ومن هؤلاء المشركين من يستمع إليك القرآن -أيها الرسول-، فلا يصل إلى قلوبهم؛ لأنهم بسبب اتباعهم أهواءهم جعلنا على قلوبهم أغطية؛ لئلا يفقهوا القرآن، وجعلنا في آذانهم ثقلا وصممًا فلا تسمع ولا تعي شيئًا، وإن يروا الآيات الكثيرة الدالة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم لا يصدقوا بها، حتى إذا جاؤوك -أيها الرسول- بعد معاينة الآيات الدالة على صدقك يخاصمونك: يقول الذين جحدوا آيات الله: ما هذا الذي نسمع إلا ما تناقله الأولون من حكايات لا حقيقة لها.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«ومنهم من يستمع إليك» إذا قرأت «وجعلنا على قلوبهم أكنة» أغطية لـ «أن» لا «يفقهوه» يفهموا القرآن «وفي آذانهم وقرا» صما فلا يسمعونه سماع قبول «وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءُوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن» ما «هذا» القرآن «إلا أساطير» أكاذيب «الأولين» كالأضاحيك والأعاجيب جمع أسطورة بالضم.
﴿ تفسير السعدي ﴾
أي: ومن هؤلاء المشركين، قوم يحملهم بعضَ الأوقات، بعضُ الدواعي إلى الاستماع لما تقول، ولكنه استماع خال من قصد الحق واتباعه، ولهذا لا ينتفعون بذلك الاستماع، لعدم إرادتهم للخير وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أي: أغطية وأغشية، لئلا يفقهوا كلام الله، فصان كلامه عن أمثال هؤلاء. وَفِي آذَانِهِمْ جعلنا وَقْرًا أي: صمما، فلا يستمعون ما ينفعهم. وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وهذا غاية الظلم والعناد، أن الآيات البينات الدالة على الحق، لا ينقادون لها، ولا يصدقون بها، بل يجادلون بالباطل الحقَّ ليدحضوه. ولهذا قال: حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ أي: مأخوذ من صحف الأولين المسطورة، التي ليست عن الله، ولا عن رسله. وهذا من كفرهم، وإلا فكيف يكون هذا الكتاب الحاوي لأنباءالسابقين واللاحقين، والحقائق التي جاءت بها الأنبياء والمرسلون، والحق، والقسط، والعدل التام من كل وجه، أساطيرَ الأولين؟.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله عز وجل : ( ومنهم من يستمع إليك ) الآية ، قال الكلبي : اجتمع أبو سفيان بن حرب وأبو جهل بن هشام والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وأمية وأبي ابنا خلف والحارث بن عامر ، يستمعون القرآن فقالوا للنضر : يا أبا قتيلة ما يقول محمد؟ قال : ما أدري ما يقول إلا أني أراه يحرك لسانه ويقول أساطير الأولين ، مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية ، وكان النضر كثير الحديث عن القرون وأخبارها . فقال أبو سفيان : إني أرى بعض ما يقول حقا ، فقال أبو جهل : كلا لا نقر بشيء من هذا ، وفي رواية : للموت أهون علينا من هذا ، فأنزل الله عز وجل : " ومنهم من يستمع إليك " وإلى كلامك ، ( وجعلنا على قلوبهم أكنة ) ، أغطية ، جمع كنان ، كالأعنة جمع عنان ، ( أن يفقهوه ) ، أن يعلموه ، قيل : معناه أن لا يفقهوه ، وقيل : كراهة أن يفقهوه ، ( وفي آذانهم وقرا ) ، صمما وثقلا هذا دليل على أن الله تعالى يقلب القلوب فيشرح بعضها للهدى ، ويجعل بعضها في أكنة فلا تفقه كلام الله ولا تؤمن ، ( وإن يروا كل آية ) ، من المعجزات والدلالات ، ( لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين ) ، يعني : أحاديثهم وأقاصيصهم ، والأساطير جمع : أسطورة ، وإسطارة ، وقيل : هي الترهات والأباطيل ، وأصلها من سطرت ، أي : كتبت .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وبعد أن بين- سبحانه- أحوال الكفار في الآخرة أتبعه بما يوجب اليأس من إيمان بعضهم فقال: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ، وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً.قال ابن عباس: إن أبا سفيان بن حرب، والوليد بن المغيرة، والنضر بن الحارث، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأمية بن خلف. استمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن، فقالوا للنضر: يا أبا قتيلة ما يقول محمد؟ فقال: والذي جعلها بيته ما أدرى ما يقول، إلا أنى أرى تحرك شفتيه يتكلم بشيء فما يقول إلا أساطير، مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية، وكان النضر كثير الحديث عن القرون الأولى وكان يحدث قريشا فيستملحون حديثه فأنزل الله هذه الآية» .والأكنة: جمع كنان كغطاء وأغطية لفظا ومعنى والوقر- بالفتح- الثقل في السمع.والمعنى: ومن هؤلاء المشركين يا محمد من يستمع إليك حين تقرأ القرآن وقد جعلنا- بسبب عنادهم وجحودهم- على قلوبهم أغطية تحول بينهم وبين فقهه، كما جعلنا في أسماعهم صمما يمنع من سماعه بتدبر وتعقل.قال صاحب المنار: «وجعل الأكنة على القلوب والوقر في الآذان في الآية من تشبيه الحجب والموانع المعنوية بالحجب والموانع الحسية فإن القلب الذي لا يفقه الحديث ولا يتدبره كالوعاء الذي وضع عليه الكن أو الكنان وهو الغطاء حتى لا يدخل فيه شيء. والآذان التي لا تسمع الكلام سماع فهم وتدبر كالآذان المصابة بالثقل أو الصمم، لأن سمعها وعدمه سواء .وقال بعض العلماء: «وهنا يسأل سائل: إذا كان منع الهداية من الله- تعالى- بالغشاوة على قلوبهم والختم عليها وبالوقر في آذانهم فلا يسمعون سماع تبصر فماذا يكون عليهم من تبعة يحاسبون عليها حسابا عسيرا بالعذاب الأليم؟والجواب عن ذلك أن الله- سبحانه- يسير الأمور وفق حكمته العلياء فمن يسلك سبيل الهداية يرشده وينير طريقه ويثيبه، ومن يقصد إلى الغواية ويسير في طريقها تجيئه النذر تباعا إنذارا بعد إنذار، فإن أيقظت النذر ضميره وتكشفت العماية عن قلبه فقد اهتدى وآمن بعد كفر. ومن لم تجد فيه النذر المتتابعة ولم توقظ له ضميرا ولم تبصره من عمى فقد وضع الله- تعالى- على قلبه غشاوة وفي آذانه وقرا» .ثم صور- سبحانه- عنادهم وإعراضهم عن الحق مهما وضحت براهينه فقال: وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها.أى: وإن يروا كل آية من الآيات الدالة على صحة نبوتك وصدق دعوتك فلن يؤمنوا بها لاستحواذ الغرور والعناد على قلوبهم.والمراد من الرؤية هنا البصرية، ومن الآيات المعجزات الحسية كانشقاق القمر ونبع الماء من بين أصابعه الشريفة.وهذه الجملة الكريمة المقصود بها ذمهم لعدم انتفاعهم بحاسة البصر بعد ذمهم لعدم انتفاعهم بعقولهم وأسماعهم.وجيء بكلمة كُلَّ لعموم النفي، أى: أنهم لا يؤمنون بأية معجزة يرونها مهما وضحت براهينها، ومهما كانت دلالتها ظاهرة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم.ثم بين- سبحانه- ما كان يجرى منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ.الأساطير جمع إسطارة أو أسطورة ومعناها الخرافات والترهات.أى: حتى إذا ما صاروا إليك أيها الرسول ليخاصموك وينازعوك في دعوتك فإنهم يقولون لك بسبب كفرهم وجحودهم، ما هذا القرآن الذي نسمعه منك إلا أقاصيص الأولين المشتملة على خرافاتهم وأوهامهم.وفي قوله- تعالى- حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ إشارة إلى أن مجيئهم لم يكن من أجل الوصول إلى الحق، وإنما كان من أجل المجادلة المتعنتة مع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها ) أي : يجيؤوك ليسمعوا قراءتك ، ولا تجزي عنهم شيئا ; لأن الله جعل ( على قلوبهم أكنة ) أي : أغطية لئلا يفقهوا القرآن ( وفي آذانهم وقرا ) أي : صمما عن السماع النافع ، فهم كما قال تعالى : ( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء [ صم بكم عمي فهم لا يعقلون ] ) [ البقرة : 171 ] . وقوله : ( وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها ) أي : مهما رأوا من الآيات والدلالات والحجج البينات ، لا يؤمنوا بها . فلا فهم عندهم ولا إنصاف ، كما قال تعالى : ( ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم [ ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ] ) [ الأنفال : 23 ] .وقوله : ( حتى إذا جاءوك يجادلونك ) أي يحاجونك ويناظرونك في الحق بالباطل ( يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين ) أي : ما هذا الذي جئت به إلا مأخوذ من كتب الأوائل ومنقول عنهم .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولينقوله تعالى : ومنهم من يستمع إليك أفرد على اللفظ يعني المشركين كفار مكة . وجعلنا على قلوبهم أكنة أي : فعلنا ذلك بهم مجازاة على كفرهم . وليس المعنى أنهم لا يسمعون ولا يفقهون ، ولكن لما كانوا لا ينتفعون بما يسمعون ، ولا ينقادون إلى الحق كانوا بمنزلة من لا يسمع ولا يفهم . والأكنة الأغطية جمع كنان مثل الأسنة والسنان ، والأعنة والعنان . كننت الشيء في كنه إذا صنته فيه . وأكننت الشيء أخفيته . والكنانة معروفة . والكنة ( بفتح الكاف والنون ) امرأة أبيك ; ويقال : امرأة الابن أو الأخ ; لأنها في كنه . أن يفقهوه أي : يفهموه وهو في موضع نصب ; المعنى كراهية أن يفهموه ، أو لئلا يفهموه . وفي آذانهم وقرا عطف عليه أي : ثقلا ; يقال منه : وقرت أذنه ( بفتح الواو ) توقر وقرا أي : صمت ، وقياس مصدره التحريك إلا أنه جاء بالتسكين . وقد وقر الله أذنه يقرها وقرا ; يقال : اللهم قر أذنه . وحكى أبو زيد عن العرب : أذن موقورة على ما لم يسم فاعله ; فعلى هذا وقرت ( بضم الواو ) . وقرأ طلحة بن مصرف ( وقرا ) بكسر الواو ; أي : جعل في آذانهم ما سدها عن استماع القول على التشبيه بوقر البعير ، وهو مقدار ما يطيق أن يحمل ، والوقر الحمل ; يقال منه : نخلة موقر وموقرة إذا كانت ذات ثمر كثير . ورجل ذو قرة إذا كان وقورا بفتح الواو ; ويقال منه : وقر الرجل ( بضم القاف ) وقارا ، ووقر ( بفتح القاف ) أيضا .قوله تعالى : وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها أخبر الله تعالى بعنادهم لأنهم لما رأوا القمر منشقا قالوا : سحر ; فأخبر الله عز وجل بردهم الآيات بغير حجة .قوله تعالى : حتى إذا جاءوك يجادلونك مجادلتهم قولهم : تأكلون ما قتلتم ، ولا تأكلون ما قتل الله ; عن ابن عباس . يقول الذين كفروا يعني قريشا ; قال ابن عباس : قالوا للنضر بن الحارث : ما يقول محمد ؟ قال : أرى تحريك شفتيه وما يقول إلا أساطير الأولين ، مثل ما أحدثكم عن القرون الماضية ، وكان النضر صاحب قصص وأسفار ، فسمع أقاصيص في ديار العجم مثل قصة رستم واسفنديار فكان يحدثهم . وواحد الأساطير أسطار كأبيات وأباييت ; عن الزجاج . قال الأخفش : واحدها أسطورة كأحدوثة وأحاديث . أبو عبيدة : واحدها إسطارة . النحاس : واحدها أسطور مثل عثكول . ويقال : هو جمع أسطار ، وأسطار جمع سطر ; يقال : سطر وسطر . والسطر الشيء الممتد المؤلف كسطر الكتاب . القشيري : واحدها أسطير . وقيل : هو جمع لا واحد له كمذاكير وعباديد وأبابيل أي : ما سطره الأولون في الكتب . قال الجوهري وغيره : الأساطير الأباطيل والترهات .قلت : أنشدني بعض أشياخي :تطاول ليلي واعترتني وساوسي لآت أتى بالترهات الأباطيل
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًاقال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن هؤلاء العادلين بربِّهم الأوثانَ والأصنامَ من قومك، يا محمد =" من يستمع إليك ", يقول: من يستمع القرآن منك, ويستمع ما تدعوه إليه من توحيد ربك، وأمره ونهيه, ولا يفقه ما تقول ولا يُوعِيه قلبَه, ولا يتدبره، ولا يصغي له سمعه، ليتفقهه فيفهم حجج الله عليه في تنزيله الذي أنزله عليك, إنما يسمع صوتك وقراءَتك وكلامك, ولا يعقل عنك ما تقول، لأن الله قد جعل على قلبه " أكنّة ".* * *= وهي جمع " كنان "، وهو الغطاء، مثل: " سِنان "،" وأسنة ". يقال منه: " أكننت الشيءَ في نفسي " ، بالألف," وكننت الشيء "، إذا غطيته, (38) = ومن ذلك: بَيْضٌ مَكْنُونٌ ، [سورة الصافات: 49] ، وهو الغطاء, (39) ومنه قول الشاعر: (40)تَحْتَ عَيْنٍ, كِنَانُنَاظِلُّ بُرْدٍ مُرَحَّلُ (41)يعني: غطاؤُهم الذي يكنُهم. (42)* * *=" وفي آذانهم وقرًا "، يقول تعالى ذكره: وجعل في آذانهم ثِقلا وصممًا عن فهم ما تتلو عليهم، والإصغاء لما تدعوهم إليه.* * *والعرب تفتح " الواو " من " الوَقْر " في الأذن، وهو الثقل فيها= وتكسرها في الحمل فتقول: " هو وِقْرُ الدابة ". ويقال من الحمل: " أوقرْتُ الدَّابة فهي مُوقَرة " = ومن السمع: " وَقَرْتُ سمعه فهو موقور ", ومنه قول الشاعر: (43)وَلِي هَامَةٌ قَدْ وَقَّر الضَّرْبُ سَمْعَهَاوقد ذكر سماعًا منهم: " وُقِرَتْ أذنه "، إذا ثقلت " فهي موقورة " =" وأوقرتِ النخلةُ، فهي مُوقِر " كما قيل: " امرأة طامث، وحائض ", لأنه لا حظّ فيه للمذكر. فإذا أريد أن الله أوقرها، قيل " مُوقَرةٌ".* * *وقال تعالى ذكره: " وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه " ، بمعنى: أن لا يفقهوه, كما قال: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا [سورة النساء: 176] ، بمعنى: أن لا تضلوا, (44) لأن " الكنّ" إنما جعل على القلب، لئلا يفقهه، لا ليفقهه. (45)* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:13152 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة: " وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرًا " ، قال: يسمعونه بآذانهم ولا يعون منه شيئًا, كمثل البهيمة التي تسمع النداء، ولا تدري ما يُقَال لها.13153 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرًا " ، أما " أكنة "، فالغطاءُ أكنّ قلوبهم، لا يفقهون الحق =" وفي آذانهم وقرًا " ، قال: صمم .13154 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: " ومنهم من يستمع إليك "، قال: قريش .13155 - حدثني المثنى قال، حدثنا حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .* * *القول في تأويل قوله : وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (25)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره : وإن ير هؤلاء العادلون بربهم الأوثان والأصنام, الذين جعلت على قلوبهم أكنة أن يفقهوا عنك ما يسمعون منك =" كل آية " ، يقول: كل حجة وعلامة تدلُّ أهل الحجَا والفهم على توحيد الله وصدق قولك وحقيقة نبوتك (46) =" لا يؤمنوا بها " ، يقول: لا يصدّقون بها، ولا يقرّون بأنها دالّة على ما هي عليه دالة =" حتى إذا جاءوك يجادلونك " ، يقول: حتى إذا صاروا إليك بعد معاينتهم الآيات الدالة على حقيقة ما جئتهم به =" يجادلونك ", يقول: يخاصمونك (47) =" يقول الذين كفروا " ، يعنى بذلك: الذين جحدوا آيات الله وأنكروا حقيقتها, يقولون لنبيِّ الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا حجج الله التي احتجَّ بها عليهم، وبيانَه الذي بيَّنه لهم =" إن هذا إلا أساطير الأوّلين " ، أي: ما هذا إلا أساطير الأوّلين.* * *و " الأساطير " جمع " إسْطارة " و " أُسطُورة " مثل " أفكوهة " و " أضحوكة " = وجائز أن يكون الواحد " أسطارًا " مثل " أبيات "، و " أبابيت "، و " أقوال وأقاويل ", (48) من قول الله تعالى ذكره: وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ ، [سورة الطور: 2] . من: " سَطَرَ يَسْطُرُ سَطْرا ".* * *فإذ كان من هذا: فإن تأويله: ما هذا إلا ما كتبه الأوَّلون.* * *وقد ذكر عن ابن عباس وغيره أنهم كانوا يتأوّلونه بهذا التأويل, ويقولون: معناه: إنْ هذا إلا أحاديث الأوّلين .13156 - حدثني بذلك المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس .13157 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي, أمّا " أساطير الأوّلين " ، فأسَاجيع الأولين. (49)* * *وكان بعض أهل العلم = وهو أبو عبيدة معمر بن المثنى = بكلام العرب يقول: " الإسطارةُ" لغةٌ، ومجازُها مجازُ الترهات. (50)* * *وكان الأخفش يقول: قال بعضهم : واحده " أسطورة ". وقال بعضهم: " إسطارة ". قال: ولا أراه إلا من الجمع الذي ليس له واحد, نحو " العباديد " (51) و " المَذَاكير "، و " الأبابيل ". (52) قال : وقال بعضهم: واحد " الأبابيل "،" إبِّيل "، وقال بعضهم: " إبَّوْل " مثل " عِجَّوْل ", (53) ولم أجد العرب تعرف له واحدًا, وإنما هو مثل " عباديد " لا واحد لها. وأما " الشَّماطيط"، فإنهم يزعمون أن واحده " شمطاط". (54) قال: وكل هذه لها واحد, إلا أنه لم يستعمل ولم يتكلم به, لأن هذا المثال لا يكون إلا جميعًا. (55) قال: وسمعت العرب الفصحاء تقول: " أرسل خيله أبابيل ", تريد جماعات, فلا تتكلم بها بواحدة. (56) وكانت مجادلتهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم التي ذكرها الله في هذه الآية، فيما ذُكِر, ما:-13158 - حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: " حتى إذا جاءوك يجادلونك " الآية، قال: هم المشركون، يجادلون المسلمين في الذَّبيحة, يقولون: " أما ما ذبحتم وقتلتم فتأكلون, وأما ما قتل الله فلا تأكلون! وأنتم تتَّبعون أمرَ الله تعالى ذكره "! (57)------------------------الهوامش :(38) انظر ما سلف 5: 102 ، 103.(39) الأجود أن يقال: "وهو المغطى" ، وكأنه كان كذلك ، وكأن الذي في المطبوعة والمخطوطة تحريف. ولكن ربما عبر القدماء بمثل هذا التعبير ، ولذلك تركته على حاله. وقد قال الطبري في ج 5: 102 ، وذكر الآية: "أي: مخبوء".(40) هو عمر بن أبي ربيعة.(41) ليس في ديوانه ، ولكنه من قصيدته التي في ديوانه: 125 - 126 ، وهو في الأغاني 1: 184 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 46 ، 188 ، واللسان (كنن) ، وغيرها. من أبياته التي أولها:هَاجَ ذَا القَلَبَ مَنْزِلُدَارِسُ الآيِ مُحْوِلُوقبله في رواية أبي الفرج في أغانيه.أرْسَلَتْ تَسْتَحِثّى وَتُفَدِّي وتَعْذُلأَيُّنَا بَاتَ لَيْلَةً بَيْنَ غُصْنَيْنِ يُوبَلُوروايته للبيت:تَحْتَ عَيْنٍ، يُكِنُّنَابُرْدُ عَصْبٍ مُهَلْهَلورواية ابن بري ، وصحح رواية أبي عبيدة وأبي جعفر:تَحْتَ عَيْنٍ، كِنَانُنَابُرْدُ عَصْبٍ مُرَحَّلُ"العين" في البيت السحاب. و"المرحل من الثياب ، الذي عليه تصاوير الرحال.(42) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 188 ، وهو شبيه بنص كلامه.(43) لم أهتد إلى قائله ، وإن كنت أذكر أني قرأت هذا الشعر في مكان.(44) انظر ما سلف 9: 445 ، 446.(45) انظر تفسير"فقه" فيما سلف 8: 557.(46) انظر تفسير"آية" فيما سلف من فهارس اللغة (أيي).(47) انظر تفسير"جادل" فيما سلف 4: 141/9 : 190 ، 193.(48) يعني بقوله: "أسطارًا" ، جمع"سطر" ، كما هو بين.(49) "الأساجيع" جمع"أسجوعة": يراد به الكهان على هيئة كلامهم.(50) في المطبوعة: "لغة ، الخرافات والترهات" غير ما في المخطوطة ، وهو نص أبي عبيدة في مجاز القرآن 1: 189. وهذا من سيئ العبث بالكتب!(51) في المطبوعة: "عباييد" ، وهو صواب ، إلا أني أثبت ما في المخطوطة. يقال: "جاء القوم عباديد ، وعبابيد" ، أي متفرقون.(52) "المذاكير" ، يقال في الفرد أيضًا. وفي الخبر أن عبدًا أبصر جارية لسيده ، فجب السيد مذاكيره = فاستعمله لرجل واحد ، وأراد به شيئه ، وما تعلق به.و"أبابيل": جماعات من هنا ، وجماعات من هنا.(53) يقال: "عجل" و"عجول" (بكسر العين ، وتشديد الجيم المفتوحة ، وسكون الواو): ولد البقرة ، وجمعه"عجاجيل".(54) "شماميط": قطع متفرقة ، يقال: "ذهب القوم شماميط": إذا تفرقوا أرسالا.(55) في المطبوعة: "جمعا" ، وأثبت ما في المخطوطة.(56) في المطبوعة: "فلا تتكلم بها موحدة" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وقد كرهت عبث الناشر بنص أبي جعفر!!(57) عند هذا الموضع ، انتهى جزء من التقسيم القديم الذي نقلت منه نسختنا ، وفيها ما نصه:"يتلوه القولُ في تأويل قولهوَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَونَ عَنْهُ وَإنْ يُهْلِكُونَإلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَوَصَلَّى اللهُ على مُحَمدٍ النبيِّ وَعَلى آلِهِ وَسَلّم كثيرًا الحمدُ للهِ ربِّ العالَمينِ" ثم يتلوه ما نصه: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرحيمِ رَبِّ يَسِّرْ".رْ"
﴿ ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين ﴾