وما أنتم -أيها الناس- بمعجزي الله في الأرض ولا في السماء إن عصيتموه، وما كان لكم من دون الله مِن وليٍّ يلي أموركم، ولا نصير ينصركم من الله إن أراد بكم سوءًا.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«وما أنتم بمعجزين» ربكم عن إدراككم «في الأرض ولا في السماء» لو كنتم فيها: أي لا تفوتونه «وما لكم من دون الله» أي غيره «من ولي» يمنعكم منه «ولا نصير» ينصركم من عذابه.
﴿ تفسير السعدي ﴾
وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ أي: يا هؤلاء المكذبون، المتجرؤن على المعاصي، لا تحسبوا أنه مغفول عنكم، أو معجزون للّه في الأرض ولا في السماء، فلا تغرنكم قدرتكم وما زينت لكم أنفسكم وخدعتكم، من النجاة من عذاب الله، فلستم بمعجزين الله في جميع أقطار العالم. وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ يتولاكم، فيحصل لكم مصالح دينكم ودنياكم، وَلَا نَصِيرٍ ينصركم، فيدفع عنكم المكاره.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء ) فإن قيل : ما وجه قوله : " ولا في السماء " والخطاب مع الآدميين وهم ليسوا في السماء ؟ .قال الفراء : معناه ولا من في السماء بمعجز ، كقول حسان بن ثابت :فمن يهجو رسول الله منكم ويمدحه وينصره سواءأراد : من يمدحه ومن ينصره ، فأضمر " من " يريد : لا يعجزه أهل الأرض في الأرض ، ولا أهل السماء في السماء . وقال قطرب : معناه وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء لو كنتم فيها ، كقول الرجل : ما يفوتني فلان هاهنا ولا بالبصرة ، أي : ولا بالبصرة لو كان بها ( وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ) أي : من ولي يمنعكم مني ولا نصير ينصركم من عذابي .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ أى: وما أنتم- أيها الناس- بقادرين على أن تفلتوا أو تهربوا من لقاء الله- تعالى- ومن حسابه، سواء كنتم في الأرض، أم كنتم في السماء، إذ ليست هناك قوة في هذا الوجود تحول بينكم وبين الانقلاب إليه- سبحانه- والوقوف بين يديه للحساب والجزاء.قال الشوكانى: وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ قال الفراء: ولا من في السماء بمعجزين الله فيها ... والمعنى: أنه لا يعجزه- سبحانه- أهل الأرض ولا أهل السماء في السماء لو كنتم فيها، كما تقول: لا يفوتني فلان هاهنا ولا بالبصرة. يعنى: ولا بالبصرة لو صار إليها ... » .وقوله- سبحانه-: وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ مؤكد لما قبله. أى:لستم بقادرين على الهرب من لقاء الله- تعالى-. في الآخرة. وليس سواه من ناصر ينصركم، أو من قريب يدفع عنكم حكمه وقضاءه- سبحانه-.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء ) أي : لا يعجزه أحد من أهل سماواته وأرضه ، بل هو القاهر فوق عباده ، وكل شيء خائف منه ، فقير إليه ، وهو الغني عما سواه .( وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير )
﴿ تفسير القرطبي ﴾
وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء قال الفراء : معناه ولا من في السماء بمعجزين الله وهو غامض في العربية ; للضمير الذي لم يظهر في الثاني وهو كقول حسان :فمن يهجو رسول الله منكم ويمدحه وينصره سواءأراد : ومن يمدحه وينصره سواء ; فأضمر ( من ) وقال عبد الرحمن بن زيد : ونظيره : قوله سبحانه : وما منا إلا له مقام معلوم أي : من له ، والمعنى : إن الله لا يعجزه أهل الأرض في الأرض ولا أهل السماء إن عصوه . وقال قطرب : ولا في السماء لو كنتم فيها كما تقول : لا يفوتني فلان بالبصرة ولا هاهنا بمعنى لا يفوتني بالبصرة لو صار إليها . وقيل : لا يستطيعون هربا في الأرض ولا في السماء . وقال المبرد : والمعنى : ولا من في السماء على أن ( من ) ليست موصولة ولكن تكون نكرة و ( في السماء ) صفة لها ، فأقيمت الصفة مقام الموصوف ورد ذلك علي بن سليمان . وقال : لا يجوز . وقال : إن ( من ) إذا كانت نكرة فلا بد من وصفها فصفتها كالصلة ، ولا يجوز حذف الموصول وترك الصلة ; قال : والمعنى إن الناس خوطبوا بما يعقلون ; والمعنى : لو كنتم في السماء ما أعجزتم الله ; كما قال :ولو كنتم في بروج مشيدة . وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ويجوز ( نصير ) بالرفع على الموضع وتكون ( من ) زائدة
﴿ تفسير الطبري ﴾
وأما قوله: ( وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ ) فإن ابن زيد قال في ذلك ما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ ) قال: لا يُعجزه أهل الأرضين في الأرضين، ولا أهل السموات في السموات إن عصوه، وقرأ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ .وقال في ذلك بعض أهل العربية من أهل البصرة: ( وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَلا ) من (فِي السَّمَاءِ) مُعْجِزِينَ قال: وهو من غامض العربية للضمير الذي لم يظهر في الثاني، قال: ومثله قول حسان بن ثابت:أمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللهِ مِنْكُمْوَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُه سَواءُ? (2)أراد: ومن ينصره ويمدحه، فأضمر " مَنْ". قال: وقد يقع في وهم السامع أن النصر والمدح لمنْ هذه الظاهرة، ومثله في الكلام: أكرمْ من أتاك وأتى أباك، وأكرم من أتاك ولم يأت زيدا. تريد: ومن لم يأت زيدا، فيكتفي باختلاف الأفعال من إعادة (مَنْ)، كأنه قال: أمَن يهجو، ومن يمدحه، ومن ينصره. ومنه قول الله عزّ وجلّ: &; 20-23 &; وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ وهذا القول أصحّ عندي في المعنى من القول الآخر، ولو قال قائل: معناه: ولا أَنتم بمعجزين في الأرض، ولا أنتم لو كنتم في السماء بمعجزين كان مذهبا.وقوله: ( وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ) يقول: وما كان لكم أيها الناس من دون الله من وليّ يلي أموركم، ولا نصير ينصركم منه الله إن أراد بكم سوءا ولا يمنعكم منه إن أحل بكم عقوبته.------------------الهوامش:(2) البيت لحسان بن ثابت وقد تقدم الاستشهاد به، وهو من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة 244 من مصورة الجامعة) قال: وقوله: (وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء) يقول القائل: وكيف وصفهم أنهم لا يعجزون في الأرض ولا في السماء، وليسوا من أهل السماء؟ فالمعنى، والله أعلم، ما أنتم بمعجزين في الأرض، ولا من السماء بمعجز. وهو من غامض العربية، للضمير الذي لم يظهر في الثاني. ومثله قول حسان: " فمن يهجو ... " البيت. أراد: ومن ينصره ويمدحه، فأضمر "من"، وقد يقع في وهم السامع أن المدح والنصر لمن هذه الظاهرة. ومثله في الكلام: أكرم من أتاك وأتى أباك، وأكرم من أتاك ولم يأت زيدًا؛ تريد: ومن لم يأت زيدًا. اه.
﴿ وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ﴾