فكلي من الرطب، واشربي من الماء وطيـبي نفسًا بالمولود، فإن رأيت من الناس أحدًا فسألك عن أمرك فقولي له: إني أَوْجَبْتُ على نفسي لله سكوتًا، فلن أكلم اليوم أحدًا من الناس. والسكوت كان تعبدًا في شرعهم، دون شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«فكلي» من الرطب «واشربي» من السري «وقري عينا» بالولد تمييز محول من الفاعل أي: لتقر عينك به أي: تسكن فلا تطمح إلى غيره «فإما» فيه إدغام نون إن الشرطية في ما الزائدة «ترين» حذفت منه لام الفعل وعينه وألقيت حركتها على الراء وكسرت ياء الضمير لالتقاء الساكنين «من البشر أحدا» فيسألك عن ولدك «فقولي إني نذرت للرحمن صوما» أي إمساكا عن الكلام في شأنه وغيره من الأناسي بدليل «فلن أكلم اليوم إنسا» أي: بعد ذلك.
﴿ تفسير السعدي ﴾
فَكُلِي ْ من التمر، وَاشْرَبِي ْ من النهر وَقَرِّي عَيْنًا ْ بعيسى، فهذا طمأنينتها من جهة السلامة من ألم الولادة، وحصول المأكل والمشرب والهني.وأما من جهة قالة الناس، فأمرها أنها إذا رأت أحدا من البشر، أن تقول على وجه الإشارة: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ْ أي: سكوتا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ْ أي: لا تخاطبيهم بكلام، لتستريحي من قولهم وكلامهم. وكان معروفا عندهم أن السكوت من العبادات المشروعة، وإنما لم تؤمر بخطابهم في نفي ذلك عن نفسها لأن الناس لا يصدقونها، ولا فيه فائدة، وليكون تبرئتها بكلام عيسى في المهد، أعظم شاهد على براءتها، .فإن إتيان المرأة بولد من دون زوج، ودعواها أنه من غير أحد، من أكبر الدعاوى، التي لو أقيم عدة من الشهود، لم تصدق بذلك، فجعلت بينة هذا الخارق للعادة، أمرا من جنسه، وهو كلام عيسى في حال صغره جدا.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله سبحانه وتعالى : ( فكلي واشربي ) أي : فكلي يا مريم من الرطب ، واشربي من ماء النهر ( وقري عينا ) أي : طيبي نفسا . وقيل : قري عينك بولدك عيسى . يقال : أقر الله عينك أي : صادف فؤادك ما يرضيك ، فتقر عينك من النظر إلى غيره . وقيل : أقر الله عينه : يعني أنامها ، يقال : قر يقر إذا سكن .وقيل : إن العين إذا بكت من السرور فالدمع بارد ، وإذا بكت من الحزن فالدمع يكون حارا ، فمن هذا قيل : أقر الله عينه وأسخن الله عينه .( فإما ترين من البشر أحدا ) أي : تري ، فدخل عليه نون التأكيد فكسرت الياء لالتقاء الساكنين .معناه : فإما ترين من البشر أحدا فيسألك عن ولدك ( فقولي إني نذرت للرحمن صوما ) أي : صمتا ، وكذلك كان يقرأ ابن مسعود رضي الله عنه .والصوم في اللغة الإمساك عن الطعام والشراب والكلام .قال السدي : كان في بني إسرائيل من أراد أن يجتهد صام عن الكلام ، كما يصوم عن الطعام ، فلا يتكلم حتى يمسي .وقيل : إن الله تعالى أمرها أن تقول هذا إشارة .وقيل : أمرها أن تقول هذا القدر نطقا ، ثم تمسك عن الكلام بعده .( فلن أكلم اليوم إنسيا ) يقال : كانت تكلم الملائكة ، ولا تكلم الإنس .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله- سبحانه-: فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا حكاية منه- تعالى- لبقية كلام عيسى لأمه.ولفظ فَإِمَّا مركب من إن الشرطية، وما المزيدة لتوكيد الشرط وتَرَيِنَّ فعل الشرط، وجوابه فَقُولِي وبين هذا الجواب وشرطه كلام محذوف يرشد إليه السياق.والمعنى: أن عيسى- عليه السلام- قال لأمه: لا تحزني يا أماه بسبب وجودى بدون أب، وقرى عينا، وطيبي نفسا لذلك، فإما ترين من البشر أحدا كائنا من كان فسألك عن أمرى وشأنى فقولي له إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً أى: صمتا عن الكلام فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا لا في شأن هذا المولود ولا في شأن غيره، وإنما سأترك الكلام لابني ليشرح لكم حقيقة أمره.قالوا: إنما منعت من الكلام لأمرين: أحدهما: أن يكون عيسى هو المتكلم عنها ليكون أقوى لحجتها في إزالة التهمة عنها، وفي هذا دلالة على تفويض الكلام إلى الأفضل.والثاني: «كراهة مجادلة السفهاء، وفيه أن السكوت عن السفيه واجب، ومن أذل الناس سفيه لم يجد مسافها» .وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد حكت لنا بأسلوبها البليغ الحكيم ما فعلته مريم عند ما شعرت بالحمل وما قالته عند ما أحست بقرب الولادة، وما قاله لها مولودها عيسى من كلام جميل طيب، لإدخال الطمأنينة على قلبها.ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن مشهد آخر من مشاهد تلك القصة العجيبة مشهد مريم عند ما جاءت بوليدها إلى قومها، وما قالوه لها، وما قاله وليدها لهم ...استمع إلى القرآن الكريم وهو يحكى ذلك فيقول:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
( فكلي واشربي وقري عينا ) أي : طيبي نفسا; ولهذا قال عمرو بن ميمون : ما من شيء خير للنفساء من التمر والرطب ، ثم تلا هذه الآية الكريمة .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا شيبان ، حدثنا مسرور بن سعيد التميمي حدثنا عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، عن عروة بن رويم ، عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكرموا عمتكم النخلة ، فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم عليه السلام ، وليس من الشجر شيء يلقح غيرها " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أطعموا نساءكم الولد الرطب ، فإن لم يكن رطب فتمر ، وليس من الشجرة شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها مريم بنت عمران " .هذا حديث منكر جدا ، ورواه أبو يعلى ، عن شيبان ، بهوقرأ بعضهم قوله : " تساقط " بتشديد السين ، وآخرون بتخفيفها ، وقرأ أبو نهيك : ( تساقط عليك رطبا جنيا ) وروى أبو إسحاق عن البراء : أنه قرأها : " تساقط " أي : الجذع . والكل متقارب .وقوله : ( فإما ترين من البشر أحدا ) أي : مهما رأيت من أحد ، ( فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ) المراد بهذا القول : الإشارة إليه بذلك . لا أن المراد به القول اللفظي ; لئلا ينافي : ( فلن أكلم اليوم إنسيا )قال أنس بن مالك في قوله : ( إني نذرت للرحمن صوما ) أي : صمتا وكذا قال ابن عباس ، والضحاك . وفي رواية عن أنس : " صوما وصمتا " ، وكذا قال قتادة وغيرهما .والمراد أنهم كانوا إذا صاموا في شريعتهم يحرم عليهم الطعام والكلام ، نص على ذلك السدي ، وقتادة ، وعبد الرحمن بن زيد .وقال أبو إسحاق ، عن حارثة قال : كنت عند ابن مسعود ، فجاء رجلان فسلم أحدهما ولم يسلم الآخر ، فقال : ما شأنك ؟ قال أصحابه : حلف ألا يكلم الناس اليوم . فقال عبد الله بن مسعود : كلم الناس وسلم عليهم ، فإنما تلك امرأة علمت أن أحدا لا يصدقها أنها حملت من غير زوج . يعني بذلك مريم ، عليها السلام; ليكون عذرا لها إذا سئلت . ورواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير ، رحمهما الله .وقال عبد الرحمن بن زيد : لما قال عيسى لمريم : ( ألا تحزني ) قالت : وكيف لا أحزن وأنت معي ؟ ! لا ذات زوج ولا مملوكة ، أي شيء عذري عند الناس ؟ يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ، قال لها عيسى : أنا أكفيك الكلام : ( فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ) قال : هذا كله من كلام عيسى لأمه . وكذا قال وهب .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
وهو معنى قوله تعالى : فكلي واشربي وقري عينا أي فكلي من الجني ، واشربي من السري ، وقري عينا برؤية الولد النبي . وقرئ بفتح القاف وهي قراءة الجمهور . وحكى الطبري قراءة ( وقري ) بكسر القاف وهي لغة نجد . يقال : قر عينا يقر ويقر بضم القاف وكسرها وأقر الله عينه فقرت . وهو مأخوذ من القر والقرة وهما البرد . ودمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة . وضعفت فرقة هذا وقالت : الدمع كله حار ، فمعنى أقر الله عينه أي سكن الله عينه بالنظر إلى من يحبه حتى تقر وتسكن ؛ وفلان قرة عيني ؛ أي نفسي تسكن بقربه . وقال الشيباني : ( وقري عينا ) معناه نامي ؛ حضها على الأكل والشرب والنوم . قال أبو عمرو : أقر الله عينه أي أنام عينه ، وأذهب سهره . وعينا نصب على التمييز ؛ كقولك : طب نفسا . والفعل في الحقيقة إنما هو للعين فنقل ذلك إلى ذي العين ؛ وينصب الذي كان فاعلا في الحقيقة على التفسير . ومثله طبت نفسا ، وتفقأت شحما ، وتصببت عرقا ، ومثله كثير .قوله تعالى : فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما .فيه ثلاث مسائل :الأولى : قوله تعالى : فإما ترين الأصل في ترين ترأيين فحذفت الهمزة كما حذفت من ترى ونقلت فتحتها إلى الراء فصار ( تريين ) ثم قلبت الياء الأولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، فاجتمع ساكنان الألف المنقلبة عن الياء وياء التأنيث ، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين ، فصار ترين ، ثم حذفت النون علامة للجزم لأن إن حرف شرط وما صلة فبقي تري ، ثم دخله نون التوكيد وهي مثقلة ، فكسر ياء التأنيث لالتقاء الساكنين ؛ لأن النون المثقلة بمنزلة نونين الأولى ساكنة فصار ترين وعلى هذا النحو قول ابن دريد :إما تري رأسي حاكى لونهوقول الأفوه :إما تري رأسي أزرى بهوإنما دخلت النون هنا بتوطئة ما كما يوطئ لدخولها أيضا لام القسم . وقرأ طلحة وأبو جعفر وشيبة ( ترين ) بسكون الياء وفتح النون خفيفة ؛ قال أبو الفتح : وهي شاذة .الثانية قوله تعالى : فقولي إني نذرت هذا جواب الشرط وفيه إضمار ؛ أي فسألك عن ولدك فقولي إني نذرت للرحمن صوما أي صمتا ؛ قاله ابن عباس وأنس بن مالك . وفي قراءة أبي بن كعب ( إني نذرت للرحمن صوما صمتا ) وروي عن أنس . وعنه أيضا ( وصمتا ) بواو ، واختلاف اللفظين يدل على أن الحرف ذكر تفسيرا لا قرآنا ؛ فإذا أتت معه واو فممكن أن يكون غير الصوم . والذي تتابعت به الأخبار عن أهل الحديث ورواة اللغة أن الصوم هو الصمت ؛ لأن الصوم إمساك والصمت إمساك عن الكلام .وقيل : هو الصوم المعروف ، وكان يلزمهم الصمت يوم الصوم إلا بالإشارة . وعلى هذا تخرج قراءة أنس ( وصمتا ) بواو ، وأن الصمت كان عندهم في الصوم ملتزما بالنذر ، كما أن من نذر منا المشي إلى البيت اقتضى ذلك الإحرام بالحج أو العمرة . ومعنى هذه الآية أن الله تعالى أمرها على لسان جبريل - عليه السلام - - أو ابنها على الخلاف المتقدم - بأن تمسك عن مخاطبة البشر ، وتحيل على ابنها في ذلك ليرتفع عنها خجلها ، وتتبين الآية فيقوم عذرها . وظاهر الآية أنها أبيح لها أن تقول هذه الألفاظ التي في الآية ، وهو قول الجمهور . وقالت فرقة : معنى ( قولي ) بالإشارة لا بالكلام . الزمخشري : وفيه أن السكوت عن السفيه واجب ، ومن أذل الناس سفيه لم يجد مسافها .الثالثة : من التزم بالنذر ألا يكلم أحدا من الآدميين فيحتمل أن يقال : إنه قربة فيلزم بالنذر ، ويحتمل أن يقال : ذلك لا يجوز في شرعنا لما فيه من التضييق وتعذيب النفس ؛ كنذر القيام في الشمس ونحوه . وعلى هذا كان نذر الصمت في تلك الشريعة لا في شريعتنا ؛ وقد تقدم . وقد أمر ابن مسعود من فعل ذلك بالنطق بالكلام . وهذا هو الصحيح لحديث أبي إسرائيل ، خرجه البخاري عن ابن عباس . وقال ابن زيد والسدي : كانت سنة الصيام عندهم الإمساك عن الأكل والكلام .قلت : ومن سنتنا نحن في الصيام الإمساك عن الكلام القبيح ؛ قال - عليه الصلاة والسلام - : إذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل ، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه ، فليقل إني صائم . وقال - عليه الصلاة والسلام - : من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه .
﴿ تفسير الطبري ﴾
يقول تعالى ذكره: فكلي من الرطب الذي يتساقط عليك، واشربي من ماء السريّ الذي جعله ربك تحتك، لا تخشي جوعًا ولا عطشًا( وَقَرِّي عَيْنًا ) يقول: وطيبي نفسا وافرحي بولادتك إياي ولا تحزني ونصبت العين لأنها هي الموصوفة بالقرار. وإنما معنى الكلام: ولتقرِر عينك بولدك، ثم حوّل الفعل عن العين إلى المرأة صاحبة العين، فنصبت العين إذ كان الفعل لها في الأصل على التفسير، نظير ما فعل بقوله فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا وإنما هو: فإن طابت أنفسهن لكم . وقوله وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا ومنه قوله تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا إنما هو يساقط عليك رطب الجذع، فحوّل الفعل إلى الجِذْع، في قراءة من قرأه بالياء. وفي قراءة من قرأ: تُسَاقِطْ بالتاء، معناه: يساقط عليك رطب النخلة، ثم حول الفعل إلى النخلة.وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله (وقرِّي)فأما أهل المدينة فقرءوه (وَقَرِّي ) بفتح القاف على لغة من قال: قَرِرت بالمكان أَقَرّ به، وقَرِرت عينا، أقرّ به قُرورا، وهي لغة قريش فيما ذكر لي وعليها القراءة.وأما أهل نجد فإنها تقول قررت به عينا أقر به قرارا وقررت بالمكان أقر به، فالقراءة على لغتهم: (وَقِري عَيْنا) بكسر القاف، والقراءة عندنا على لغة قريش بفتح القاف.وقوله ( فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا ) يقول: فإن رأيت من بني آدم أحدا يكلمك أو يسائلك عن شيء أمرك وأمر ولدك وسبب ولادتكه ( فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ) يقول : فقولي: إني أوجبت على نفسي لله صمتا ألا أُكَلِّم أحدًا من بني آدم اليوم ( فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا )وبنحو الذي قلنا في معنى الصوم، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: سمعت أنس بن مالك يقول في هذه الآية ( إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ) صمتا.حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا حجاج، قال : أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني المغيرة بن عثمان، قال: سمعت أنس بن مالك يقول ( إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ) قال: صمتا.حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ) قال : يعني بالصوم: الصمت.حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن سليمان التيميّ، قال: سمعت أنسا قرأ ( إنِّي نَذَرْتُ للرَّحْمَن صَوْما وَصَمْتا ) .حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ( إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ) أما قوله (صَوْما) فإنها صامت من الطعام والشراب والكلام.حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد ، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ) قال: كان من بني إسرائيل من إذا اجتهد صام من الكلام كما يصوم من الطعام ، إلا مِن ذكر الله، فقال لها ذلك، فقالت: إني أصوم من الكلام كما أصوم مِنْ الطعام، إلا من ذكر الله; فلما كلموها أشارت إليه، فقالوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا فأجابهم فقال إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ حتى بلغ ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ .واختلفوا في السبب الذي من أجله أمرها بالصوم عن كلام البشر، فقال بعضهم: أمرها بذلك لأنه لم يكن لها حجة عند الناس ظاهرة، وذلك أنها جاءت وهي أيِّم بولد بالكفّ عن الكلام ليكفيها فأمرت الكلام ولدها.* ذكر من قال ذلك:حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني، قال: ثنا مصعب بن المقدام، قال: ثنا إسرائيل، قال: ثنا أبو إسحاق، عن حارثة، قال: كنت عند ابن مسعود، فجاء رجلان فسلم أحدهما ولم يسلم الآخر، فقال: ما شأنك؟ فقال أصحابه: حلف أن لا يكلم الناس اليوم، فقال عبد الله: كلم الناس وسلم عليهم، فإن تلك امرأة علمت أن أحدا لا يصدّقها أنها حملت من غير زوج، يعني بذلك مريم عليها السلام.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد لما قال عيسى لمريم (لا تَحْزَنِي) قالت: وكيف لا أحزن وأنت معي، لا ذات زوج ولا مملوكة، أي شيء عذري عند الناس يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا فقال لها عيسى: أنا أكفيك الكلام ( فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ) قال: هذا كله كلام عيسى لأمه.حدثنا ابن حميد ، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه ( إِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ) فإني سأكفيك الكلام.وقال آخرون: إنما كان ذلك آية لمريم وابنها.* ذكر من قال ذلك:حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ( إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ) قال في بعض الحروف: صمتا وذلك إنك لا تلقى امرأة جاهلة تقول: نذرت كما نذرت مريم، ألا تكلم يومًا إلى الليل ، وإنما جعل الله تلك آية لمريم ولابنها، ولا يحلّ لأحد أن ينذر صمت يوم إلى الليل.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، فقرأ ( إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ) وكانت تقرأ في الحرف الأوّل: صمتا، وإنما كانت آية بعثها الله لمريم وابنها.وقال آخرون: بل كانت صائمة في ذلك اليوم، والصائم في ذلك الزمان كان يصوم عن الطعام والشراب وكلام الناس، فأذن لمريم في قدر هذا الكلام ذلك اليوم وهي صائمة.* ذكر من قال ذلك:حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ( فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا) يكلمك (فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ) فكان من صام في ذلك الزمان لم يتكلم حتى يمسي، فقيل لها: لا تزيدي على هذا.
﴿ فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ﴾