لن تنفعكم قراباتكم ولا أولادكم شيئًا حين توالون الكفار مِن أجلهم، يوم القيامة يفرق الله بينكم، فيُدْخل أهل طاعته الجنة، وأهل معصيته النار. والله بما تعملون بصير، لا يخفى عليه شيء من أقوالكم وأعمالكم.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«لن تنفعكم أرحامكم» قراباتكم «وْلا أولادكم» المشركون الذين لأجلهم أسررتم الخبر من العذاب في الآخرة «يوم القيامة يُفصَل» بالبناء للمفعول والفاعل «بينكم» وبينهم فتكونون في الجنة وهم جملة الكفار في النار «والله بما تعلمون بصير».
﴿ تفسير السعدي ﴾
فإن احتججتم وقلتم: نوالي الكفار لأجل القرابة والأموال، فلن تغني عنكم أموالكم ولا أولادكم من الله شيئا. والله بما تعملون بصير فلذلك حذركم من موالاة الكافرين الذين تضركم موالاتهم.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( لن تنفعكم أرحامكم ) معناه : لا يدعونكم ولا يحملنكم ذوو أرحامكم وقراباتكم وأولادكم الذين بمكة إلى خيانة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين وترك مناصحتهم وموالاة أعدائهم فلن تنفعكم أرحامكم ( ولا أولادكم ) الذين عصيتم الله لأجلهم ( يوم القيامة يفصل بينكم ) فيدخل أهل طاعته الجنة وأهل معصيته النار . قرأ عاصم ويعقوب ( يفصل ) بفتح الياء وكسر الصاد مخففا وقرأ حمزة والكسائي بضم الياء وكسر الصاد مشددا [ وقرأ ابن عامر بضم الياء وفتح الصاد مشددا ] وقرأ الآخرون بضم الياء وفتح الصاد مخففا . ( والله بما تعملون بصير )
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم بين- سبحانه- الآثار السيئة التي تترتب على ضلالهم عن سواء السبيل فقال:لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ. وَلا أَوْلادُكُمْ، يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ....والأرحام: جمع رحم والمراد بهم الأقارب، الذين كان بعض المؤمنين يوالون المشركين من أجلهم.أى: منكم- أيها المؤمنون- من أفشى أسراركم للكافرين، خوفا على أقاربه أو أولاده الذين يعيشون في مكة مع هؤلاء الكافرين، والحق أنه لن تنفعكم قراباتكم ولا أولادكم الذين توالون المشركين من أجلهم شيئا من النفع يوم القيامة، لأنه في هذا اليوم يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ أى يفرق بينكم وبين أقاربكم وأولادكم يوم القيامة، كما قال- تعالى-: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ وكما قال- سبحانه-: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ.وخص- سبحانه- الأولاد بالذكر مع أنهم من الأرحام، لمزيد المحبة لهم- والحنو عليهم.قال الشوكانى:، وجملة يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ مستأنفة لبيان عدم نفع الأرحام والأولاد في ذلك اليوم. ومعنى يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ يفرق بينكم، فيدخل أهل طاعته الجنة.ويدخل أهل معصيته النار، وقيل: المراد بالفصل بينهم، أنه يفر كل منهم من الآخر من شدة الهول.. قيل: ويجوز أن يتعلق يَوْمَ الْقِيامَةِ بما قبله. أى: لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة، فيوقف عليه، ويبتدأ بقوله يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ والأولى أن يتعلق بما بعده- أى: يفصل بينكم يوم القيامة، فيوقف على أَوْلادُكُمْ ويبتدأ بيوم القيامة .وقراءة الجمهور يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ- بضم الياء وإسكان الفاء وفتح الصاد- على البناء للمجهول. وقرأ عاصم يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ بفتح الياء وكسر الصاد- على البناء للفاعل، وقرأ حمزة والكسائي يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ- بضم الياء وفتح الفاء وتشديد الصاد مع الكسر- بالبناء للفاعل- أيضا-.وقرأ ابن عامر يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ- بضم الياء وفتح الفاء وتشديد الصاد مع الفتح- على البناء للمجهول.ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أى: والله- تعالى- لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، بل هو مطلع عليها اطلاعا تاما وسيجازيكم يوم القيامة بما تستحقونه من ثواب أو عقاب.هذا، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من الآيات الكريمة ما يأتى:1- أن هذه الآيات أصل في النهى عن موالاة الأعداء ومصافاتهم بأية صورة من الصور، وشبيه بها قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً .وقوله- سبحانه-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا. وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ.2- أن هذه الآيات الكريمة تتجلى فيها رحمة الله- تعالى- بعباده المؤمنين، حيث ناداهم بهذه الصفة مع وقوع بعضهم في الخطأ الجسيم، وهو إفشاء أسرار المؤمنين لأعدائهم قالوا: وفي هذا رد على المعتزلة الذين يقولون: إن المعصية تنافى الإيمان.3- أن هذه الآيات الكريمة فيها ما فيها من الأساليب الحكيمة في الدعوة إلى الفضائل واجتناب الرذائل، لأن الله- تعالى- عند ما نهى المؤمنين عن موالاة أعدائه وأعدائهم، ساق لهم الأسباب التي تحملهم على قطع كل صلة بهؤلاء الأعداء. بأن ذكر لهم أن هؤلاء الأعداء قد كفروا بالحق، وحرصوا على إخراج الرسول والمؤمنين من ديارهم، وأنهم إن يتمكنوا من المؤمنين، فسينزلون بهم أشد ألوان الأذى.وهكذا يجب أن يتعلم الدعاة إلى الله- تعالى- أن على رأس الوسائل التي توصلهم إلى النجاح في دعوتهم، أن يأتوا في دعوتهم بالأسباب المقنعة لاعتناق الحق، واجتناب الباطل.4- أن هذه الآيات الكريمة صريحة في أن ما يتعلق بالدين والعقيدة، يجب أن يقدم على ما يتعلق بالأرحام والأولاد، لأن الأرحام والأولاد لن تنفع يوم القيامة، وإنما الذي ينفع هو ما يتعلق بالاستجابة لما يفرضه الدين علينا من واجبات وتكاليف.وبعد هذا النهى للمؤمنين عن موالاة أعداء الله وأعدائهم.. ساقت لهم السورة الكريمة، جانبا من قصة إبراهيم- عليه السلام- الذي تبرأ من كل صلة تربطه بغيره سوى صلة الإيمان، وإخلاص العبادة لله- تعالى-، وأمرتهم بأن يقتدوا به في ذلك لينالوا رضا الله- عز وجل- فقال- تعالى-:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير ) أي : قراباتكم لا تنفعكم عند الله إذا أراد الله بكم سوءا ، ونفعهم لا يصل إليكم إذا أرضيتموهم بما يسخط الله ، ومن وافق أهله على الكفر ليرضيهم فقد خاب وخسر وضل عمله ، ولا ينفعه عند الله قرابته من أحد ، ولو كان قريبا إلى نبي من الأنبياء . قال الإمام أحمد :حدثنا عفان ، حدثنا حماد ، عن ثابت ، عن أنس أن رجلا قال : يا رسول الله : أين أبي ؟ قال : " في النار " فلما قفى دعاه فقال : " إن أبي وأباك في النار " .ورواه مسلم ، وأبو داود ، من حديث حماد بن سلمة به .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصيرقوله تعالى : لن تنفعكم أرحامكم لما اعتذر حاطب بأن له أولادا وأرحاما فيما بينهم ، بين الرب عز وجل أن الأهل والأولاد لا ينفعون شيئا يوم القيامة إن عصي من أجل ذلك .يفصل بينكم فيدخل المؤمنين الجنة ويدخل الكافرين النار . وفي يفصل قراءات سبع : قرأ عاصم " يفصل " بفتح الياء وكسر الصاد مخففا . وقرأ حمزة والكسائي مشددا إلا أنه على ما لم يسم فاعله . وقرأ طلحة والنخعي بالنون وكسر الصاد مشددة . وروي عن علقمة كذلك بالنون مخففة . وقرأ قتادة وأبو حيوة " يفصل " بضم الياء وكسر الصاد مخففة من أفصل . وقرأ الباقون " يفصل " بياء مضمومة وتخفيف الفاء وفتح الصاد على الفعل المجهول ، واختاره أبو عبيد . فمن خفف فلقوله : وهو خير الفاصلين وقوله : إن يوم الفصل . ومن شدد فلأن ذلك أبين في الفعل الكثير المكرر المتردد . ومن أتى به على ما لم يسم فاعله فلأن الفاعل معروف . ومن أتى به مسمى الفاعل رد الضمير إلى الله تعالى . ومن قرأ بالنون فعلى التعظيم .والله بما تعملون بصير
﴿ تفسير الطبري ﴾
قوله: ( لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) يقول تعالى ذكره: لا يدعونكم أرحامكم وقراباتكم وأولادكم إلى الكفر بالله، واتخاذ أعدائه أولياء تلقون إليهم بالمودّة، فإنه لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم عند الله يوم القيامة، فتدفع عنكم عذاب الله يومئذ، إن أنتم عصيتموه في الدنيا، وكفرتم به.وقوله: ( يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ ) يقول جلّ ثناؤه: يفصل ربكم أيها المؤمنون بينكم يوم القيامة بأن يدخل أهل طاعته الجنة، وأهل معاصية والكفر به النار.واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة ومكة والبصرة: ( يُفْصَلُ بَيْنَكُم ) بضم الياء وتخفيف الصاد وفتحها، على ما لم يسمّ فاعله.وقرأه عامة قرّاء الكوفة خلا عاصم بضم الياء وتشديد الصاد وكسرها (2) بمعنى: يفصل الله بينكم أيها القوم. وقرأه عاصم بفتح الياء وتخفيف الصاد وكسرها، بمعنى يفصل الله بينكم. وقرأ بعض قرّاء الشام ( يُفَصلُ ) بضم الياء وفتح الصاد وتشديدها على وجه ما لم يسم فاعله.وهذه القراءات متقاربات المعانى صحيحات في الإعراب، فبأيتها قرأ القارئ فمصيب.وقوله: ( وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) يقول جلّ ثناؤه: والله بأعمالكم أيها الناس ذو علم وبصر، لا يخفى عليه منها شيء، هو بجميعها محيط، وهو مجازيكم بها إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشرّ، فاتقوا الله في أنفُسكم واحذروه.
﴿ لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير ﴾