يا قومنا أجيبوا رسول الله محمدًا إلى ما يدعوكم إليه، وصدِّقوه واعملوا بما جاءكم به، يغفر الله لكم من ذنوبكم وينقذكم من عذاب مؤلم موجع.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«يا قومنا أجيبوا داعي الله» محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان «وآمنوا به يغفر» الله «لكم من ذنوبكم» أي بعضها لأن منها المظالم ولا تغفر إلا برضا أصاحبها «ويجركم من عذاب أليم» مؤلم.
﴿ تفسير السعدي ﴾
فلما مدحوا القرآن وبينوا محله ومرتبته دعوهم إلى الإيمان به، فقالوا: يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ أي: الذي لا يدعو إلا إلى ربه لا يدعوكم إلى غرض من أغراضه ولا هوى وإنما يدعوكم إلى ربكم ليثيبكم ويزيل عنكم كل شر ومكروه، ولهذا قالوا: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ وإذا أجارهم من العذاب الأليم فما ثم بعد ذلك إلا النعيم فهذا جزاء من أجاب داعي الله.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( يا قومنا أجيبوا داعي الله ) يعني محمدا - صلى الله عليه وسلم - ( وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ) " من " صلة ، أي ذنوبكم ( ويجركم من عذاب أليم ) قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : فاستجاب لهم من قومهم نحو من سبعين رجلا من الجن ، فرجعوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوافقوه في البطحاء ، فقرأ عليهم القرآن وأمرهم ونهاهم ، وفيه دليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان مبعوثا إلى الجن والإنس جميعا .قال مقاتل : لم يبعث قبله نبي إلى الإنس والجن جميعا .واختلف العلماء في حكم مؤمني الجن فقال قوم : ليس لهم ثواب إلا نجاتهم من النار ، وتأولوا قوله : " يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم " ، وإليه ذهب أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه .وحكى سفيان عن ليث قال : الجن ثوابهم أن يجاروا من النار ، ثم يقال لهم : كونوا ترابا ، وهذا مثل البهائم .وعن أبي الزناد قال : إذا قضي بين الناس قيل لمؤمني الجن : عودوا ترابا ، فيعودون ترابا ، فعند ذلك يقول الكافر : " يا ليتني كنت ترابا " ( النبأ - 40 ) .وقال الآخرون : يكون لهم الثواب في الإحسان كما يكون عليهم العقاب في الإساءة كالإنس ، وإليه ذهب مالك وابن أبي ليلى .وقال جرير عن الضحاك : الجن يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون .وذكر النقاش في " تفسيره " حديث أنهم يدخلون الجنة . فقيل : هل يصيبون من نعيمها ؟ قال : يلهمهم الله تسبيحه وذكره ، فيصيبون من لذته ما يصيبه بنو آدم من نعيم الجنة . وقال أرطاة بن المنذر : سألت ضمرة بن حبيب : هل للجن ثواب ؟ قال : نعم ، وقرأ : " لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان " ( الرحمن - 74 ) ، قال : فالإنسيات للإنس والجنيات للجن .وقال عمر بن عبد العزيز : إن مؤمني الجن حول الجنة ، في ربض ورحاب ، وليسوا فيها .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك ما يدل على إيمانهم بما سمعوه فقال: يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ....أى: وقالوا لقومهم- أيضا-: يا قومنا أجيبوا داعي الله الذي دعاكم الى الحق وإلى طريق مستقيم. وَآمِنُوا بِهِ أى: وآمنوا بهذا الرسول الكريم وبما جاء من عند ربه.يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ أى: أجيبوا داعي الله وآمنوا به، يغفر لكم ربكم من ذنوبكم التي وقعتم فيها، ويبعدكم بفضله ورحمته من عذاب أليم.والتعبير بقوله: مِنْ ذُنُوبِكُمْ يدل على حسن أدبهم، وعلى أنهم يفوضون المغفرة إلى ربهم، فهو- سبحانه- إن شاء غفرها جميعا، وإن شاء غفر بعضها.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
( يا قومنا أجيبوا داعي الله ) فيه دلالة على أنه تعالى أرسل محمدا صلوات الله وسلامه عليه إلى الثقلين الإنس والجن حيث دعاهم إلى الله ، وقرأ عليهم السورة التي فيها خطاب الفريقين ، وتكليفهم ووعدهم ووعيدهم ، وهي سورة الرحمن ; ولهذا قال ( أجيبوا داعي الله وآمنوا به )وقوله : ( يغفر لكم من ذنوبكم ) قيل : إن " من " هاهنا زائدة وفيه نظر ; لأن زيادتها في الإثبات قليل ، وقيل : إنها على بابها للتبعيض ، ( ويجركم من عذاب أليم ) أي : ويقيكم من عذابه الأليم .وقد استدل بهذه الآية من ذهب من العلماء إلى أن الجن المؤمنين لا يدخلون الجنة ، وإنما جزاء صالحيهم أن يجاروا من عذاب النار يوم القيامة ; ولهذا قالوا هذا في هذا المقام ، وهو مقام تبجح ومبالغة فلو كان لهم جزاء على الإيمان أعلى من هذا لأوشك أن يذكروه .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي قال : حدثت عن جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : لا يدخل مؤمنو الجن الجنة ; لأنهم من ذرية إبليس ، ولا تدخل ذرية إبليس الجنة .والحق أن مؤمنهم كمؤمني الإنس يدخلون الجنة ، كما هو مذهب جماعة من السلف ، وقد استدل بعضهم لهذا بقوله : ( لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ) [ الرحمن : 74 ] ، وفي هذا الاستدلال نظر ، وأحسن منه قوله تعالى : ( ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان ) [ الرحمن : 46 ، 47 ] ، فقد امتن تعالى على الثقلين بأن جعل جزاء محسنهم الجنة ، وقد قابلت الجن هذه الآية بالشكر القولي أبلغ من الإنس ، فقالوا : " ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب ، فلك الحمد " فلم يكن تعالى ليمتن عليهم بجزاء لا يحصل لهم ، وأيضا فإنه إذا كان يجازي كافرهم بالنار - وهو مقام عدل - فلأن يجازي مؤمنهم بالجنة - وهو مقام فضل - بطريق الأولى والأحرى . ومما يدل أيضا على ذلك عموم قوله تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا ) [ الكهف : 107 ] ، وما أشبه ذلك من الآيات . وقد أفردت هذه المسألة في جزء على حدة ، ولله الحمد والمنة . وهذه الجنة لا يزال فيها فضل حتى ينشئ الله لها خلقا ، أفلا يسكنها من آمن به وعمل له صالحا ؟ وما ذكروه هاهنا من الجزاء على الإيمان من تكفير الذنوب والإجارة من العذاب الأليم ، هو يستلزم دخول الجنة ; لأنه ليس في الآخرة إلا الجنة أو النار ، فمن أجير من النار دخل الجنة لا محالة . ولم يرد معنا نص صريح ولا ظاهر عن الشارع أن مؤمني الجن لا يدخلون الجنة وإن أجيروا من النار ، ولو صح لقلنا به ، والله أعلم . وهذا نوح ، عليه السلام ، يقول لقومه : ( يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى ) [ نوح : 4 ] ، ولا خلاف أن مؤمني قومه في الجنة ، فكذلك هؤلاء . وقد حكي فيهم أقوال غريبة فعن عمر بن عبد العزيز : أنهم لا يدخلون بحبوحة الجنة ، وإنما يكونون في ربضها وحولها وفي أرجائها . ومن الناس من زعم أنهم في الجنة يراهم بنو آدم ولا يرون بني آدم عكس ما كانوا عليه في الدار الدنيا . ومن الناس من قال : لا يأكلون في الجنة ولا يشربون ، وإنما يلهمون التسبيح والتحميد والتقديس ، عوضا عن الطعام والشراب كالملائكة ، لأنهم من جنسهم . وكل هذه الأقوال فيها نظر ، ولا دليل عليها .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
يا قومنا أجيبوا داعي يعني محمدا - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا يدل على أنه كان مبعوثا إلى الجن والإنس . قال مقاتل : ولم يبعث الله نبيا إلى الجن والإنس قبل محمد صلى الله عليه وسلم .قلت : يدل على قوله ما في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وجعلت لي الأرض طيبة طهورا ومسجدا فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان ونصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر وأعطيت الشفاعة . قال مجاهد : الأحمر والأسود : الجن والإنس . وفي رواية من حديث أبي هريرة وبعثت إلى الخلق كافة وختم بي النبيونوآمنوا به أي بالداعي ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : به أي : بالله ، لقوله : يغفر لكم من ذنوبكم قال ابن عباس : فاستجاب لهم من قومهم سبعون رجلا ، فرجعوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فوافقوه بالبطحاء ، فقرأ عليهم القرآن وأمرهم ونهاهم .مسألة : هذه الآي تدل على أن الجن كالإنس في الأمر والنهي والثواب والعقاب . وقال الحسن : ليس لمؤمني الجن ثواب غير نجاتهم من النار ، يدل عليه قوله تعالى : يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم وبه قال أبو حنيفة قال : ليس ثواب الجن إلا أن يجاروا من النار ، ثم يقال لهم : كونوا ترابا مثل البهائم . وقال آخرون : إنهم كما يعاقبون في الإساءة يجازون في الإحسان مثل الإنس . وإليه ذهب مالك والشافعي وابن أبي ليلى . وقد قال الضحاك : الجن يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون . قال القشيري : والصحيح أن هذا مما لم يقطع فيه بشيء ، والعلم عند الله .قلت : قوله تعالى : ولكل درجات مما عملوا يدل على أنهم يثابون ويدخلون الجنة ; لأنه قال في أول الآية : يامعشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي إلى أن قال ولكل درجات مما عملوا . والله أعلم ، وسيأتي لهذا في سورة ( الرحمن ) مزيد بيان إن شاء الله تعالى .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31)يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء النفر من الجنّ( يَا قَوْمَنَا ) مِنَ الْجِنِّ ( أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ ) قالوا: أجيبوا رسول الله محمدا إلى ما يدعوكم إليه من طاعة الله ( وَآمِنُوا بِهِ ) يقول: وصدّقوه فيما جاءكم به وقومه من أمر الله ونهيه, وغير ذلك مما دعاكم إلى التصديق به ( يَغْفِرْ لَكُمْ ) يقول: يتغمد لكم ربكم من ذنوبكم فيسترها لكم ولا يفضحكم بها في الآخرة بعقوبته إياكم عليها( وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) يقول: وينقذكم من عذاب موجع إذا أنتم تبتم من ذنوبكم, وأنبتم من كفركم إلى الإيمان بالله وبداعيه.
﴿ ياقومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ﴾