وفي خلق أنفسكم دلائل على قدرة الله تعالى، وعبر تدلكم على وحدانية خالقكم، وأنه لا إله لكم يستحق العبادة سواه، أغَفَلتم عنها، فلا تبصرون ذلك، فتعتبرون به؟
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«وفي أنفسكم» آيات أيضا من مبدأ خلقكم إلى منتهاه، وما في تركيب خلقكم من العجائب «أفلا تبصرون» ذلك فتستدلون به على صانعه وقدرته.
﴿ تفسير السعدي ﴾
كذلك في نفس العبد من العبر والحكمة والرحمة ما يدل على أن الله وحده الأحد الفرد الصمد، وأنه لم يخلق الخلق سدى.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وفي أنفسكم ) آيات ، إذ كانت نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما إلى أن نفخ فيها الروح .وقال عطاء عن ابن عباس : يريد اختلاف الألسنة والصور والألوان والطبائع .وقال ابن الزبير : يريد سبيل الغائط والبول يأكل ويشرب من مدخل واحد ويخرج من سبيلين .( أفلا تبصرون ) [ قال مقاتل ] أفلا تبصرون كيف خلقكم فتعرفوا قدرته على البعث .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم لفتة أخرى إلى النفس البشرية، قال- تعالى-: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ.أى: وفي أنفسكم وذواتكم وخلقكم ... أفلا تبصرون إبصار تذكر واعتبار، فإن في خلقكم من سلالة من طين، ثم جعلكم نطفة فعلقة فمضغة فخلقا آخر، ثم في رعايتكم في بطون أمهاتكم. ثم في تدرجكم من حال إلى حال، ثم في اختلاف ألسنتكم وألوانكم، ثم في التركيب العجيب الدقيق لأجسادكم وأعضائكم. ثم في تفاوت عقولكم وأفهامكم واتجاهاتكم.في كل ذلك وغيره، عبرة للمعتبرين وعظة للمتعظين.ورحم الله صاحب الكشاف، فقد قال عند تفسيره لهاتين الآيتين وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ تدل على الصانع وقدرته وحكمته وتدبيره، حيث هي مدحوّة كالبساط ... وفيها المسالك والفجاج للمتقلبين فيها، والماشين في مناكبها.وهي مجزأة: فمن سهل وجبل، وبر وبحر، وقطع متجاورات: من صلبة ورخوة، وطيبة وسبخة، وهي كالطروقة تلقح بألوان النبات ... وتسقى بماء واحد، ونفضل بعضها على بعض في الأكل، وكلها موافقة لحوائج ساكنيها.في كل ذلك آيات لِلْمُوقِنِينَ أى: للموحدين الذين سلكوا الطريق السوى..فازدادوا إيمانا على إيمانهم.وَفِي أَنْفُسِكُمْ في حال ابتدائها وتنقلها من حال إلى حال، وفي بواطنها وظواهرها، من عجائب الفطر. وبدائع الخلق، ما تتحير فيه الأذهان، وحسبك بالقلوب، وما ركز فيها من العقول، وخصت به من أصناف المعاني، وبالألسن والنطق ومخارج الحروف، وما في تركيبها وترتيبها ولطائفها: من الآيات الدالة على حكمة المدبر.. فتبارك الله أحسن الخالقين .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) : قال قتادة : من تفكر في خلق نفسه عرف أنه إنما خلق ولينت مفاصله للعبادة .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : وفي أنفسكم أفلا تبصرون قيل : التقدير وفي الأرض وفي أنفسكم آيات للموقنين . وقال قتادة : المعنى من سار في الأرض رأى آيات وعبرا ، ومن تفكر في نفسه علم أنه خلق ليعبد الله . ابن الزبير ومجاهد : المراد سبيل الخلاء والبول . وقال السائب بن شريك : يأكل ويشرب من مكان واحد ويخرج من مكانين ; ولو شرب لبنا محضا لخرج منه الماء ومنه الغائط ; فتلك الآية في النفس . وقال ابن زيد : المعنى أنه خلقكم من تراب ، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ثم إذا أنتم بشر تنتشرون . السدي : وفي أنفسكم أي في حياتكم وموتكم ، وفيما يدخل ويخرج من طعامكم . الحسن : وفي الهرم بعد الشباب ، والضعف بعد القوة ، والشيب بعد السواد . وقيل : المعنى وفي خلق أنفسكم من نطفة وعلقة ومضغة ولحم وعظم إلى نفخ الروح ، وفي اختلاف الألسنة والألوان والصور ، إلى غير ذلك من الآيات الباطنة والظاهرة ، وحسبك بالقلوب وما ركز فيها من العقول ، وما خصت به من أنواع المعاني والفنون ، وبالألسن والنطق ومخارج الحروف والأبصار والأطراف وسائر الجوارح ، وتأتيها لما خلقت له ، وما سوى في الأعضاء من المفاصل للانعطاف والتثني ، وأنه إذا جسا شيء منها جاء العجز ، وإذا استرخى أناخ الذل فتبارك الله أحسن الخالقين . أفلا تبصرون يعني بصر القلب ، ليعرفوا كمال قدرته . وقيل : إنه نجح العاجز ، وحرمان الحازم . قلت : كل ما ذكر مراد في الاعتبار . وقد قدمنا في آية التوحيد من سورة " البقرة " أن ما في بدن الإنسان الذي هو العالم الصغير شيء إلا وله نظير في العالم الكبير ، وذكرنا هناك من الاعتبار ما يكفي ويغني لمن تدبر .
﴿ تفسير الطبري ﴾
وقوله ( وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: وفي سبيل الخلاء والبول في أنفسكم عِبرة لكم, ودليل لكم على ربكم, أفلا تبصرون إلى ذلك منكم.* ذكر من قال ذلك:حدثنا أحمد بن عبد الصمد الأنصاريّ, قال: ثنا أبو أُسامة, عن ابن جُرَيح, عن ابن المرتفع, قال: سمعت ابن الزُّبير يقول : ( وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ) قال: سبيل الغائط والبول.حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن ابن جُريج, عن محمد بن المرتفع, عن عبد الله بن الزُّبير ( وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ) قال: سبيل الخلاء والبول.وقال آخرون: بل معنى ذلك: وفي تسوية الله تبارك وتعالى مفاصل أبدانكم وجوارحكم دلالة لكم على أن خلقتم لعبادته.* ذكر من قال ذلك:حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ) , وقرأ قول الله تبارك وتعالى وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ قال: وفينا آيات كثيرة, هذا السمع والبصر واللسان والقلب, لا يدري أحد ما هو أسود أو أحمر, وهذا الكلام الذي يتلجلج به, وهذا القلب أيّ شيء هو, إنما هو مضغة في جوفه, يجعل الله فيه العقل, أفيدري أحد ما ذاك العقل, وما صفته, وكيف هو.والصواب من القول في ذلك أن يقال: معنى ذلك: وفي أنفسكم أيضا أيها الناس آيات وعِبر تدلُّكم على وحدانية صانعكم, وأنه لا إله لكم سواه, إذ كان لا شيء يقدر على أن يخلق مثل خلقه إياكم ( أَفَلا تُبْصِرُونَ ) يقول: أفلا تنظرون في ذلك فتتفكروا فيه, فتعلموا حقيقة وحدانية خالقكم.