والله سبحانه هو الإله المعبود في السموات والأرض. ومن دلائل ألوهيته أنه يعلم جميع ما تخفونه -أيها الناس- وما تعلنونه، ويعلم جميع أعمالكم من خير أو شر؛ ولهذا فإنه -جلَّ وعلا- وحده هو الإله المستحق للعبادة.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«وهو الله» مستحق للعبادة «في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم» ما تسرون وما تجهرون به بينكم «ويعلم ما تكسبون» تعملون من خير وشرِّ.
﴿ تفسير السعدي ﴾
أي: وهو المألوه المعبود في السماوات وفي الأرض، فأهل السماء والأرض، متعبدون لربهم، خاضعون لعظمته، مستكينون لعزه وجلاله، الملائكة المقربون، والأنبياء والمرسلون، والصديقون، والشهداء والصالحون. وهو تعالى يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون، فاحذروا معاصيه وارغبوا في الأعمال التي تقربكم منه، وتدنيكم من رحمته، واحذروا من كل عمل يبعدكم منه ومن رحمته.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله عز وجل : ( وهو الله في السموات وفي الأرض ) يعني : وهو إله السموات والأرض ، كقوله : ( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ) ، وقيل : هو المعبود في السموات والأرض ، وقال محمد بن جرير : معناه هو في السموات يعلم سركم وجهركم في الأرض ، [ وقال الزجاج : فيه تقديم وتأخير تقديره : وهو الله ، ( يعلم سركم وجهركم ) في السموات والأرض ] ( ويعلم ما تكسبون ) تعملون من الخير والشر .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وبعد أن أقام- سبحانه- الأدلة في الآيتين السابقتين على أنه هو المستحق للعبادة والحمد، وعلى أن يوم القيامة حق، جاءت الآية الثالثة لتصفه- سبحانه بأنه هو صاحب السلطان المطلق في هذا الكون فقال تعالى-: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ، يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ.أى: أنه- سبحانه- هو المعبود بحق في السموات والأرض، العليم بكل شيء في هذا الوجود، الخبير بكل ما يكسبه الإنسان من خير أو شر فيجازيه عليه بما يستحقه.والضمير «هو» الذي صدرت به الآية يعود إلى الله- تعالى- الذي نعت ذاته في الآيتين السابقتين بأنه هو صاحب الحمد المطلق، وخالق السموات والأرض، وجاعل الظلمات والنور، ومنشئ الإنسان من طين، وأنه لذلك يكون مختصا بالعبادة والخضوع.وقوله- تعالى-: وَهُوَ اللَّهُ جملة من مبتدأ وخبر، معطوفة على ما قبلها، سيقت لبيان شمول ألوهيته لجميع المخلوقات.قال أبو السعود: وقوله فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ متعلق بالمعنى الوصفي الذي ينبئ عنه الاسم الجليل إما باعتبار أصل اشتقاقه وكونه علما للمعبود بالحق، كأنه قيل: وهو المعبود فيهما. وإما باعتبار أنه اسم اشتهر بما اشتهرت به الذات من صفات الكمال، فلو حظ معه منها ما يقتضيه المقام من المالكية حسبما تقتضيه المشيئة المبنية على الحكم البالغة، فعلق به الظرف من تلك الحيثية فصار كأنه قيل: وهو المالك أو المتصرف المدبر فيهما، كما في قوله- تعالى-:وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ .وجملة يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ تقرير لمعنى الجملة الأولى لأن الذي استوى في علمه السر والعلن هو الله وحده. ويجوز أن تكون كلاما مبتدأ بمعنى: هو يعلم سركم وجهركم، أو خبرا ثانيا.ثم صور- سبحانه- طبيعة الجاحدين الذين هم- لانطماس بصائرهم وإصرارهم على العناد- غدوا لا يجدي معهم دليل ولا تنفع معهم حجة، وساق لهم أخبار من سبقوهم.فقال- تعالى-:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ) اختلف مفسرو هذه الآية على أقوال ، بعد الاتفاق على تخطئة قول الجهمية الأول القائلين بأنه - تعالى عن قولهم علوا كبيرا - في كل مكان ; حيث حملوا الآية على ذلك ، فأصح الأقوال أنه المدعو الله في السموات وفي الأرض ، أي : يعبده ويوحده ويقر له بالإلهية من في السموات ومن في الأرض ، ويسمونه الله ، ويدعونه رغبا ورهبا ، إلا من كفر من الجن والإنس ، وهذه الآية على هذا القول كقوله تعالى : ( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ) [ الزخرف : 84 ] ، أي : هو إله من في السماء وإله من في الأرض ، وعلى هذا فيكون قوله : ( يعلم سركم وجهركم ) خبرا أو حالا .والقول الثاني : أن المراد أن الله الذي يعلم ما في السموات وما في الأرض ، من سر وجهر . فيكون قوله : ( يعلم ) متعلقا بقوله : ( في السماوات وفي الأرض ) تقديره : وهو الله يعلم سركم وجهركم في السموات وفي الأرض ويعلم ما تكسبون .والقول الثالث أن قوله ( وهو الله في السماوات ) وقف تام ، ثم استأنف الخبر فقال : ( وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ) وهذا اختيار ابن جرير .وقوله : ( ويعلم ما تكسبون ) أي : جميع أعمالهم خيرها وشرها .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئونقوله تعالى : وهو الله في السماوات وفي الأرض يقال ما عامل الإعراب في الظرف من في السماوات وفي الأرض ؟ ففيه أجوبة : أحدها : أي : وهو الله المعظم أو المعبود في السماوات وفي الأرض ; كما تقول : زيد الخليفة في الشرق والغرب أي : حكمه ، ويجوز أن يكون المعنى وهو الله المنفرد بالتدبير في السماوات وفي الأرض ; كما تقول : هو في حاجات الناس وفي الصلاة ، ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر ويكون المعنى : وهو الله في السماوات وهو الله في الأرض . وقيل : المعنى وهو الله يعلم سركم وجهركم في السماوات وفي الأرض فلا يخفى عليه شيء ; قالالنحاس : وهذا من أحسن ما قيل فيه ، وقال محمد بن جرير : وهو الله في السماوات ويعلم سركم وجهركم في الأرض ، ( فيعلم ) مقدم في الوجهين ، والأول أسلم وأبعد من الإشكال ، وقيل غير هذا ، والقاعدة تنزيهه جل وعز عن الحركة والانتقال وشغل الأمكنة . ويعلم ما تكسبون أي : من خير وشر ، والكسب الفعل لاجتلاب نفع أو دفع ضرر ، ولهذا لا يقال لفعل الله كسب .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الذي له الألوهةُ التي لا تنبغي لغيره، المستحقَّ عليكم إخلاصَ الحمد له بآلائه عندكم، أيها الناس، الذي يعدل به كفاركم مَن سواه, هو الله الذي هو في السماوات وفي الأرض يعلم سِرَّكم وجَهْركم، فلا يخفى عليه شيء. يقول: فربكم الذي يستحقُّ عليكم الحمدَ، ويجب عليكم إخلاصُ العبادة له, هو هذا الذي صفته = لا من لا يقدر لكم على ضرّ ولا نفع، ولا يعمل شيئًا، ولا يدفع عن نفسه سُوءًا أريد بها .* * *وأما قوله: " ويعلم ما تكسبون " ، يقول: ويعلم ما تَعمَلون وتجرَحُون, فيحصي ذلك عليكم ليجازيكم به عند معادكم إليه. (15)----------------------الهوامش :(15) انظر تفسير"كسب" فيما سلف 10 : 297 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك.
﴿ وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ﴾