم أي قل لهم يا محمد بعد اعترافهم بهذا : أفرأيتم إن أرادني الله بضر بشدة وبلاء هل هن كاشفات ضره يعني هذه الأصنام أو أرادني برحمة نعمة ورخاء هل هن ممسكات رحمته قال مقاتل : فسألهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فسكتوا . وقال غيره : قالوا : لا تدفع شيئا قدره الله ، ولكنها تشفع . فنزلت قل حسبي الله وترك الجواب لدلالة الكلام عليه ، يعني فسيقولون : لا ، أي : لا تكشف ولا تمسك ف " قل " أنت حسبي الله أي : عليه توكلت أي : اعتمدت و عليه يتوكل المتوكلون يعتمد المعتمدون . وقد تقدم الكلام في التوكل . وقرأ نافع وابن كثير والكوفيون ما عدا عاصما كاشفات ضره بغير تنوين . وقرأ أبو عمرو وشيبة وهي المعروفة من قراءة الحسن وعاصم " هل هن كاشفات ضره " ." ممسكات رحمته " بالتنوين على الأصل وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم ; لأنه اسم فاعل في معنى الاستقبال ، وإذا كان كذلك كان التنوين أجود . قال الشاعر :الضاربون عميرا عن بيوتهم بالليل يوم عمير ظالم عادي.ولو كان ماضيا لم يجز فيه التنوين ، وحذف التنوين على التحقيق ، فإذا حذفت التنوين لم يبق بين الاسمين حاجز فخفضت الثاني بالإضافة . وحذف التنوين كثير في كلام العرب موجود حسن ، قال الله تعالى : هديا بالغ الكعبة وقال : إنا مرسلو الناقة قال سيبويه : ومثل ذلك غير محلي الصيد وأنشد سيبويه : .هل أنت باعث دينار لحاجتنا أو عبد رب أخا عون بن مخراق .وقال النابغة : .احكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت إلى حمام شراع وارد الثمد .معناه وارد الثمد ، فحذف التنوين ، مثل كاشفات ضره
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38)يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين العادلين بالله الأوثان والأصنام: مَنْ خلق السموات والأرض ؟ ليقولن: الذي خلقه الله ، فإذا قالوا ذلك, فقل: أفرأيتم أيها القوم هذا الذي تعبدون من دون الله من الأصنام والآلهة ( إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ ) يقول: بشدة في معيشتي, هل هن كاشفات عني ما يصيبني به ربي من الضر؟( أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ ) يقول: إن أرادني برحمة أن يصيبني سعة في معيشتي, وكثرة مالي, ورخاء وعافية في بدني, هل هن ممسكات عني ما أراد أن يصيبني به من تلك الرحمة؟ وترك الجواب لاستغناء السامع بمعرفة ذلك, ودلالة ما ظهر من الكلام عليه. والمعنى: فإنهم سيقولون لا فقل: حسبي الله مما سواه من الأشياء كلها, إياه أعبد, وإليه أفزع في أموري دون كلّ شيء سواه, فإنه الكافي, وبيده الضر والنفع, لا إلى الأصنام والأوثان التي لا تضر ولا تنفع,( عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ) يقول: على الله يتوكل من هو متوكل, وبه فليثق لا بغيره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:بشر, قال: ثنا.يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) حتى بلغ ( كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ ) يعني: الأصنام ( أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِه )واختلفت القرّاء في قراءة ( كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ ) و ( مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ) , فقرأه بعضهم بالإضافة وخفض الضر والرحمة, وقرأه بعض قرّاء المدينة وعامة قرّاء البصرة بالتنوين, ونصب الضر والرحمة.والصواب من القول في ذلك عندنا, أنهما قراءتان مشهورتان, متقاربتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب, وهو نظير قوله: كَيْدِ الْكَافِرِينَ فى حال الإضافة والتنوين.
﴿ ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون ﴾