إن هذه الآيات المخوفة التي فيها القوارع والزواجر عظة وعبرة للناس، فمن أراد الاتعاظ والانتفاع بها اتخذ الطاعة والتقوى طريقًا توصله إلى رضوان ربه الذي خلقه وربَّاه.
إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا [أي:] إن هذه الموعظة التي نبأ الله بها من أحوال يوم القيامة وأهواله ، تذكرة يتذكر بها المتقون، وينزجر بها المؤمنون، فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا أي: طريقا موصلا إليه، وذلك باتباع شرعه، فإنه قد أبانه كل البيان، وأوضحه غاية الإيضاح، وفي هذا دليل على أن الله تعالى أقدر العباد على أفعالهم، ومكنهم منها، لا كما يقوله الجبرية: إن أفعالهم تقع بغير مشيئتهم، فإن هذا خلاف النقل والعقل.
﴿ تفسير البغوي ﴾
"إن هذه"، أي: آيات القرآن "تذكرة"، تذكير وموعظة، "فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً"، بالإيمان والطاعة.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم ختم- سبحانه- هذه التهديدات بقوله: إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا.واسم الإشارة «هذه» يعود إلى الآيات المتقدمة، المشتملة على الكثير من القوارع والزواجر.والتذكرة: اسم مصدر بمعنى التذكير والاتعاظ والاعتبار. ومفعول «شاء» محذوف.والمعنى: إن هذه الآيات التي سقناها لكم تذكرة وموعظة، فمن شاء النجاة من أهوال يوم القيامة، فعليه أن يؤمن بالله- تعالى- إيمانا حقا، وأن يتخذ بسبب إيمانه وعمله الصالح، طريقا وسبيلا إلى رضا ربه ورحمته ومغفرته.والتعبير بقوله: فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ ... ليس من قبيل التخيير، وإنما المقصود به الحض والحث على سلوك الطريق الموصل إلى الله- تعالى- بدليل قوله- تعالى- قبل ذلك:إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ أى: هذه الآيات تذكرة وموعظة، فمن ترك العمل بها ساءت عاقبته، ولم يكن من الذين سلكوا طريق النجاة.وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ هذا، والمتأمل في هذه الآيات الكريمة، - من أول السورة إلى هنا-، يراها قد نادت الرسول صلى الله عليه وسلم نداء فيه ما فيه من الملاطفة والمؤانسة، وأمرته بأن يقوم الليل إلا قليلا متعبدا لربه، كما أمرته بالصبر على أذى المشركين، حتى يحكم الله- تعالى- بينه وبينهم.كما يراها قد هددت المكذبين بأشد أنواع التهديد. وذكرتهم بأهوال يوم القيامة، وبما حل بالمكذبين من قبلهم، وحرضتهم على سلوك الطريق المستقيم.وبعد هذه الإنذارات المتعددة للمكذبين، عادت السورة الكريمة إلى الحديث عن قيام الليل لعبادة الله- تعالى- وطاعته ... فقال- سبحانه-:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
يقول تعالى : ( إن هذه ) أي : السورة ) تذكرة ) أي : يتذكر بها أولو الألباب ; ولهذا قال : ( فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ) أي : ممن شاء الله هدايته ، كما قيده في السورة الأخرى : ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما ) [ الإنسان : 30 ] .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : إن هذه تذكرة يريد : هذه السورة أو الآيات عظة . وقيل : آيات القرآن ، إذ هو كالسورة الواحدة .فمن شاء اتخذ إلى ربه أي من أراد أن يؤمن ويتخذ بذلك إلى ربه سبيلا أي طريقا إلى رضاه ورحمته فليرغب ، فقد أمكن له ; لأنه أظهر له الحجج والدلائل . ثم قيل : نسخت بآية السيف ، وكذلك قوله تعالى : فمن شاء ذكره قال الثعلبي : والأشبه أنه غير منسوخ .
﴿ تفسير الطبري ﴾
يعني تعالى ذكره بقوله : إن هذه الآيات التي ذكر فيها أمر القيامة وأهوالها ، [ ص: 697 ] وما هو فاعل فيها بأهل الكفر تذكرة ، يقول : عبرة وعظة لمن اعتبر بها واتعظ ( فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ) يقول : فمن شاء من الخلق اتخذ إلى ربه طريقا بالإيمان به ، والعمل بطاعته .وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .ذكر من قال ذلك :حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( إن هذه تذكرة ) يعني القرآن ( فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ) بطاعة الله .